الثلاثاء، 18 مارس 2025

02:54 ص

محمد حامد يكتب: زينات صدقي.. ملكة الكوميديا المتوجة

الإثنين، 17 مارس 2025 04:52 م

محمد حامد

محمد حامد

قرأت بوست على فيسبوك لأحد الأصدقاء، مُعلقاً على ما قاله أحد مخرجى الإعلانات الذى أصبح فجأة مخرج مسلسلات وأفلام، كلها تدور فى قالب البلطجة والزعيق والأداء المبالغ فيه، بالإضافة إلى السيناريوهات الهشة غير المنطقية التى يكتبها هذا الشخص بنفسه. تخيلوا معى أن إعلامنا يستضيف هذا الشخص ويقارنون بينه وبين المخرج العالمى يوسف شاهين، وهو ما دفع هذا الشخص المغرور لأن يقول عن فنانة بحجم زينات صدقى أنها كومبارس. وهو ما دفعنى إلى الإسراع بكتابة هذا المقال عن ملكة الكوميديا بلا منازع على مدار 40 سنة متواصلة، الفنانة زينات صدقى، و عزائى أن فن زينات صدقى وقيمتها الفنية لا يزالان حاضرين بيننا بعد 47 عاماً من وفاتها، وسيظل فى تاريخ الفن المصرى أعواماً وأعواماً مديدة، بينما ما يقدمه هذا المخرج لا ولن يتذكره أحد بعد 47 يوماً.
ولدت زينب محمد سعد، الشهيرة بزينات صدقى، فى حى الجمرك بالإسكندرية عام 1912. وعندما أنشأ الفنان الرائد زكى طليمات "معهد أنصار التمثيل" فى الإسكندرية، كانت زينب بنت بحرى (زينات فيما بعد)، من أوائل المنضمين إليه، ولكن والدها منعها من استكمال دراستها وقام بتزويجها فى سن صغيرة (كانت وقتها 15 سنة)، لكن هذا الزواج لم يستمر طويلًا، فقررت شق طريقها فى الفن خاصة بعد وفاة والدها. بدأت زينات صدقى حياتها الفنية كراقصة ومنولوجيست ومغنية فى فرقة بديعة مصابنى، لكن أسرتها اعترضت على عملها في الفن، فهربت منهم إلى لبنان مع صديقتها (خيرية صدقى) التى حملت اسمها وأصبح اسمها (زينب صدقى)، وعندما عادت إلى مصر، انتقلت إلى التمثيل والتحقت بفرقة نجيب الريحانى، الذى اكتشف موهبتها فى التمثيل، وساعدها ومنحها اسم "زينات"، منعاً للخلط بينها وبين الفنانة القديرة (زينب صدقى)، فأصبح اسمها منذ ذلك الحين "زينات صدقى"، ليُكتب هذا الاسم بحروف من نور فى تاريخ السينما المصرية.
قدمت زينات صدقى، أكثر من 400 فيلم معظمها علامات فى تاريخ السينما المصرية، وكان عام (1954) أكثر الأعوام من حيث المشاركة فى الأفلام بالنسبة إلى زينات صدقى، فقد شاركت فى 22 فيلم منهم "الآنسه حنفى"، "عفريتة إسماعيل ياسين" و"الستات مايعرفوش يكدبوا". 
من منا يُمكن أن ينسى دورها العبقرى فى فيلم ابن حميدو (1957) والذى قدمت فيه شخصية "حميدة" العانس (عذراء الربيع)، وأطلقت خلاله العديد من الجُمل الكوميدية (الأيفهات) التى لاتُنسى مثل (يعنى هفضل طول عمرى من غير جواز؟ ده حتى مش كويس أبداً على عقلى الباطن) (يا قادر يا غادر يا سارق قلوب العذارى) (ياختى جماله حلو ياختى شبابه حلو)، وهو الفيلم الذى قالت عنه الفنانة هند رستم “أنا كنت بستغرب إزاى زينات بترتجل الإفيهات بتاعتها. أنا كنت بضحك من قلبى على سرعة بديهتها وخفة دمها”.
أما فى فيلم "شارع الحب" (1958)، فقد قدمت شخصية صاحبة المنزل العانس الجدعة التى كانت تحب حسب الله قائد الفرقة، فكانت لا تأخذ منهم الإيجار وترسل لهم الطعام بالرغم من رفضه الزواج منها، وعندما سمعته يقول عنها أنها الآنسة حنفى، ألقت عليهم الطعام من البلكونة، وقالت له بأداء أكثر من رائع "أنا الآنسة حنفى يا مُهدى إلى الحديقة يا وارد إفريقا".
وفى فيلم"عريس مراتى" (1959) من تأليف وإخراج عباس كامل، كان إعلان الزواج التى أرادت نشره فى روزاليوسف بحثاً عن عريس والسلام يقول بصوتها "أيوه إعلان جواز يا حبيبتى، عذراء هيفاء حسناء، ولهاء دعجاء سمراء فيحاء، فى العشرين من ربيعها الوردى، ملفوفة القوام كغصن اللبان، تطلب زوجًا مش ضرورى جامعياً، ثقافياً إعدادياً إلزامياً أهو راجل والسلام". بالمناسبة أنه بالرغم من إتقان زينات صدقى لدور العانس، إلا أنها قد تزوجت ثلاث مرات دون إنجاب.
ولم تكتفِ زينات صدقى، بإختراع الإفيهات وإضافة الإكسسورات الطريفه بنفسها (مثل الطاقية التى كانت على رأسها وبها كتاكيت فى فيلم "أنا وحبيبى" مع شادية ومنير مراد وهى نفس الطاقية التى وضعت عليها أرنب حى فى مشهد شهير مع الفنان سراج منير فى فيلم "عايزة أتجوز" إنتاج عام 1952)، بل تميزت أيضاً بقدرتها الفائقة على استخدام لغة الجسد في الكوميديا، حيث كانت تعتمد على تعابير وجهها الحادة والمتغيرة بسرعة لتعكس المواقف الطريفة، وتضيف طابعاً فكاهياً خاصاً لمشاهدها.
وفى عام (1960) شاركت زينات صدقى فى بطولة فيلم "حلاق السيدات" مجاملة لزميلها الفنان عبدالسلام النابلسى، لأن الفيلم كان من إنتاجه وبطولته (الوحيدة)، وشاركهم البطولة الفنان إسماعيل يس الذى كون ثنائياً ناجحاً مع زينات صدقى فى العديد من الأفلام التى حملت اسم إسماعيل يس.
وقد تعاونت زينات صدقى عبر تاريخها السينمائى الطويل، مع نخبة متميزة من كبار مخرجي السينما العربية، الذين يمثلون أكثر من جيل وفي مقدمتهم كمال سليم، محمد كريم، أحمد بدرخان، يوسف وهبى، فؤاد الجزايرلي، محمد عبد الجواد، عباس كامل، نيازى مصطفى، أنور وجدى، حسين فوزى، إبراهيم عمارة، صلاح أبو سيف، حلمى رفلة، هنرى بركات، عز الدين ذو الفقار، حسن الإمام، فطين عبد الوهاب، حسن الصيفى، عاطف سالم، وغيرهم من المخرجين الكبار.
وعلى الصعيد الإنسانى، فقد اشتهرت زينات صدقى بين زملائها بالكرم والجدعنة ومساعدة المحتاجين وأيضاً بالشجاعة والقوة فى الحق . وقد عاشت زينات صدقى ولسنوات طويلة فى منزلها - الذى اختاره لها الفنان نجيب الريحانى - مع نادرة ابنة شقيقتها التى تبنتها منذ مولدها، واتخذتها ابنة لها خاصة وأنها لم تنجب. وبالفعل تولت زينات تربية وتعليم نادرة حتى تزوجت وأنجبت توأمها (طارق وعزة)، الذين اعتبرتهما الفنانة زينات صدقى حفيديها وتولت رعايتهما وتربيتهما، وكانا أقرب الناس إليها.
فى عام 1976 قام الرئيس أنور السادات بتكريم زينات صدقى فى عيد الفن وكانت سعيدة جداً بهذا التكريم، حيث حصلت على شهادة تكريم ومعاش استثنائى. وفى يوم 2 مارس 1978 رحلت زينات صدقى عن عالمنا بعد معاناة مع المرض، لكن ضحكاتها لا تزال تملأ الشاشات، لتبقى ملكة الكوميديا الخالدة صاحبة أشهر عبارة فى تاريخ السينما المصرية "كتاكيتو بنى".

search