الأحد، 22 ديسمبر 2024

10:02 ص

ما فعله الضاغط في المضغوط.. لامؤخذة "إتـّك عليه"

السبت، 03 أغسطس 2024 02:11 م

أحمد الأنصاري

أحمد الأنصاري

ما فعله الضاغط في المضغوط.. لأمؤخذة "إتـّك عليه"

اعتدت منذ 11 عاماًـ أن أترك صوت جهاز التلفزيون مداراً على أحد القنوات المصرية، فيما انشغل بشيء أخر، أملاً أن يزعج الضجيج الصادر منه صوت التساؤلات الدنيوية في عقلي والتي لا أستطيع الإجابة عليها.
وقبل شهر تقريباً أو هكذا يهيئ لي، انتزعتني من جلسة تفكير في "الولا حاجة، أو بالأحرى في سرمديات ومهلبيات حالتنا المصرية" عبارة غنائية في أحد الإعلانات التجارية، أتذكر أننا كنا نرددها صغاراً على وزن أحد الأغاني المشهورة وقتها من باب الفكاهة، عبارة "إتّك عليه"، وللعلم فقط كانت على وزن أغنية شهيرة للمطرب حكيم (الحق عليه)، ودعني هنا اشرح لك مفهوم الإعلان إن لم تكن اصطدمت به، هو عن منتج علكة أو بالبلدي" لبان" وحتى تأخذ أفضل ما في طعمه أو تنهيه تمام يجب بحد وصف الإعلان الغنائي أن تقوم بعمل هام وهو "إتّك عليه".
دعنا نضع جانباً الزاوية الاخلاقية في اختيار الكلمة، فكاتب المقطع الغنائي ذكي ولا يرغب في ارهاق نفسه بالتفكير، فكل ما قام به هو استدعاء جملة من صغره واضعاً إياها في إطار الإعلانات الحالي الذي تضمن قبل أشهر قليلة "ليك في الكيك" وغيرها، كما أنه أدرك أن الجمهور بات متبلد المشاعر ولن يجذبه سوى صدمة كلامية أو حتى اخلاقية حتى يتابعك.
ولكن لندير زاوية الرؤية ولنستغل قليلا من طاقة الجسم (التي تدنت بسبب قلة البروتين الحيواني، مش لأننا أصبحنا نباتيين لا سمح الله، بس عشان إذ غلى عليا شيئاً تركته) ولنتفكر في هذه الجملة الإعلانية وما تحمله من اسقاطات، فربما تكون الجملة التي تطالب من يرغب في استخلاص حلاوة العلكة (اللبان) بأنه (إتّك عليه) حتى تنهي ما بها تماماً وتصبح عديمة الفائدة، تعبر عن مضامين أخرى.
ربما يلمح كاتب الجملة إلى إسقاطات سياسية إيجابية، حيث أننا تنعمنا كثيراً في خير البلاد ودعمها وتموينها حتى صرنا سماناً، فالأن من حق من يدير الدفة أن يطبق مبدأ (إتّك عليه) حتى نعمل بجد ونُخلص (وكمان نخس شوية، ما هو كفاية تخن)، ولأننا نملك الكثير (تحت البلاطة) وبنرقص (كيكي) إذاً من الواجب تطبيق (الرفع) للأسعار، وحيث أن كثرة المتنزهات وجزر الأشجار في الشوارع تدفع الكثير منا لــ (الأنتخه فيها) بحجة تنفيس عناء اليوم، فيجب إزالة الأشجار، ولأن المستشفيات الحكومية تُمكن بعضنا من الحصول على شهادات مرضية نهرب بها من واجبنا المقدس، فيجب خصخصتها، ولأننا في طريق التطوير، والديون بقت كتير فلا مانع من الضغط ومزيد من "إتّك عليه" بالضرائب والرسوم والتضخم والتعويم في سبيل غدٍ مشرق.
وربما (لا سمح الله) يكون من المأجورين ويقصد والعياذ بالله أن يداعب خيال مشاهديه بمقصد سياسي سيء يحفزه على التفكير، خصوصاً وأن مؤدي الجملة الغنائية في الإعلان شخصية يقارب عمرها منتصف أو نهاية الاربعينات ما يستوجب أن تتحلى بالوقار لكنها تظهر بشكل يثير انتقادات المجتمع (المتدين بطبعه)، ويدفعه إلى التساؤل يعني ايه "إتّك عليه"، وهل نقبل باستمرار مبدأ "إتّك عليه"، وهل قبولها سيزيد من تحولنا إلى صورة الشاب الذي يعاني في الإعلان وذاك الخمسيني الذي يتراقص ببدلته اللميع ويقول له مبتسماً (خد منى دي ليك).
أو قد لا يقصد هذا ولا ذاك، وأنه مجرد مسوق للأفكار، بات يعي جيداً أن بيع أي فكرة حميدة أو خبيثة، تطويريه أو انحطاطية، تحرريه أو تسلطيه، لمجتمعنا الأن يحتاج إلى أن تضغط على المتلقي لأقصى درجة، حتى يستسلم ويقبل بها أو على أقل تقدير يعتاد عليها فلا تعد تستفزه أو تثير الحنق والغضب بداخله، فترجم هذا الأمر في "إتّك عليه".
الغريب أن إعلان "اللبان" لم ينتبه إلى أن الضغط عليها، ربما يُمتع الضاغط بالحلاوة لفترة قد تطول أو لا، فالأمر يرتبط بقوة فكه وأسنانه، فبعد فترة ربما يُرهق الفك أو يُهيء له أن سيطرته وخنوع اللبان باتت أمر ملسم به. 
لكن كلما زاد الضغط قلة الحلاوة وبدأت مرارة متزايدة في الفم ومشاكل في الهضم، وهذا ليس سراً أو اكتشافاً جديداً، ولنا في التاريخ عبره فمرارة اللبان قد تتغلب على نظام وجهاز هضمي كامل وتتسبب في عض اللسان وقد تؤدي في بعض الحالات لسقوط الأسنان.
فهل الضاغط سيعي، ويبطل يتك عليه أو "يخف شويه يعني"، وهل المضغوط سيفهم بأن للـ "تك" حدود.

search