الإثنين، 31 مارس 2025

09:33 م

محمد حامد يكتب: سينما الضاحك الباكي

الإثنين، 03 فبراير 2025 09:30 ص

محمد حامد

محمد حامد

يُعد نجيب الريحاني، واحدا من أبرز رموز الفن في تاريخ المسرح والسينما المصرية والعربية. وبالرغم من أن مشواره السينمائى كان قصيرًا مقارنةً بمسيرته المسرحية، إلا أن أفلامه تركت بصمة واضحة في السينما المصرية. من خلال عشرة أفلام فقط هى كل تاريخه السينمائى، استطاع الريحانى الحفاظ على مكانته كبطل رئيسى فى كل أفلامه حتى وفاته وهو يؤدى بطولة فيلم "غزل البنات" (1949)، على عكس بعض معاصريه مثل الفنان على الكسار، منافسه الشرس فى المسرح فى ثلاثينات القرن الماضى، فقد انتهى الأمر بالكسار ليؤدى أدوراً ثانوية فى السينما فى آخر سنوات عمره الفنى.

نجيب الريحانى، المولود في حى باب الشعرية العريق بالقاهرة عام 1889 لأب عراقى يُدعى "إلياس ريحانة" وأم مصرية قبطية هى "لطيفة بُحلق"، بدأ مشواره الفني فى المسرح وتنقل بين عدة فرق مسرحية مع زميله وصديقه "عزيز عيد"، حتى أسس فرقة مسرحية حملت اسمه، قدم من خلالها العديد من المسرحيات الناجحة التى كانت تعتمد على الكوميديا الاجتماعية الراقية، مثل "الدنيا لما تضحك" و"إلا خمسة" و"حسن ومرقص وكوهين" وغيرها من المسرحيات الناجحة.

شكل الريحانى مع الكاتب بديع خيرى ثنائيًا ناجحًا، حيث قاما بتحويل العديد من أعمالهما المسرحية إلى أفلام سينمائية حملت نفس الطابع الكوميدى الاجتماعى مع لمسة درامية إنسانية، جعلت أعماله متميزة عن غيرها من الأعمال.

قدم الريحانى عشرة أفلام هى "صاحب السعادة كشكش بك" (1931) و"حوادث كشكش بك" (1934) وفيهما استثمر نجاح شخصية كشكش بك عمدة كفر البلاص، والتى أبتكرها الريحانى متأثراً بفترة عمله موظفاً فى البنك الزراعى. ثم كان فيلم "ياقوت" (1934) والذى تم تصوير معظم مشاهده فى فرنسا وكان ناطقاً فى معظم حواره باللغة الفرنسية وهى اللغة التى تأثر بها الريحانى منذ صغره حيث درس فى مدارس الفرير الفرنسية, وتأثر بالأدب الفرنسى الذى أقتبس منه الكثير من أفكار مسرحياته التى أعاد كتابتها وتمصيرها بمساعدة صديقه بديع خيرى. وقد ظل فيلم "ياقوت" مفقودًا لسنوات، حتى تم العثور على نسخة منه بالصدفة في فرنسا مؤخرًا.

ثم عاد الريحانى مرة أخرى إلى تمثيل شخصية كشكش بك عمدة كفر البلاص لآخر مرة فى السينما فى فيلم "بسلامته عاوز يتجوز" (1936) ليبدأ بعدها فصلاً جديداً ومهما فى مسيرته السينمائية بفيلم "سلامة فى خير" (1937) ثم فيلم "سى عمر" (1941) والفيلمان من إخراج نيازى مصطفى، وهما من أحب الأفلام إلى نفسى، وهما بالمناسبة تم اختيارهما من ضمن قائمة أفضل 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية حسب إستفتاء النقاد، الذى تم تنظيمه على هامش مهرجان القاهرة السينمائى الدولى عام 1996.

فى عام (1946) قام الريحانى ببطولة فلمين هما "لعبة الست" و"أحمر شفايف" ثم قام ببطولة فيلم "أبوحلموس" (1947) والمأخوذ عن مسرحيته "لو كنت حليوه". وكان الختام فى فيلم "غزل البنات" (1949) والذى توفى الريحانى أثناء التصوير، مما اضطر مخرج الفيلم ومنتجه "أنور وجدى" لتغيير نهاية الفيلم، وبالرغم من ذلك فقد تم اختيار الفيلم أيضاً فى قائمة أفضل 100 فيلم مصرى.

نلاحظ أنه حتى بعد وفاة الريحانى، ظل إرثه نهراً يقتبس منه الفنانون أعمالاً ناجحة سواء فى السينما أو المسرح. فقد ظلت فرقة الريحانى تعمل بعد وفاته وتناوب على بطولة المسرحيات أبطال الفرقة مثل عادل خيرى وفريد شوقى وغيرهما يُعيدون تقديم مسرحيات الريحانى القديمة. 

كما استوحت السينما المصرية, عدة أفلام من مسرحيات الريحانى، مثل "الستات مايعرفوش يكذبوا" و"حسن ومرقص وكوهين" والفيلمان من إنتاج عام (1954).

كانت أفلام الريحانى امتدادًا طبيعيًا لمسرحه، حيث احتفظ بنفس أسلوبه في تقديم الكوميديا التى تعتمد على المواقف الإنسانية والتناقضات الاجتماعية، وليس مجرد الإفيهات أو الحركات الجسدية. وقد حافظ الريحانى طوال حياته على بريقه الفنى وتوهجه، بالرغم من أن عشقه للمسرح غلب على حبه للسينما التى دخلها مضطراً حتى لا يخرج من المنافسة الفنية، وكان هذا من حُسن حظ الريحانى لأن الذى خلد ذكراه شريط السينما الذى احتفظ بسبعة من أفلامه العشرة، لتظل الأجيال تتذكر الضاحك الباكي، الذى استطاع الحفاظ على مكانته الفنية، نتيجة لقدرته على التطور واختياره الجيد للأدوار، بالإضافة إلى كاريزمته الخاصة حيث كان الريحانى محبوبًا من الجمهور، ونجح في تقديم أدوار الكوميديا المختلطة بالدراما، وكان يستطيع التنقل بين الكوميديا والدراما فى نفس المشهد. وليس أدل على ذلك من أن ثلاثة من أفلام الريحانى مفقودة، والموجود منهم سبعة تم اختيار ثلاثة من السبعة أفلام ضمن قائمة أفضل 100 فيلم مصرى، بالرغم من الطابع الكوميدي الغالب فى أفلام الريحانى.

يظل فن الريحانى وتأثيره حيا بيننا حتى اليوم، شاهداً على عبقرية هذا الفنان "الضاحك الباكى"، الذى أضحك الجمهور بقدر ما لامس مشاعرهم. فبينما تلاشت أعمال بعض معاصريه مع الزمن، ظل فن نجيب الريحانى خالداً فى ذاكرة السينما، لا يتلاشى مع الأيام، بل يبقى ضاحكاً وباكياً فى آن واحد، كما كان دوماً.

search