السبت، 02 نوفمبر 2024

11:39 م

الإفتاء: جند مصر هم خير أجناد الأرض لأنهم في رباط إلى يوم القيامة

الأحد، 06 أكتوبر 2024 02:07 م

السيد الطنطاوي

دكتور شوقي علام

دكتور شوقي علام

قال الدكتور شوقي إبراهيم علام مفتي الجمهورية الأسق، إن جند مصر هم خير أجناد الأرض؛ لأنهم في رباط إلى يوم القيامة بالوصية النبوية بأهلها؛ لأن لهم ذمة ورحمًا وصهرًا، وكل الأحاديث الواردة معانيها صحيحة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ تتابع على ذكرها وإثباتها أئمة المسلمين ومحدثوهم ومؤرخوهم عبر القرون سلفًا وخلفًا، ولا يقدح في صحتها وثبوتها ضعفُ بعض أسانيدها؛ فإن في أحاديثها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر الذي احتج به العلماء، وقد اتفق المؤرخون على إيراد هذه الأحاديث والاحتجاج بها في فضائل مصر من غير نكير.

ويجمع هذه المعاني: ما ذكره سيدُنا عمرو بن العاص رضي الله عنه وما أورده من أحاديث مرفوعة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خُطبته الشهيرة التي خطب بها أهلَ مصر المحروسة على أعواد منبر مسجده العتيق بفسطاط مصر القديمة، وكان ذلك في أواخر فصل الشتاء، بعد أيام قليلة من (حميم النصارى) وهو خميس العهد عند المسيحيين؛ حيث كان يحض الناس في أواخر شهر مارس أو أوائل شهر أبريل على الخروج للربيع، وكان يخطب بذلك في كل سنة. وقد سمعها منه المصريون وحفظوها، وتداولوها جيلًا بعد جيلٍ، ودونوها في كتبهم ومصنفاتهم، وصدَّروا بها فضائل بلدهم، وذكروا رواتَها في تواريخِ المصريين ورجالِهم كابرًا عن كابرٍ، وأطبقوا على قبولها والاحتجاج بها في فضائل أهل مصر وجندها عبر القرون؛ لا ينكر ذلك منهم مُنكِرٌ، ولا يتسلط على القدح فيها أحدٌ يُنسَبُ إلى علمٍ بحديثٍ أو فقهٍ؛ بل عدُّوها من مآثر خُطَب سيدنا عمرو رضي الله عنه ونفيس حديثه، ولم يطعن فيها طاعن في قديم الدهر أو حديثه.

وقد أسند عمرو بن العاص رضي الله عنه في هذه الخطبة الحديثَ المرفوع في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأهل مصر خيرًا، عن عُمَر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقول: «إِنَّ اللهَ سَيَفْتَحُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي مِصْرَ، فَاسْتَوْصُوا بِقِبْطِهَا خَيْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مِنْهُمْ صِهْرًا وَذِمَّةً».
وأسند أيضًا الحديثَ المرفوع في فضل جند مصر عن عُمَر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِذَا فَتَحَ عَلَيْكُمْ مِصْرَ؛ فَاتَّخِذُوا فِيهَا جُنْدًا كَثِيفًا؛ فَذَلِكَ الْجُنْدُ خَيْرُ أَجْنَادِ الْأَرْضِ»، فقال أبو بكر الصِّدِّيقُ رضي الله عنه: ولِمَ يا رسول الله؟ قال: «لِأَنَّهُمْ وَأَزْوَاجَهُمْ وأبناءَهم فِي رِبَاطٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».

وقد روى هذه الخطبةَ قاضي مصر الإمامُ الحافظ عبد الله بن لهيعة، ورواها عنه الإمامان الحافظان: أبو نُعيم إسحاق بن الفرات التُّجِيبيُّ، وأبو زكريا يحيى بن عبد الله بن بُكَير المخزومي. فأخرجها مستوفاةً من طريق إسحاقَ بن الفرات عن ابن لهيعة: الإمامُ الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم [ت257هـ] في "فتوح مصر والمغرب" (ص: 166-167، ط. مكتبة الثقافة الدينية) فقال: [حدثنا سعيد بن ميسرة، عن إسحاق بن الفرات، عن ابن لهيعة، عن الأسود بن مالك الحميرى، عن بحير بن ذاخر المعافري، قال: رحت أنا ووالدي إلى صلاة الجمعة تهجيرًا، وذلك آخر الشتاء، أظنه بعد حميم النَّصارى بأيام يسيرة، فأطلنا الركوع إذْ أقبل رجال بأيديهم السياط، يزجرون الناس، فذعرت، فقلت: يا أبت، من هؤلاء؟ قال: يا بنيَّ هؤلاء الشُّرَطُ. فأقام المؤذّنون الصلاة، فقام عمرو بن العاص رضي الله عنه على المنبر، فرأيت رجلًا ربعة قصد القامة وافر الهامة، أدعج أبلج، عليه ثياب مَوْشِيَّةٌ كأنَّ به العِقْيَان تأتلق عليه حلَّة وعمامة وجبَّة، فحمد الله وأثنى عليه حمدًا موجزًا وصلَّى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ووعظ الناس، وأمرهم ونهاهم، فسمعته يحضُّ على الزكاة، وصلة الأرحام، ويأمر بالاقتصاد، وينهى عن الفضول وكثرة العيال. وقال فى ذلك: يا معشر الناس، إيَّاي وخلالًا أربعًا، فإنها تدعو إلى النصب بعد الراحة، وإلى الضيق بعد السعة، وإلى المذلَّة بعد العزَّة؛ إيَّايَ وكثرةَ العيال، وإخفاضَ الحال، وتضييعَ المال، والقيلَ بعد القال، في غير درك ولا نوال، ثم إنه لا بدَّ من فراغ يئول إليه المرء فى توديع جسمه، والتدبير لشأنه، وتخليته بين نفسه وبين شهواتها، ومن صار إلى ذلك فليأخذ بالقصد والنصيب الأقل، ولا يضيع المرء في فراغه نصيب العلم من نفسه فيحور من الخير عاطلًا، وعن حلال الله وحرامه غافلًا.
يا معشر الناس، إنه قد تدلت الجوزاء، وذَكَت الشِّعْرَى، وأقلعت السَّماء، وارتفع الوباء، وقلَّ الندى، وطاب المرعى، ووضعت الحوامل، ودرَّجت السخائل، وعلى الراعي بحسن رعيَّته حسن النظر، فحيَّ لكم على بركة الله إلى ريفكم؛ فنالوا من خيره ولبنه، وخرافه وصيده، وأربعوا خيلكم وأسمنوها وصونوها وأكرموها، فإنَّها جُنَّتكم من عدوكم، وبها مغانمكم وأثقالكم، واستوصوا بمن جاورتموه من القبط خيرًا، وإيَّاي والمشمومات والمعسولات، فإنهنَّ يفسدن الدِّين ويقصِّرن الهمم.
حدثني عمر أمير المؤمنين رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِنَّ اللهَ سَيَفْتَحُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي مِصْرَ، فَاسْتَوْصُوا بِقِبْطِهَا خَيْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مِنْهُمْ صِهْرًا وَذِمَّةً»، فعفُّوا أيديكم وفروجكم، وغضُّوا أبصاركم، ولا أعلمنَّ ما أتى رجل قد أسمن جسمه، وأهزل فرسه، واعلموا أني معترض الخيل كاعتراض الرجال، فمن أهزل فرسه من غير علَّة حططتُه من فريضته قدر ذلك، واعلموا أنكم في رباط إلى يوم القيامة، لكثرة الأعداء حوالكم وتشوُّق قلوبهم إليكم وإلى داركم، معدن الزرع والمال والخير الواسع والبركة النامية.
وحدثني عمر أمير المؤمنين رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِذَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ مِصْرَ، فَاتَّخِذُوا فِيهَا جُنْدًا كَثِيفًا؛ فَذَلِكَ الْجُنْدُ خَيْرُ أَجْنَادِ الْأَرْضِ» فقال له أبو بكر: ولم يا رسول الله؟ قال: «لِأَنَّهُمْ وَأَزْوَاجَهُمْ فِي رِبَاطٍ إِلَى يَوْمٍ الْقِيَامَةِ».
فاحمدوا الله معشر الناس على ما أولاكم، فتمتَّعوا في ريفكم ما طاب لكم؛ فإذا يبس العود، وسخن العمود، وكثر الذباب، وحمض اللبن، وصوَّح البقل، وانقطع الورد من الشجر، فحيَّ على فسطاطكم، على بركة الله، ولا يقدَمَنَّ أحد منكم ذو عيال على عياله إلا ومعه تحفة لعياله على ما أطاق من سعته أو عسرته، أقول قولي هذا وأستحفظ الله عليكم.
قال: فحفظت ذلك عنه، فقال والدي بعد انصرافنا إلى المنزل لمَّا حكيتُ له خطبته: إنه يا بنيَّ يحدو الناس إذا انصرفوا إليه على الرباط، كما حداهم على الريف والدَّعة] اهـ.
وأخرجها مستوفاةً أيضًا: حافظُ عصره الإمامُ أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني [ت385هـ] في "المؤتلف والمختلف" (2/ 1003-1004، ط. دار الغرب الإسلامي) فقال: حدَّثَنا أبو الحسن علي بن أحمد بن الأزرق المعدل، قال: حدثَنا محمد بن موسى بن عيسى الحضْرميُّ، قال: حدثنا أبو محمد وفاء بن سُهَيْل بن عبد الرحمن الكندي سنة ثلاث وستين ومائتين، قال: حدثنا إِسحاق بن الفرات، قال: حدثنا ابن لَهِيعَة، عن الأَسْود بن مالك الحميري، عن بَحِير بن ذَاخِرٍ المَعَافِريِّ، قال: ركبتُ أنا ووالدي إلى صلاة الجمعة. فساقها بتمامها، غير أنه قال في حديثها: «لِأَنَّهُمْ فِي رِبَاطٍ إِلَى يَوْمٍ الْقِيَامَةِ»، ومن طريق الإمام الدارقطني أخرجها الإمامان الحافظان: أبو عبد الله النميري [ت544هـ] في "الإعلام بفضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والسلام" (ص: 83، ط. دار الكتب العلمية) حيث ساق أولها، وأبو القاسم بن عساكر [ت571هـ] في "تاريخ دمشق" (46/ 162، ط. دار الفكر) حيث ساقها بتمامها.
وأخرجها مختصرةً: الإمام الحافظ أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي الأزدي الحنفي [ت321هـ] في "شرح مشكل الآثار" (8/ 228، ط. مؤسسة الرسالة)؛ فقال: [حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال: حدثنا إسحاق بن الفرات قال: حدثنا ابن لهيعة، عن الأسود بن مالك الحميري، عن بحير بن ذاخر المعافري، أنه سمع عمرو بن العاص رضي الله عنه في خطبته يوم الجمعة يقول: يا معشر الناس، إياي وخلالًا أربعًا؛ فإنهن يدعون إلى النصب بعد الراحة، وإلى الضيق بعد السعة، وإلى المذلة بعد العزة: إياك وكثرة العيال، وإخفاض الحال، والتضييع للمال، والقيل بعد القال، في غير درك ولا نوال] اهـ.
وأخرجها مستوفاةً من طريق يحيى بن بُكَير عن ابن لهيعة: الإمامُ المؤرخ أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن زولاق الليثي الفقيه [ت387هـ] في "فضائل مصر وأخبارها" (ص: 83، ط. مكتبة الخانجي)؛ فقال: حدثنا علي بن أحمد بن سلامة، قال: حدثني عبد الملك بن يحيى بن بكير قال: حدثني أبي، قال: حدثنا عبد الله بن لهيعة، عن الأسود بن مالك الحميري، عن بحير بن ذاخر المعافري.. فساقها بتمامها، غير أنه قال فيها: «لِأَنَّهُمْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ فِي رِبَاطٍ إِلَى يَوْمٍ الْقِيَامَةِ».. وقال في آخرها: أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، قال: فحفظتُ ذلك عنه، قال: فقال والدي بعد انصرافنا إلى المنزل لمَّا حكَيْتُ له خطبته: يا بني! إنه يحدو الناس على الرباط كلما انصرفوا، كما حداهم على الريف والدعة. وكان يخطب بها في كل سنة.
وأخرجها الإمام الحافظ المؤرخ أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصَّدَفي [ت347هـ] في "تاريخ مصر"؛ حيث عزا إليه العلامة المقريزي في "إمتاع الأسماع" (14/ 185، ط. دار الكتب العلمية) تخريج الحديث المرفوع في فضل جندها، وعزا إليه الحافظ السخاوي في "المقاصد الحسنة" (ص: 610، ط. دار الكتاب العربي) تخريج الحديث المرفوع في الوصية النبوية بأهلها.
وأخرجها مختصرةً: الإمام الحافظُ أبو القاسم بن عساكر في "تاريخ دمشق" (46/ 161)؛ فقال: [أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي، قال: أخبرنا أبو الحسين بن النقور، قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الله بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن نصر بن طالب قال: حدثنا أبو الوليد عبد الملك بن يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي المصري، قال: حدثنا أبي، عن ابن لهيعة، عن الأسود بن مالك، عن بحير بن ذاخر، قال: رحت مع أبي إلى الجمعة، فأقبل قوم معهم السياط ومعهم رجل قصير القامة عظيم الهامة عليه ثيابُ وَشْيٍ تأْتَلِق، وإذا هو عمرو بن العاص رضي الله عنه، فخطب؛ فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ووعظ موعظة بليغة موجزة، ثم قال: أيها الناس! إيايَ وقيل وقال، في غير درك ولا نوال، وذكر عبد الملك خطبة طويلةً، وذكر فيها قال: وحدثني أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَن لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ»، قال: فقال لي أبي: يا بُنَيَّ هذا الأمير عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال: فأعدتُ الخطبةَ على أبي فعجب مِن حفظي لها، أو فأُعجِبَ بحفظي] اهـ.
 

 

search