الأربعاء، 19 مارس 2025

05:09 م

محمد مطش يكتب.. الرضا والقناعة والحياة

الأربعاء، 19 مارس 2025 09:40 ص

محمد مطش

الكاتب محمد مطش

الكاتب محمد مطش

في عالمنا المعاصر، الذي يعج بالتحديات والمطالب المتزايدة، تصبح فكرة الرضا والقناعة أكثر أهمية من أي وقت مضى.

 إنها القوة التي تساعد الأفراد على الحفاظ على استقرارهم النفسي، وتحقيق التوازن بين طموحاتهم وواقعهم، وتمنحهم القدرة على التكيف مع التحولات السريعة في الحياة. 

فالرغبة في تحسين الذات وتحقيق الأهداف مهمة، لكن الرضا الداخلي هو العنصر الذي يضمن تحقيق التوازن الحقيقي. 

فالرضا هو شعور داخلي بالقبول بما نحن عليه الآن، بمعنى أننا نعيش في اللحظة الحالية دون الشعور بأننا بحاجة مستمرة لتحسين كل جانب من جوانب حياتنا. 

هو نوع من السلام الداخلي الذي ينشأ عندما نقبل أنفسنا وحياتنا كما هي، مع استعداد لتطويرها دون القلق المفرط أو الشعور بالنقص. 

أما القناعة، فهي حالة نفسية تدل على الرضا بما نمتلكه من نعم، وإدراك أن الحياة ليست قائمة على السعي المستمر وراء المزيد من المال أو الشهرة أو المكانة الاجتماعية، فالقناعة تتعلق بالاعتراف بأن السعادة لا تكمن في الامتلاك بقدر ما تكمن في الرضا الداخلي والنظرة الإيجابية إلى ما حولنا.

والرضا الداخلي لا يعني التوقف عن السعي أو التقاعس عن تحقيق الأهداف، بل هو الأساس الذي يمكننا من تحقيق النجاح بشكل أكثر اتزانًا. 

الشخص الذي يتمتع بالرضا الداخلي يكون أكثر قدرة على التعامل مع التحديات والأزمات التي قد يواجهها، فهو لا يضيع طاقته في القلق أو التوتر بشأن ما ينقصه، بل يركز على تطوير ذاته وتحقيق أهدافه بواقعية ومرونة.

 وعندما يكون الفرد راضيًا عن نفسه، يصبح أكثر قدرة على التعلم من أخطائه، والتكيف مع التغيرات، ولا يفرط في توقعاته أو يتخلى عن نفسه عند مواجهة الصعوبات.

 هذا الرضا الداخلي يمنحه القوة والثقة للمضي قدمًا في طريق النجاح، حيث يثق في قدراته ولا يشعر بالإحباط أو الفشل، بل يرى في كل خطوة فرصًا للنمو والتطور والارتقاء.

كما أن التوازن بين الرضا والطموح يعد من أبرز التحديات التي قد يواجهها الفرد في حياته اليومية، فبعض الناس قد يبالغون في الطموح إلى درجة أنهم لا يشعرون بالرضا مهما حققوا من إنجازات، بينما قد يفضل البعض الآخر الرضا الكامل عن واقعهم الحالي ويكتفون بما هم عليه، مما قد يعيق تطورهم الشخصي.

 لكن التوازن بين الرضا والطموح يمكن تحقيقه إذا تعلمنا كيف نحتفظ بالرضا عن أنفسنا، وفي نفس الوقت نضع أهدافًا واقعية نطمح لتحقيقها. 

ويمكننا أن نكون راضين عن التقدم الذي أحرزناه، مع الاستمرار في تطوير مهاراتنا والوصول إلى مراحل جديدة من النجاح. بمعنى آخر، نعيش في الحاضر ونستمتع بما نحن عليه الآن، ولكن مع فتح الأفق للمستقبل واستمرار السعي نحو التطور والتجديد.

ويواجه الناس في العصر الحديث العديد من التحديات المرتبطة بالتكنولوجيا، ووسائل التواصل الاجتماعي، والمقارنات الاجتماعية التي تجعل من الصعب الحفاظ على القناعة والرضا.

 فقد يشعر البعض بالضغط المستمر للمقارنة مع الآخرين، وهو ما يؤدي إلى حالة من عدم الرضا أو القناعة الداخلية. وللحفاظ على الرضا الداخلي في مثل هذه الظروف، يجب أن نتعلم كيف نضع حدودًا لما نستهلكه من معلومات ومحتوى إعلامي ورسائل موجهة. 

كما يجب علينا أن نركز على ما هو مهم لنا شخصيًا، ونمارس الامتنان لما نملكه، علاوة على ذلك، ينبغي أن نُذكِّر أنفسنا بأننا في رحلة مستمرة للتطور، وأن كل شخص له وقته الخاص، وأننا لا نحتاج التركيز في حياة الآخرين.

 بل يجب علينا التأمل في اللحظات اليومية التي تمنحنا السلام الداخلي، مثل تواصلنا مع الأحبة، أو لحظات الهدوء والسعادة والتقرب إلى الله، أو من خلال إحراز ما نحققه من أهداف.

لذلك، فإن تحقيق الرضا الشخصي يتطلب مجموعة من المفاتيح التي تساهم في الحفاظ على توازن حياتنا النفسية، منها على سبيل المثال: الامتنان، فالامتنان يساعدنا على تغيير نظرتنا للأشياء من حولنا، فعندما نقدر ما لدينا من أشياء، نجد أن الحياة تبدو أكثر إشراقًا. 

أيضًا التقبل، فقبول الذات من الأمور الهامة، فهي تعني التكييف والتأقلم مع الواقع والعمل على تطويره بشكل منطقي ومدروس. 

كذلك التوازن بين العمل والراحة من المفاتيح الهامة لإدارة الذات، واستعادة الطاقة، وتحقيق الأهداف المرجوة. وأخيرًا، فإن النظر إلى الجوانب المضيئة في حياتنا اليومية، والبعد عن السلبيات، يعزز بالطبع شعورنا بالرضا والقناعة الداخلية.

إن هذه القضية الإنسانية باتت أمرًا في غاية الأهمية والتعقيد، وخصوصًا في زماننا هذا. فالرضا والقناعة هما أساس الحياة المتوازنة الناجحة.

 وعندما نمتلك الرضا الداخلي، نصبح أكثر قدرة على التفاعل الإيجابي مع الآخرين، ونتعامل مع تحديات الحياة برؤية واضحة ومتفائلة.

 كما أن الرضا والقناعة لا ينحصران في حياة الفرد فقط، بل يمتد تأثيرهما إلى محيطه الاجتماعي، مما يعزز من استقرار المجتمع بشكل عام.

 كما إن الأشخاص الذين يشعرون بالرضا يعيشون حياة أكثر اتزانًا، مما يساهم في بناء مجتمع أكثر سعادة وإنتاجية وارتقاء. 

فقد آن الأوان علينا جميعًا أن نتذكر دائمًا أن القناعة والرضا هما سر السعادة الحقيقية، وإنهما ليسا فقط شعورًا داخليًا، بل هما أسلوب حياة يساعدنا على العيش في حياة مليئة بالسلام الداخلي والتوازن المطلوب، مما ينعكس إيجابًا على علاقاتنا وأهدافنا السامية داخل محيط الأسرة أولًا، ومن ثم المجتمع بشكل عام.

search