الجمعة، 15 نوفمبر 2024

10:23 م

عبد الظاهر دندراوي يكتب: قانون ايجار الأماكن بين الالغاء والابقاء

الخميس، 07 نوفمبر 2024 10:39 ص

عبد الظاهر دندراوي المحامي بالنقض

عبد الظاهر دندراوي المحامي بالنقض

يعد قانون ايجار الأماكن الاستثنائي، وهو تمييز له عن الإيجار في القانون المدني، من اكثر القوانين إثارة للجدل والمنازعات في المجتمع.
وبما أن هذا القانون يعتبر من القوانين سيئة السمعة، فكان لزاما أن تلقي تبعته علي غير الحقيقة علي عبد الناصر وثورته.
والحقيقة المؤكدة انه لا علاقة لعبد الناصر بهذا القانون، وإنما من ورثة الحكم البائد.
فالثابت أن المشرع المصرى تدخل إبان فترة الاحتلال وحكم الملوك، لتعطيل العمل باحكام عقد الإيجار في القانون المدني.
وكانت المرة الاولي في أعقاب الحرب العالمية الاولى، بأن أصدرالحاكم العسكرى أمرا عسكريا في ٢١ فبراير ١٩٢١ قضي بتقييد أجرة المساكن، لمدة تنتهي في ٢٠ يونيه ١٩٢٢، ثم مد العمل بهذا الأمر حتي أول يوليه ١٩٢٥م.
وكانت المرة الثانية اثناء الحرب العالمية الثانية، نتيجة لتوقف حركة البناء ووفود الكثير من الأجانب هربا من ويلات الحروب في بلادهم، وانتهز أصحاب الأملاك الفرصة لرفع الإيجار طبقا لقانون العرض والطلب.
وكان نتيجة لذلك، أن صدر الأمر العسكرى رقم ١٥١ لسنة ١٩٤١، قصي بغل يد الملاك عن زيادة القيمة الايجارية، وقرر امتداد العقود. واعقب هذا الأمر مجموعة من الأوامر الاخرى وآخرها القانون رقم ١٢١لسنة ١٩٤٧، والذي قضي بتعطيل العمل باحكام القانون المدني.
وبعد قيام ثورة يوليو ما كان لها الاستطاعة لإلغاء هذه القوانين خاصة بعد ان أعلنت إنحيازها للطبقات الفقيرة والمتوسطة. واصدرت العديد من القوانين المنظمة للعلاقة الايحارية مع الابقاء علي الأمر كما هو، وآخر القوانين السارية هي القانون ٤٩ لسنة ١٩٧٧ والمعدل بالقانون ١٣٦لسنة ١٩٨١، والقانون ٦ لسنة ١٩٩٧، والقانون ١٠ لسنة ٢٠٢٢.
ونتيجة للاثار المترتبة علي هذه القوانين وشعور الملاك، بأن هناك ظلما لحق بهم وصدور فتاوى شرعية بحرمة القانون، وتدخل المحكمة الدستورية اكثر من مرة، وتدخل المشرع علي أثر ذلك لاحتواء غضب المستأجرين أيضا، حيث تظهر ما بين الحين والآخر علي السطح، قضية الغاء قانون ايجار الأماكن خاصة بعد ان أعلن الرئيس ذلك في أحد اللقاءات.
والحقيقة انه نتيجة للتعديلات المتسرعة وغير المدروسة وأحيانا المغرضة يضاف الي ذلك ما اعتنقته محكمة النقض في احكامها من امتداد عقد الإيجار لجميع من لهم هذا الحق حتي وان ترك وتخلي عن المكان بعد ذلك.
وأصبح حصول المالك على حكم بانتهاء عقد الإيجار، أصعب من دخول الجنة!! ناهيك عن عقبات التنفيذ ونفقاته.
ومن المؤكد ان القيمة الايجارية التي تم تقديرها وقت التعاقد كانت قيمة ايجارية معقولة ومقبولة، خاصة إذا علمنا ان العشرة جنيهات كانت تمثل نصف راتب مدير عام.
وبالتالي فان بقاء القيمة الايجارية كما هي منذ اكثر من خمسين عاما، فيه ظلم واجحاف بحقوق الملاك.
ومن خلال عملنا بالمحاماة مدة قاربت النصف قرن، فإننا نستطع ان نقول انه لا يجوز الابقاء علي القانون كما هو، كما لا يجوز الغائه دفعة واحدة، وإنما يتعين اصدار تشريع موحد ينص علي الغاء جميع القوانين السابقة، يشارك في اعداده كبار المستشارين والمحامين المتخصصين في هذا القانون. ويتضمن انهاء عقود ايجار كافة الوحدات المغلقة  وكذلك عقود ايجار المستأجرين، الذين يثبت ان لديهم وحدات تمليك وأن يقصر حق الامتداد علي من استمرت اقامتة بالعين فقط، دون سائر باقي من لهم حق الامتداد حتي وان صدرت أحكام لصالحهم.
بالإضافة الي ذلك، زيادة القيمة الايجارية زيادة معقولة ومقبولة، هذا بالنسبة للوحدات المؤجرة للسكني.
اما الأماكن المؤجرة كمحلات تجارية ومهنية وصناعية، فانه يتعين ان يقتصر الامتداد فقط لمن كان يمارس المهنة او التجارة مع المستأجر الاصلي، دون باقي الورثة كما ينص القانون الحالي على ان تزاد القيمة الايجارية زيادة معقولة ومقبولة.
ولكن تبقي مسألة غاية في الدقة، وهي الأماكن التي قام المستأجر بشراء عقد ايجارها وهو ما يسمي بالجد، والتي يكون المستأجر دفع فيها مبالغ طائلة قد تزيد على قيمتها كتمليك ظنا  منه ان القانون سوف يظل كما هو.
والرأي عندى ان يحرر لمثل هؤلاء عقد إيجار لمدة ٥٩ سنة او يتفق علي بيع المكان له مقابل مبلغ معقول.
ولن يكون هناك حل جزري لمشكلة الإسكان في البلاد، الا اذا تدخلت الدولة ببناء وحدات تكون في متناول الطبقات الفقيرة والمتوسطة، بدلا من الدخول في منافسة رجال الأعمال في بناء المنتجعات، وان تعمل علي بيع قطع ارض بأسعار مقبولة لهذه الطبقات، وإلا ستظل مشكلة الإسكان من أعقد المشاكل واخطرها.

مستشارك القانوني

عبد الظاهر دندراوي المحامي بالنقض

search