السبت، 02 نوفمبر 2024

09:38 م

ما أفضل الرجوع إليهم!!

الأحد، 04 أغسطس 2024 12:03 م

محمد مطش

محمد مطش

محمد مطش


لقد خلقنا الله عز وجل لكي نسعى في الأرض ونجتهد، ونعمل ونمرح ونسعد ونعمر، نؤثر فيمن حولنا، ونتأثر بوجودهم في حياتنا. نشارك الأهل والأقارب والأصدقاء في أفراحهم ونواسيهم في أحزانهم. تبدأ حياة الإنسان اجتماعيا وهو في المدرسة، تجمعه علاقة مع زملاءه، تشتمل على المودة والحب والانطلاق والتآخي، لا توجد بها أي مصالح أو منافع أو نفاق أو تقرب للحصول على شيء. ثم ينضج بعد ذلك وتتشعب علاقة الفرد بأفراد أكبر سنا وأكثر وعيا وإدراكا لمجريات الأمور، هم زملاء الجامعة الذين تجمعهم المدرجات لتلقي العلوم والمعارف الإنسانية بشتى أنواعها، وتجمعهم الأنشطة الطلابية والرحلات وانتخابات الطلاب، وكلها علاقات يغلب عليها البساطة والمودة، وتخلو من التعقيد والكراهية. وبعد أن يمر الإنسان بهاتين المرحلتين الهامتين في التنشئة والتأسيس لحياته، يبدأ بعد ذلك حياة العمل والحياة المهنية، يتعرف على زملاء جدد في نطاق عمله، تجمعه بينه وبينهم عادة المصالح المشتركة والمهام الوظيفية الواحدة، علاقة لا تقوم على العاطفة، بل تقوم على أساس المصلحة، التي هي أهم واشمل خصائص هذه المرحلة من حياة الفرد. فنجد الفرد يقضى معظم يومه في العمل، ساعيا وراء رزقه، حتى يجلب قوت يومه، ناسيا أحبابه وأصدقائه وزملائه خلال فترات عمرة الأولى. تتوطد علاقته بزملائه في العمل، وتتطور خارج نطاق الوظيفة، وتتشعب حياة الفرد اجتماعيا، فيتبادل الدعوات والمقابلات مع زملائه، وتبدأ مرافقة هؤلاء الزملاء في المتنزهات والسفر والرحلات، ناسيا أصحاب العمر، أصحاب البداية، أصحاب الناشئة. ليس كنوع من التكبر أو التعالي أو البعد، ولكن بسبب ظروف العمل الذي جمعته بأفراد متناسبين معه في الظروف فقط، دون توافقهم الاجتماعي أو التعليمي أو المادي أو حتى العاطفي. ومن هنا أجد ضرورة التمسك بأصدقاء مرحلة الطفولة والصغر، وعدم البعد عن من كانوا باختياراتنا الشخصية، بل ولابد من ضرورة التواصل معهم والاتصال بهم، ورؤيتهم بصورة منتظمة حتى لو قليلة. لابد من لم الشمل مرة أخرى والسؤال عنهم حتى ولو بصورة متقطعة، لأنهم أصدقاء تم اختيارهم بمحض إرادة الشخص وحسب توافقه إنسانيا واجتماعيا وتعليميا وثقافيا. 
من المؤكد أننا جميعا نعيش مراحل متباينة ومختلفة عبر مراحل العمر، منها مراحل الفرح والسعادة، ومنها مراحل الشقاء والتعاسة. إلا انه ومن المؤكد أيضا أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بمفرده، بل يسعى دائما لخلق صداقات مع أفراد على شاكلته فكريا واجتماعيا، ليتبادل معهم الآراء ومناقشة الأمور الحياتية والشخصية. يقف بجوارهم وقت الشدة، ويفرح لهم في أوقات الفرح والنجاح. 
أختتم حديثي هنا بالتأكيد على أهمية استمرار علاقة الطفولة، التي تقوم على النقاء والمحبة، وتبعد كل البعد عن المصلحة أو المنفعة. فإذا كانت الحياة حقا محطات، فعلينا جميعا أن نختار أفضل ما في المشوار كرفقاء للدرب، وقوة نعتمد عليها في وقت المحن والشدائد، إنها ليست محطة فارغة من معاني الحب والإخلاص، مجرد صورة لتكملة المشوار، فاقدة معاني الحب والعطاء والتضحية. علينا أن نتمسك جميعا بمن كانوا من اختياراتنا، ونحدد علاقتنا بمن فرضتهم الظروف علينا حتى نصل إلى المحطة الأخيرة من عمرنا ونحن سعداء، تاركين ذكرى جميلة لمن عاشوا في حياتنا لا لمن تطرقوا إليها رغما عن أنوفنا!.

search