الأحد، 22 ديسمبر 2024

09:53 ص

حكم شهادة الزور.. الإفتاء تجيب

الأربعاء، 02 أكتوبر 2024 12:10 م

السيد الطنطاوي

دار الإفتاء المصرية

دار الإفتاء المصرية

قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية الأسبق، إن شهادة الزور هي الشهادة بالكذب ليتوصل بها إلى الباطل من إتلاف نفس، أو أخذ مال، أو تحليل حرام أو تحريم حلال أو الشهادة بما لم يعلم عمدًا وإن طابقت الواقع، ولا يشترط لوقوعها يمين أو أن تكون أمام القاضي.
وهي من أشد المنكرات والكبائر المحرمة شرعًا؛ حيث قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «عُدِلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ بِالْإِشْرَاكِ بالله» ثلاث مرات. ثم قرأ: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ للهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ﴾، فقُرنت شهادة الزور بالشرك تعظيمًا لجرمها وضررها.

قال الإمام القرطبي شهادة الزور: هي الشهادة بالكذب ليتوصل بها إلى الباطل من إتلاف نفس، أو أخذ مال، أو تحليل حرام أو تحريم حلال.
وعرفها المالكية بأنها: الشهادة بما لم يعلم عمدًا وإن طابقت الواقع.
وعرفها الإمام ابن حجر الهيتمي بأنها: أن يشهد بما لا يتحققه.
وقال الإمام ابن دقيق العيد في "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" (2/ 296-297، ط. مطبعة السنة المحمدية): [(وقول الزور، وشهادة الزور) ينبغي أن يحمل قوله: (الزور) على شهادة الزور؛ فإنا لو حملناه على الإطلاق لزم أن تكون الكذبة الواحدة مطلقًا كبيرة، وليس كذلك. وقد نص الفقهاء على أن الكذبة الواحدة وما يقاربها لا تسقط العدالة، ولو كانت كبيرة لأسقطت، وقد نص الله تعالى على عظم بعض الكذب فقال: ﴿وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [النساء: ١١٢ ]، وعِظَم الكذب ومراتبه تتفاوت بحسب تفاوت مفاسده، وقد نص في الحديث الصحيح على أن الغيبة والنميمة كبيرة، والغيبة عندي تختلف بحسب المقول والمغتاب به، فالغيبة بالقذف كبيرة؛ لإيجابها الحد، ولا تساويها الغيبة بقبح الخلقة مثلًا، أو قبح بعض الهيئة في اللباس مثلا. والله أعلم] اهـ.
وقال الإمام العيني في "عمدة القاري" (13/ 218، ط. دار الفكر): [قوله: (ألا وقول الزور). وفي رواية خالد عن الجريري (ألا وقول الزور وشهادة الزور). وفي رواية ابن علية (شهادة الزور أو قول الزور). قول الزور أعم من أن يكون شهادة زور أو غير شهادة كالكذب؛ فلأجل ذلك بوب عليه الترمذي بقوله: "باب ما جاء في التغليظ في الكذب والزور ونحوه"، ثم روى حديث أنس المذكور قبل هذا، فالكذب في المعاملات داخل في مسمى قول الزور، لكن حديث خريم بن فاتك الذي رواه أبو داود وابن ماجه من رواية حبيب بن النعمان الأسدي عن خريم بن فاتك -رضي الله عنه- قال صَلَّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الصبح، فلما انصرف قام قائمًا فقال: «عُدِلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ بِالْإِشْرَاكِ بالله» ثلاث مرات. ثم قرأ: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ۝ حُنَفَاءَ للهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ﴾ [الحج: 30، 31]. يدل على أن المراد بقول الزور في آية الحج شهادة الزور؛ لأنه قال: «عُدِلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ بِالْإِشْرَاكِ بالله». ثم قرأ: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ [الحج: 30]. فجعل في الحديث قول الزور المعادل للإشراك هو شهادة الزور لا مطلق قول الزور، وإذا عرف أن قول الزور هو الكذب فلا شك أن درجات الكذب تتفاوت بحسب المكذوب عليه وبحسب المترتب على الكذب من المفاسد. وقد قسم ابن العربي الكذب على أربعة أقسام: أحدها: وهو أشدها الكذب على الله تعالى، قال الله تعالى: ﴿فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى ٱللهِ﴾ [الزمر: 32]. والثاني: الكذب على رسول الله، قال وهو هو أو نحوه. الثالث: الكذب على الناس، وهي شهادة الزور في إثبات ما ليس بثابت على أحد أو إسقاط ما هو ثابت. الرابع: الكذب للناس، قال: ومن أشده الكذب في المعاملات، وهو أحد أركان الفساد الثلاثة فيها، وهي: الكذب، والعيب، والغش] اهـ.
ومن هذه النقول يُعلَم: أن الشرع حرَّم قَوْلَ الزور وشهادته على جهة الإطلاق، وأن ذلك يشمل كل كذب وكل شهادة بالباطل، إلا أن المقصود بشهادة الزور التي قُرنت بالشرك تعظيمًا لجرمها وضررها هي التي يُبطِل بها صاحبُها الحق أو يُحِقُّ بها الباطل سواء كانت عند القاضي أو عند غيره، وهذا يظهر في تعريف شهادة الزور عند الفقهاء؛ حيث لم يُشتَرط في التعريف أن تكون أمام القاضي. والله سبحانه وتعالى أعلم.

search