الإثنين، 31 مارس 2025

09:30 م

محمد حامد يكتب: سينما المقاومة

الإثنين، 10 فبراير 2025 11:29 ص

محمد حامد

محمد حامد

تشهد منطقتنا هذه الأيام، أحداثاً سريعة بطلها "المقاومة ضد الاحتلال" داخل الأراضى الفلسطينية المحتلة وخارجها. وتقود الدولة المصرية مقاومة ورفض محاولات تصفية القضية الفلسطينية، وهي قضية القضايا، سواء بالتهجير أو بالاستيطان الكريه، فى ظل نظام عالمى يكيل بكل المكاييل ما عدا مكيال الحق والعدل.

ولطالما لعبت السينما المصرية دوراً هاماً، فى توثيق الأحداث التاريخية، وتسليط الضوء على فترات المقاومة والنضال ضد الاحتلال. 

قدمت السينما المصرية العديد من الأفلام، التي جسدت بطولات الشعب المصرى والعربى فى مواجهة المحتلين. ويمكننا بسهولة أن نرى أوجه تشابه بين بطولات المصريين فى هذه الأفلام، وصمود الفلسطينيين اليوم رغم العدوان.

وهنا يُمكن أن نبدأ بمثال واضح وهو فيلم المخرج المصرى المبدع يسرى نصرالله "باب الشمس" (2004) بجزئيه "الرحيل" و "العودة"، والذى يُعد أحد أهم الأعمال الدرامية التى تناولت القضية الفلسطينية، بأسلوب سينمائى ملحمى. الفيلم مقتبس عن رواية الكاتب اللبنانى "إلياس خورى"، والتى تحمل نفس الاسم. "باب الشمس" ليس مجرد فيلم عن القضية الفلسطينية، بل هو ملحمة عن الحب والمنفى والمقاومة قدّم خلاله نصرالله، عملًا إنسانياً عميقاً، ليكون شهادة بصرية عن أبطال القضية ومقاومتهم للاحتلال، وظروف الحياة فى المخيمات. 

وقبل ذلك بسنوات أنتجت السينما المصرية فيلم "أرض الأبطال" (1953) للمخرج نيازى مصطفى، والذى لم يكن مجرد فيلم حربي، بل شهادة سينمائية مبكرة عن خفايا الهزيمة فى حرب 1948 من العصابات الصهيونية، حيث أظهر كيف أن المقاومة لم تكن فقط ضد الاحتلال، بل أيضًا ضد الفساد الذي كان أحد أسباب هذه الهزيمة. ورغم مرور عقود على إنتاجه، إلا أن موضوعه يظل حاضرًا في الذاكرة، ليؤكد أن سينما المقاومة ليست مجرد مشاهد نضال، بل كشف للحقائق وتوثيق لصفحات وطنية هامة تم حفظها على شريط السينما.

وفى عام (1957) أنتجت السينما المصرية فيلم "أرض السلام" للمخرج كمال الشيخ، والذى تدور أحداثه فى إحدى القرى الفلسطينية المحتلة، حيث يقرر أحد الفدائيين المصريين (يقوم بدوره عمر الشريف) التسلل إلى الأراضي المحتلة في مهمة سرية، تهدف إلى مساعدة المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيونى. وخلال المهمة، يتعرّف على الفتاة الفلسطينية سلمى (فاتن حمامة)، التي تصبح رمزًا للصمود والإرادة، حيث تقف إلى جانب الفدائيين، مُجسّدة دور المرأة في النضال الوطني. وبين معارك الفدائيين ضد القوات الصهيونية وخيانة بعض العملاء. يُظهر الفيلم كيف أن القضية ليست مجرد حرب، بل صراع وجود بين الحق والباطل.

وفى نفس العام يقوم الفنان فريد شوقى بإنتاج وبطولة فيلم "بورسعيد" (1957) للمخرج عزالدين ذوالفقار والذى يُعتبر أحد أهم الأفلام التى تناولت مقاومة الاحتلال فى تاريخ السينما المصرية، كما أنه أول فيلم مصرى يوثق العدوان الثلاثى على مصر سينمائيًا، حيث تم إنتاجه وعرضه بعد الحدث مباشرة. وتدور أحداث الفيلم حول العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، عندما هاجمت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل مدينة بورسعيد، عقب قرار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس. ويبرز الفيلم دور المقاومة الشعبية في المدينة، حيث يتكاتف الأهالى مع الجيش المصرى لصد العدوان والدفاع عن الوطن، مظهراً البطولة والتضحية التي قدمها أهالى بورسعيد الباسلة.

ومن أشهر الأفلام التى تناولت قضية مقاومة الاحتلال وأعوانه فيلم "فى بيتنا رجل" (1961) للمخرج هنرى بركات والذى يُعد أيضاً واحدًا من أبرز الأفلام التي تناولت المقاومة الوطنية ضد الاحتلال البريطانى في مصر، وهو مستوحى من أحداث حقيقية، حيث قدّم صورة سينمائية مفعمة بالحماس والنضال من خلال شخصية البطل الفدائى الذي يتحوّل إلى رمز للثورة والمقاومة. الفيلم مأخوذ عن رواية الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس تحمل نفس الاسم.

ومن الأفلام التى وثقت مقاومة الاحتلال أيضاً، فيلم "لا وقت للحب" (1963) للمخرج صلاح أبوسيف رائد الواقعية، عن قصة للكاتب الدكتور يوسف أدريس وهو الفيلم الذى أظهر نضال المصريين من أجل الحرية، مُبرزاً دور المرأة المصرية فى مقاومة الاحتلال واستعدادها لتقديم الغالى والنفيس من أجل وطن حر. 

ومن مصر وفلسطين نذهب إلى بلد المليون ونصف شهيد "الجزائر" ونجد فيلم المخرج العالمى يوسف شاهين "جميلة" (1958) والذى يُعتبر علامة فى تاريخ سينما المقاومة العربية، وفيه تم فضح ممارسات الاحتلال الفرنسى فى الجزائر آنذاك، كما كان الفيلم داعماً ومسجلاً لنضال أبناء الجزائر، ضد المحتل فى صورة البطلة "جميلة بوحريد" ورفاقها حتى النصر. 

وختاماً نقول أن سينما المقاومة ليست مجرد وسيلة للترفيه، بل هى سلاح ثقافى يساعد فى حفظ الذاكرة الوطنية ونقل الرسائل السياسية والاجتماعية للأجيال القادمة كما أنها توثق النضال ضد الاحتلال والاستعمار والظلم، سواء من خلال الأحداث التاريخية أو الإسقاطات الرمزية، وهذا النوع من السينما لا يقتصر فقط على تصوير المعارك والبطولات العسكرية، بل يشمل أيضاً عرض النضال الشعبى، والتضحيات الإنسانية، والدور الذي يلعبه الأفراد والمجتمعات في مواجهة الاحتلال. فأفلام المقاومة هى رسالة وطنية تُشعل روح المقاومة والتضحية فى نفوس الأجيال التى لم تعش هذه الأحداث.

search