السبت، 02 نوفمبر 2024

07:19 م

د. منى طه عبد العليم تكتب: عودة مدارس أم تكسير عظام!!!

الخميس، 12 سبتمبر 2024 08:45 م

منى طه عبد العليم

منى طه عبد العليم

أيام قليلة ويبدأ العام الدارسي الجديد، والمتوقع أن يقترن ذلك بتهنئة. ولعلني اتذكر كيف كانت بداية المدارس من عدة عقود مضت. كانت بهجة. كانت فرحة. عودة المدارس كان يعني "مريلة" جديدة، حقيبة مدرسية جديدة، وحذاء جديد غالبا من عند باتا! وعلى اختلاف المستوى الاجتماعي للأسر المصرية، لم يكن ذلك  ليمثل عبأً صعب التحمل. كانت الدنيا أبسط وأسهل، ومصاريف كام كشكول وكام كراسة والجلاد الأحمر أو الأصفر أو الأخضر الخاص بهم. وقليل منا كان يتكلف ثمن كتاب خارجي وغالبا كان سلاح التليمذ ... كانت الدنيا سهلة...
فماذا حدث لنا؟ وماذا يحدث الآن؟!!
ماذا تعني عودة المدارس الآن؟
تعني بدء دروس خصوصية، في الواقع بدأت قبل بدء المدارس بشهر أو شهرين! ولا أجد تفسيرا لماذا شهر أو شهرين هل يعدون التلاميذ للحصول على جائزة نوبل في الفيزياء؟! عودة المدارس تعني مذكّرات يقوم بكتابتها المدرس الخصوصي في مقابل مادي بالطبع. تعني عدد عجيب من الكتب الخارجية في كل المواد. تعني ببساطة ضغط نفسي ومعنوي ومادي رهيب على الأسرة المصرية المتوسطة وما دونها. 
لاحظ أنني لم أشر بشكل أو بأخر إلى مصاريف المدرسة نفسها. فمصاريف المدارس الحكومية في ذاتها مدعمة إلى حد كبير ولا مشكلة كبيرة بخصوصها بشكل عام. أما المدارس الخاصة أو اللغات أو الدولية،  فهذا شأن أولياء الأمور ومن يرد أن يلحق ابنه بنظام غير حكومي هذا قراره ويدفع ثمنه. 
العبء الحقيقي في المنظومة غير الرسمية والتي تحيط بالعملية التعليمية:
1-    كتب خارجية غالية الثمن.
2-    مذكرات يبتدعها المدرسون في الدروس الخصوصية.
3-    مراكز (سناتر) يدفع الطلاب ثمن تأجير المدرسين لها!
4-    كتب يقوم المدرسون في الدروس الخصوصية بتجميع مادتها وطباعتها وبيعها للطلاب!
سعر مذكّرات الدورس الخصوصية ومؤلفات نجيب محفوظ!!
ما الذي يذاكره الطالب؟ ما هي مرجعيته؟ هل كتاب المدرسة؟ هل الكتاب الخارجي؟ هل المذكّرة المصاحبة لكل حصة في الدروس الخصوصية؟ هل الكتاب الذي ابتدع (وألفه) المُدرس الخصوصي من جماع كتب الوزارة زائد الكتب الخارجية زائد تجلياته؟
العجيب أن سعر المذاكّرات التي يجمعها المدرس الخصوصي ويبيعها للطالب يفوق سعر مؤلفات نجيب محفوظ مصر نفسه! 
بداية عام دراسي، هي بداية لعبء كبير تدفع الأسرة المصرية ثمنه من استقراها، من ارتفاع نسبة الطلاق بسبب الاختلاف على الماديات، من انخفاض حركة البيع والشراء في الأسواق وما يترتب عليه ويتصل به من كساد وبطالة، من صحة الأبناء وحيويتهم بعدما أصبح رزق الأسرة المصرية موجها لمحاولة تغيطة الدروس الخصوصية دون عناية بأكل وشرب وتغذية الأسرة عامة والطلاب على وجه التحديد!
ناهيك عن ضياع في العمر والوقت والصحة لأولادنا ما بين درس ودرس ثانٍ ودرس ثالث ومعهم الأم أو الأخ الأكبر في لف وذهاب وإياب ما أنزل الله به من سلطان. 
هل يرضي الله عز وجل هذا؟!
هل يرضي هذا أولي الأمر منا؟!
هل ما يحدث في التعليم في مصر فيه شيء من العقل أو المنطق أو الحكمة؟
إن ما يحدث ببساطة يفوق اللاعقل، الهذيان، الدوران حول النفس.
مع الأسف الشديد، لم تعد عودة المدارس مقترنة بتلك البهجة التي عرفناها زمان، أصبحت تكسير عظام وتحطيم معنويات للأسرة المصرية.

search