السبت، 15 مارس 2025

11:42 م

سيد فودة يكتب: عشرون عامًا من الجحيم

السبت، 15 مارس 2025 03:13 م

سيد فودة

سيد فودة

علي بعد نصف ساعة من بيتي بولاية كونيتيكت بالساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية، وبالتحديد في مدينة ووتربري بولاية كونيتيكت، كشفت فرق الإطفاء عن كابوس مرعب لم يكن أحد يتخيله عندما اندلع حريق في منزل بشارع بليك، وهذا الحريق كان الشرارة التي فضحت جريمة إنسانية مروعة. والقصة تعود لشاب تم احتجازه في قبو منزله لمدة عشرين عامًا على يد زوجة أبيه، في ظروف وصفها قائد الشرطة بأنها “أسوأ واقعة شهدها في حياته المهنية”.

بدأت المأساة عام 2004، عندما كان الضحية يبلغ من العمر 11 عامًا وبدلاً من أن يعيش طفولة طبيعية، حُكم عليه بالسجن داخل غرفة مغلقة بلا نوافذ، وبلا إنترنت، وبلا أي وسيلة للتواصل مع العالم الخارجي. لم يكن لديه سوى جدران صامتة وأرضية باردة، بينما كانت زوجة أبيه تمنحه كميات ضئيلة من الطعام، بالكاد تبقيه على قيد الحياة.

مرت السنوات، وتحول الطفل إلى رجل هزيل، يزن فقط حوالي 30 كيلو جرام، وزنٌ لا يكاد يناسب طفل في العاشرة.

ومع غياب الرعاية الصحية فقد معظم أسنانه، وأصبح جسده يعاني من أمراض متعددة بسبب سوء التغذية والإهمال التام.

ولكن وسط هذه المعاناة، لم يستسلم و بدأ يُخطط للهروب بطريقة ذكية استغرقت سنوات. فقد أقنع المرأة بأنه بحاجة إلى أوراق للكتابة كوسيلة لقضاء الوقت، ومع الوقت جمع كمية كبيرة منها.

وعندما اجتاحت جائحة كورونا العالم، طلب منها معقمًا لليدين، منتج يحتوي على نسبة عالية من الكحول، بحجة أنه يحتاج إلى العناية بنظافته.

وبصبر شديد، انتظر اللحظة المناسبة. وعندما تمكن من الحصول على ولاعة بطريقة ما، نفذ خطته. ووزع الأوراق في القبو، وسكب عليها المعقم، وأشعل النار، واندلعت النيران بسرعة، وتحول المنزل إلى كتلة لهب، مما استدعى فرق الإطفاء التي هرعت إلى المكان.

عندما دخل رجال الإطفاء إلى المنزل المحترق، لم يتوقعوا أنهم سيعثرون على رجل في حالة مزرية، أشبه بهيكل عظمي، مرعوبًا من النور الذي لم يره منذ عقود. تم نقله إلى المستشفى على الفور، حيث أكد الأطباء أنه يعاني من نقص تغذية حاد وأمراض خطيرة، لكنه الآن في طريقه للتعافي.

ألقت الشرطة القبض على المرأة، ووُجهت إليها تهم تتعلق بالاحتجاز القسري، والتعذيب، والإساءة الجسدية والنفسية.

وستتم محاكمتها قريبًا، بينما لا تزال السلطات تحجب هوية الضحية حفاظًا على خصوصيته. هذه القضية دليل على أنه يمكن أن تحدث أبشع انتهاكات حقوق الإنسان داخل البيوت، خلف الأبواب المغلقة، دون أن يلاحظها أحد.

كيف يمكن لمجتمع كامل أن لا يلاحظ اختفاء طفل لمدة 20 عامًا؟ لماذا لم يتم الإبلاغ عن غيابه؟، وما تعرض له هذا الرجل هو انتهاك صارخ لكل المواثيق الإنسانية والدولية، التي تكفل الحق في الحرية، والحياة الكريمة، والرعاية الصحية.

كما ان هذه القضية، يجب أن تكون نقطة تحول في كيفية التعامل مع حالات الاختفاء القسري وسوء المعاملة المنزلية، وضمان وجود آليات أكثر صرامة لحماية الأفراد من العنف الأسري.

اليوم، وبعد عقدين من الظلام، خرج هذا الرجل أخيرًا إلى الحياة. جسده ضعيف، لكن روحه لا تزال تقاوم. مع مرور الأيام، سيحاول إعادة بناء حياته، لكن آثار المعاناة لن تُمحى بسهولة.

سنظل نعمل علي ملفات حقوق الانسان بمختلف توجهاتها لان العالم ملئ بالمعاناه والقصص المرعبة والمؤلمة.

  • رئيس مؤسسة بيكسولوجي للسلام والتنمية وحقوق الإنسان

ولاية كونيتيكت ـ الولايات المتحدة الأمريكية 
 

search