الأحد، 22 ديسمبر 2024

05:10 ص

بعد مأساة انتحار المدرس حرقًا بسبب التنمر من التلاميذ..

مدرسة المشاغبين تدفع مدرس لإنهاء حياته في تونس

السبت، 30 نوفمبر 2024 10:04 م

هدير جمعه

عقوبة التنمر الإلكتروني

عقوبة التنمر الإلكتروني

 

في مشهد صادم يعكس أزمات اجتماعية وتربوية متفاقمة، أنهى مدرس تونسي حياته بإضرام النار في جسده، بعدما تعرض لحملة تنمر إلكترونية واسعة النطاق. هذه الحادثة المأساوية التي وقعت في مدينة المهدية أعادت إلى الواجهة قضايا التنمر داخل المجتمع التعليمي، ودور وسائل التواصل الاجتماعي في تأجيج الأزمات.

التفاصيل الكاملة للحادثة

بدأت القصة عندما وقعت مناوشة بين الأستاذ وعدد من تلاميذه في منتصف نوفمبر الماضي. وفقًا لشهادات وشكاوى متداولة، استفز الطلاب أستاذهم عمدًا، ووثقوا الحادثة بفيديو نشر لاحقًا على وسائل التواصل الاجتماعي. الفيديو أظهر الأستاذ في لحظة غضب وهو يلاحق أحد التلاميذ، ما جعله عرضة للسخرية والتنمر من قبل الطلاب ورواد الإنترنت.

لم تتوقف الأمور عند ذلك؛ بل تصاعدت لتشمل تقديم والدة أحد الطلاب شكوى رسمية ضده، استدعي على إثرها للتحقيق من قِبل الجهات المختصة، بما في ذلك فرقة البحث في جرائم العنف ضد المرأة والطفل.

بحسب فريد بن جحا، الناطق باسم محاكم المهدية والمنستير، "الأستاذ كان يعاني ضغوطًا نفسية حادة جراء الحملة التي تعرض لها على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أدت إلى تشويه سمعته وإضعاف معنوياته. مع تزايد الانتقادات والتحقيقات، اختار أن يضع حدًا لمعاناته بطريقة مأساوية بإشعال النار في جسده باستخدام مادة البنزين".

ردود أفعال غاضبة

الحادثة فجّرت غضبًا واسعًا داخل المجتمع التربوي في تونس. عبر المدرسون عن استيائهم الشديد مما وصفوه بانهيار القيم التربوية والاجتماعية، مطالبين بحماية أكبر للمدرسين الذين باتوا عرضة للتنمر والسخرية، سواء داخل المؤسسات التعليمية أو عبر المنصات الرقمية.

على وسائل التواصل الاجتماعي، تباينت الآراء بين التعاطف مع المدرس والدعوة إلى إصلاح جذري للمنظومة التربوية. كتب أحد النشطاء: "رحم الله الأستاذ فاضل جلولي. النهاية كانت تعيسة تمامًا كتعاسة الواقع التربوي والاجتماعي". وأضاف آخر: "حين ينتحر المعلم، فهذا يعني أن النظام التربوي بأكمله في خطر".

التنمر الإلكتروني.. وجه قاتم لوسائل التواصل الاجتماعي

حادثة انتحار الأستاذ ألقت الضوء على المخاطر المتزايدة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة بين الناشئة. يرى الخبراء أن التنمر الإلكتروني أصبح مشكلة متفاقمة في تونس، حيث تُستخدم المنصات الرقمية كوسيلة للتشهير والإساءة.

تقول الباحثة الاجتماعية ليلى المهيري: "الأمر ليس جديدًا، لكن الحادثة الأخيرة أبرزت حجم الكارثة. نحن نعيش في عصر أصبحت فيه التكنولوجيا أداة تهديد، بدل أن تكون وسيلة بناء. الأطفال والشباب اليوم ينغمسون في فضاء رقمي دون رقابة، مما يؤدي إلى سلوكيات منحرفة كالتنمر".

النظام التربوي في مرمى الاتهامات

أشار العديد من المراقبين إلى أن النظام التربوي في تونس يعاني من أزمات متعددة، أبرزها ضعف الانضباط داخل المؤسسات التعليمية وغياب القوانين الصارمة التي تحمي المدرسين من الإساءات.

تقول إحدى المدرسات: "البيئة التربوية أصبحت طاردة. نحن نعمل في ظروف صعبة، وبدلاً من الحصول على الدعم، نجد أنفسنا عرضة للإهانة والتشكيك في كل خطوة. كيف يمكن أن تستمر العملية التعليمية بهذا الشكل؟".

النقابات التربوية في تونس بدورها عبرت عن قلقها العميق إزاء تزايد حوادث العنف ضد المدرسين، سواء كانت لفظية أو جسدية أو رقمية. ونظمت الجمعة الماضية إضرابًا عامًا رمزيًا استمر ساعة، مطالبة بتفعيل قوانين تجرم التنمر وتضمن حقوق المدرسين.

دور الأسرة في التصدي للتنمر

إلى جانب المؤسسات التعليمية، تحمل الأسر جزءًا كبيرًا من المسؤولية في مراقبة سلوكيات أبنائها. يعتبر العديد من الخبراء أن انشغال الآباء عن تربية ومتابعة أطفالهم، خاصة في ظل الإدمان على التكنولوجيا، أحد الأسباب الرئيسية لتفاقم الظاهرة.

يقول الخبير التربوي جمال الحاجي: "الأسر اليوم تترك أبناءها فريسة للفضاء الرقمي دون رقابة. هذه الفوضى التكنولوجية تزرع قيمًا خاطئة لدى الناشئة، وتجعلهم يفتقدون الإحساس بالمسؤولية والاحترام".

قوانين الحماية.. هل تكفي؟

تأتي هذه الحادثة في وقت بدأت فيه تونس اتخاذ خطوات قانونية للحد من التنمر الإلكتروني. أكد فريد بن جحا أن القانون يعاقب كل من تجاوز 13 عامًا على أفعال التنمر أو الإساءة عبر الإنترنت، بعقوبات تصل إلى السجن لمدة سنتين. إلا أن هذه القوانين تُعتبر غير كافية، وفقًا للعديد من الخبراء.

"القوانين الحالية لا تشمل آليات لحماية المدرسين بشكل خاص، ولا تأخذ بعين الاعتبار حجم التأثير النفسي للتنمر على الضحايا"، تقول المحامية عائشة بن سالم.

حلول مقترحة لمواجهة الأزمة

لمنع تكرار مثل هذه الحوادث، قدم الخبراء والمجتمع التربوي مجموعة من الحلول، أبرزها:

  1. تشديد الرقابة على الطلاب داخل المؤسسات التعليمية وخارجها.
  2. تطبيق قوانين أكثر صرامة لمعاقبة المتنمرين، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي.
  3. إطلاق حملات توعية تستهدف الطلاب والأسر حول مخاطر التنمر.
  4. توفير دعم نفسي واجتماعي للمدرسين الذين يتعرضون لضغوط.
  5. تعزيز التواصل بين الأسرة والمدرسة لضمان متابعة سلوك الطلاب.

 

حادثة انتحار المدرس في المهدية ليست مجرد مأساة فردية، بل هي مؤشر خطير على أزمات اجتماعية وتربوية متشابكة. التنمر، سواء كان لفظيًا أو إلكترونيًا، لم يعد مجرد سلوك مرفوض، بل أصبح تهديدًا حقيقيًا لحياة الأفراد ولمستقبل المنظومة التربوية.

إذا لم يتحرك الجميع – الدولة، الأسرة، المدرسة – لوقف هذه الظاهرة، فإن الحادثة قد تكون مجرد بداية لمسلسل من المآسي التي تهدد أسس التعليم والمجتمع.

search