محمد حامد يكتب: الأفلام الدينية في السينما المصرية

تناولت السينما المصرية عبر تاريخها الطويل العديد من الموضوعات الاجتماعية والتاريخية والدينية. ورغم قلة الأفلام الدينية مقارنةً بالأنواع الأخرى من الأفلام، إلا أن هذه الأفلام قد لعبت دورًا بارزًا في تقديم القصص المستوحاة من التراث الدينى إلى الجمهور.
بدأت الأفلام الدينية في الظهور فى السينما المصرية منذ خمسينيات القرن الماضى، ومن أوائل هذه الأفلام فيلم "ظهور الإسلام" (1951) الذى يُعد أول فيلم دينى في السينما المصرية عن قصة الأديب الراحل طه حسين (الوعد الحق) للمخرج إبراهيم عزالدين. تلاه فيلم "انتصار الإسلام" من تأليف وإخراج أحمد الطوخى والذى للأسف لم ينل حظه من النجاح والشهرة بسبب الظروف السياسية فى مصر وقتذاك وقيام ثورة 23 يوليو سنة 1952.
من أوائل الأفلام الدينية أيضاً فيلم "بلال مؤذن الرسول" (1953) والذى يُعد أول أفلام السير الذاتية للصحابة وكانت تجربة جديدة للسينما الدينية وقتها. والفيلم من تأليف الكاتب فؤاد الطوخى وأخرجه أحمد الطوخى.
وفى نفس العام أنتجت السينما المصرية فيلم "السيد البدوى" من تأليف وإخراج بهاء الدين شرف وبطولة عباس فارس وتحية كاريوكا وسراج منير وهو الفيلم الذى تناول حياة السيد البدوى منذ مولده حتى وفاته ومع أول الفيلم تشعر أنك أمام عمل مختلف فلأول مرة في تاريخ السينما، وربما لآخر مرة يتم ذكر مجموعة المراجع التى استند إليها المؤلف فى كتابة قصة الفيلم.
ومن الأفلام التى لا يعرفها الكثيرين فيلم "بيت الله الحرام" أو "حملة أبرهه على بيت الله الحرام" (1957) وهو من تأليف الكاتب فؤاد الطوخى وأخرجه أحمد الطوخى وبطولة عباس فارس وبرلنتى عبدالحميد وعمر الحريرى وحسين رياض. ويستعرض الفيلم قصة إقدام أبرهة ملك الحبشة على هدم الكعبة في عام الفيل، وهو العام الذى ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف تصدى له جد الرسول "عبد المطلب" بمساعدة رجال قريش.
واستمرت السينما الدينية فى عرض سير الصحابة فى فيلم "خالد بن الوليد" (1958) بطولة وإخراج حسين صدقى. والفيلم هو أحد الأفلام المصرية القليلة التي تبدأ أحداثها مع بداية بعثة الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، وليس قبلها كمعظم الأفلام السابقة عليه. وفى العام التالى (1959) أنتجت السينما المصرية فيلم "الله أكبر" من تأليف توفيق الطوخى وسيناريو نجيب محفوظ وأخرجه إبراهيم السيد و من بطولة زهرة العلا ونعمت مختار ومحمد الدفراوى ولكن للأسف لم يكن النجاح حليف هذا الفيلم بل يعتبره بعض النقاد أحد أفشل الأفلام الدينية بسبب اعتماده على القصص التقليدية بالإضافة إلى ضعف مستوى الإخراج.
في العقود التالية، استمرت السينما المصرية في إنتاج أفلام ذات طابع ديني، مثل فيلم "هجرة الرسول" (1964) للمخرج إبراهيم عمارة الذي تناول أحداث الهجرة النبوية، وفيلم "من عظماء الإسلام" (1970) من إنتاج الفنانة ماجدة واخراج نيازى مصطفى والذي تناول سير الخلفاء الراشدين الأربعة ودورهم في نشر الإسلام، وفيلم "فجر الإسلام" (1971) للمخرج صلاح أبوسيف الذى تناول التحولات الاجتماعية والدينية في الجزيرة العربية مع ظهور الإسلام وفيلم "الشيماء" (1972) للمخرج حسام الدين مصطفى والذى تناول حياة الشيماء بنت الحارث، أخت الرسول في الرضاعة كما تناول الصعاب والتحديات التى واجهت الدعوة النبوية فى بداياتها. ويمكننا القول أن فيلم "الشيماء" هو آخر فيلم دينى انتجته السينما المصرية.
وقد وجد صُناع السينما المصرية فى حياة "رابعة العدوية" مادة جذابة للسينما، لدرجة أنهم أنتجوا عنها فيلمان في سنة واحدة (1962) حتى وإن عرضا في عامين متتاليين هما "شهيدة الحب الإلهى" للمخرج عباس كامل وبطولة عايدة هلال ورشدى أباظة، وفيلم "رابعة العدوية" للمخرج نيازى مصطفى والذى تم انتاجه عام (1962) وتم عرضه عام (1963) بطولة نبيلة عبيد وفريد شوقى. 
ويعد فيلم "الرسالة" (1976) من أهم وأشهر الأفلام الدينية في تاريخ السينما العربية والعالمية. أخرجه المخرج السورى مصطفى العقاد، وهو إنتاج أمريكى عربى مشترك حيث تم إنتاجه بنسختين، إحداهما باللغة العربية بطولة عبد الله غيث، والأخرى باللغة الإنجليزية بطولة أنطونى كوين. يتناول الفيلم قصة ظهور الإسلام في مكة ثم الهجرة إلى المدينة، مسلطًا الضوء على التحديات التي واجهها النبى  صلى الله عليه وسلم وأصحابه فى نشر الدعوة الإسلامية. وقد تميز الفيلم بتقديمه للأحداث بطريقة بصرية ملحمية حيث قام المخرج والمنتج مصطفى العقاد بتوفير كافة الإمكانيات الانتاجية للخروج بفيلم عالمى مازال علامة فارقة فى تاريخ السينما العالمية حتى الآن. 
وبذكر فيلم "الرسالة" أنقل لكم ما قاله الفنان المصرى عبدالله غيث فى أحد البرامج التليفزيونية عن تجربته فى هذا الفيلم. يقول غيث "ونحن نصور فيلم الرسالة كانوا يصورون النسخة الأجنبية أولا ويتبعها النسخة العربية قلت حلو قوى ، أشاهد أنطوني كوين كيف يمثل وأنا ممثل جيد سأعرف كيف أقلده ولو قدرت أضيف من عندى سأضيف.  فى يوم التصوير فاجئنى أنطوني كوين مفاجأة مذهلة وطلبنى عنده وقال لي "أنا لى عندك رجاء"،  قلت له "أنت تؤمر"، قال "لو سمحت ممكن تمثل أنت الأول حتى أتعلم منك كيف يكون الإنسان العربي؟ كيف يشير؟ كيف يتكلم؟ وكيف يمشي؟" وأضاف كوين "أنا رأيت كيف يمثل الممثلين الإنجليز وكأنهم في مسرحية لشكسبير وأنا غير مقتنع بهم."  ويكمل عبدالله غيث ويقول "سمعت قلبي وهو يدق. أنا كنت أريد أن أقلده أما الآن فأنا سأمثل أولاً. قرأت الفاتحة 100 مرة وعندما استدعونى للتصوير لا أعرف كيف نزلت علي السكينة وقولت لنفسى هيا يا عبدالله توكل على الله فحمزة بطل عربى والإسلام دينك وتاريخ محمد رسول الله يخصك  طلعت على مشهد الحشرة التي تاكل وثيقة قريش لقيت أقدامي ثابتة بقوة فتم تصوير المشهد كله من أول مرة، وإذا بالجماهير الحاضرة من مغاربة وسوريين ومصريين يهللون بـ "الله أكبر". 
ورغم أهمية الأفلام الدينية، إلا أن إنتاجها يواجه العديد من التحديات، مثل القيود الدينية والرقابية إذ تفرض الجهات الرقابية قيودًا على تجسيد الأنبياء والصحابة وكذلك التكاليف الإنتاجية العالية نظراً للحاجة إلى تصميم ملابس تاريخية ومواقع تصوير تحاكى العصور القديمة. كذلك يواجه هذا النوع من الأفلام صعوبة في تحقيق إيرادات ضخمة مقارنةً بالأفلام الكوميدية أو الأكشن. ويمكن حل بعض هذه التحديات عن طريق الدعم المباشر لهذه الأفلام وكذلك الاستفادة من تقنيات التصوير الرقمي والجرافيك لتقليل التكاليف الإنتاجية.
ورغم هذه التحديات، تظل الأفلام الدينية ذات تأثير كبير في نشر القيم الدينية وتعزيز الهوية الثقافية والتعريف بالصحابة والأئمة رضى الله عنهم. فهي تقدم دروسًا أخلاقية وروحية للمشاهدين، كما أنها تحافظ على التراث الدينى من خلال الوسائل البصرية التي تجعل القصص أكثر قربًا من المتلقى.
وقد لا يعرف الكثير منا أن هناك أفلاماً دينية مسيحية مصرية. ويرجع ذلك إلى أنها لم تنل حظها من العرض العام وأقتصر إنتاجها وعرضها داخل الكنائس المصرية مما جعلها أقل شهرة بين الجمهور العام. ورغم قلة هذه الأفلام ، إلا أنها تحمل قيمة تاريخية وروحية كبيرة.وهو ما سنتناوله فى المقال القادم إن شاء الله عز وجل.