الأحد، 22 ديسمبر 2024

09:11 ص

محمد مطش يكتب: عودة المسرح.. ضرورة وجود

الإثنين، 09 سبتمبر 2024 10:05 ص

محمد مطش

محمد مطش

بلا منافس وعن حق هو ابو الفنون، فالمسرح هو أحد فروع فنون الاداء والتمثيل، الذي يجسد او ينقل قصصا او نصوصا أدبية للمشاهدين، ويخلق حالة من الامتزاج والتفاعل بين المتفرج والممثل، عبر الحوار والموسيقى واللوحات الاستعراضية، فكلما زاد المعنى أو المغزى داخل العمل الفني، كلما كان له اثرة البالغ والكبير لدى المتلقي، ويخرج بعد العرض وهو مستفيد استفادة كبيرة، لأنه تلقى رسالة من فنان يحبه وشاهده مباشرة، وأثر عليه بعد انتهاء العرض. لقد كان للمسرح دور كبير في حياة الشعوب والدول، وقد سعى جاهدا لنقل هموم وألام وامال المواطن عبر النص او القضية التي يطرحها ويقوم بمعالجتها. فتعددت مسميات المسرح حسب العرض من محتواه، فوجدنا المسرح الكوميدي، ومسرح الطفل، ومسرح العرائس، والمسرح الاستعراضي، والمسرح السياسي، الى آخره من المسارح ذات الطابع المحدد والاتجاهات المتعددة، والتي لعبت دورا بالغ الأهمية للتأثير على المشاهد، واثارة مشاعره ووجدانه عبر رسائل مختلفة يقدمها المسرح. فبالرغم من الدور الكبير والفعال، الذي لعبه المسرح في حياة الفرد بل والمجتمع على حد سواء، فقد رأينا نحن أهل الاسكندرية شيئا غريبا يحدث للمسرح. فقد كان بالإسكندرية عدد كبير من المسارح والتي كانت تعمل جميعها صيفا، وقليل منها تعمل في الشتاء، وكانت تستقبل عروضا فنية كبرى لأشهر الفرق المسرحية وأبرزهم تأثيرا، مثل فرقة الفنانين المتحدين، وفرقة الابياري، ومسرح الفن لجلال الشرقاوي، وفرقة اوسكار للعروض المسرحية، وغيرها من الفرق المسرحية بالقطاعين العام والخاص، وكانت كل هذه الفرق تقدم الرسالة والمضمون للمشاهدين، لدرجة ان بعض المسارح كانت ترفع لافتة “كامل العدد” نظرا لكثرة الاقبال الجماهيري عليها. لكن للأسف الشديد أصبح هذا العدد الكبير من المسارح في تقلص دائم ومستمر، فاختفى مسرح لونابارك بمنطقة الابراهيمية التجارية، وحل محله سوق للملابس والحلوى ولعب الاطفال، وهدم مسرح العبد المطل على كورنيش الاسكندرية ويبنى عليه الان منشاة سكنية، وانهار مسرح كوته المطل على البحر مباشرة، وأصبح خرابة ممتلئ بالقطط والكلاب الضالة، وأصبح خاويا من مقومات التمييز والانفراد كما كان على سابق عهده. كما هدم واحد من أكبر واعرق المسارح بالإسكندرية هو مسرح السلام، الذي كان يعتبر تحفة معمارية لا مثيل لها بالمدينة، وكان مبنى اكثر من كلمة مبهر للمتفرج والمارة على حد سواء. كذلك اطفئت الانوار عن مسرح الفن مسرح جلال الشرقاوي، الذي كان يقع في أحد أبرز المعالم السياحية والاثرية بالإسكندرية وسط حدائق المنتزه الراقية والهادئة، وأصبح خاويا من النصوص والعروض الفنية المتميزة، التي تعود على رؤيتها المواطن السكندري وزوار المدنية. ولم يتبق بعد كل ما سبق الا عدد قليل جدا من المسارح، اغلبها يتبع الدولة والتي تقدم من خلاله عروضا فنية محدودة جدا في الامكانيات وفى مستوى الابهار ولمدة قصيرة جدا، دون ان تترك بصمة كبيرة لدى المتفرج. 

الان نشاهد حركة مسرحية كبيرة يقودها المسرح القومي بتاريخه المشرف لتقديم عروض فنية متنوعة تليق بعقلية وذوق الجمهور، والعمل على الارتقاء فكريا وتنويريا وبما بتناسب مع حياة ومتطلبات الفترة الزمنية الحالية، والتي تطلب دورا أكثر فعالية للمسرح.
واخيراً يتضح جلياً أن مدينة الإسكندرية، بما تملكه من تاريخ عريق وإرث ثقافي مميز، باعتبارها مدينة كوزموبوليتانية، بحاجة ماسة لإعادة فتح مسارح جديدة تعيد إليها بريقها المسرحي الذي لا يقدر بثمن. وكذلك باقي المسارح على مستوى انحاء الجمهورية، لان المسرح يعد قوة ناعمة مؤثرة، يلعب دوراً مهماً في تشكيل الفكر والوجدان، ويعكس قضايا المجتمع بطرق تسهم في رفع الوعي وتعميق الفهم. لذلك، فإن تقديم عروض ذات قيمة ومضمون يتجاوز حدود الترفيه، ليصل إلى قلب المواطن البسيط، ويعالج القضايا التي تشغل الرأي العام. 

إعادة بناء مسارح جديدة ضرورة ملحة، لكي تستقبل العدد الكبير من الجمهور، والذي يمثل المسرح جزءا هاما في حياتهم وثقافتهم على مدار السنوات.

search