السبت، 21 ديسمبر 2024

06:08 م

محمد حامد يكتب: شاهين السينما المصرية

الإثنين، 16 ديسمبر 2024 10:48 ص

محمد حامد

محمد حامد

عندما اجتمع كبار النقاد المصريين عام 1996، لاختيار أفضل 100 فيلم مصري في القرن العشرين، ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائى الدولى في دورته العشرين، وبمناسبة مئوية السينما المصرية، التي توافق أول عرض سينمائي في مصر عام 1896 فى الإسكندرية، قام النقاد باختيار الأفلام بداية من عام 1927، وهو العام الذى عُرض فيه فيلم “ليلى”، أول فيلم سينمائي مصري طويل وحتى عام 1996. كانت نتيجة هذا الإستفتاء الذى أشرف عليه الكاتب الكبير سعد الدين وهبة رئيس مهرجان القاهرة السينمائى وقتذاك، اختيار 100 فيلم من أهم الأفلام المصرية خلال قرن من الريادة المصرية فى الفن السابع، وكان للمخرج المصرى العالمى يوسف شاهين نصيب الأسد فى هذه الأفلام بعدد 12 فيلم، محتلا المركز الأول بين عباقرة الإخراج المصريين وغير المصريين، الذين تم اختيار أعمالهم فى هذه القائمة.
وفى نفس القائمة أيضا احتلت أفلام يوسف شاهين المركز الثانى (فيلم الأرض) والرابع (فيلم باب الحديد)، فى قائمة أفضل 10 أفلام فى تاريخ السينما المصرية.
يوسف شاهين الحاصل على جائزة السعفة الذهبية، بمهرجان كان الدولى (فرنسا) عام 1997 عن مجمل أعماله بمناسبة مرور 50 عاماً على نشأة المهرجان، هو ابن الإسكندرية الذى سجل مشوار حياته على شريط السينما، من خلال رباعية سيرته الذاتية (إسكندرية.. ليه؟! ـ إسكندرية كمان وكمان ـ حدوتة مصرية ـ إسكندرية نيويورك). سيظل يوسف شاهين علامة فارقة فى تاريخ السينما المصرية والعالمية، حيث نستطيع القول بكل ثقة أن أفلام يوسف شاهين كانت تحجز لنفسها مكاناً ومكانة، فى كل المهرجانات السينمائية الدولية. 

أفلام شاهين هى التى فتحت الباب أمام أفلام مصرية لمخرجين آخرين، للوصول إلى العديد من المهرجانات العالمية، خاصة من تلاميذ شاهين، مثل المخرج الكبير يسرى نصرالله، والمبدع الراحل عاطف الطيب، والمخرج الشاب أمير رمسيس، وغيرهم الكثيرين.
شاهين الذى استطاع من خلال أفلامه، تقديم رؤية عميقة للواقع المصرى عبر عقود من الزمن، تناول قضايا متنوعة تتعلق بالتحولات الاجتماعية والسياسية التي مرت بها البلاد، وسلط الضوء على تفاصيل الحياة اليومية للمصريين بطرق جريئة ومؤثرة، قد تبدو للوهلة الأولى غير مألوفة للكثير من متابعى السينما، ومنها على سبيل المثال أول أفلامه (بابا أمين 1950) الذى كتب قصته بنفسه وهو شاب لم يتجاوز الرابعة والعشرين من العمر، وكانت فكرة الفيلم وطريقة الإخراج مبتكرة وجديدة فى هذا الوقت.
وهنا لابد أن نشير إلى أن شخصية شاهين المتمردة، كانت حاضرة في العديد من الشخصيات التي أبدعها، وكانت تُعبر بوضوح عن انتقاده للواقع وتطلعاته لمستقبل أفضل، ظهر هذا بوضوح فى كل أفلامة من أول (بابا أمين – 1950) حتى (هى فوضى؟ - 2007)، وعلى مدار 38 فيلم طويل و 5 أفلام قصيرة قام بإخراجها، كما شارك فى كتابة وإنتاج معظمها.
اتهام سينما يوسف شاهين أحيانًا بالغموض، أو بصعوبة الفهم بالنسبة للجمهور، يرجع ذلك إلى أسلوب شاهين الفريد، الذي اعتمد على استخدام الرمزيات والإسقاطات، وأحيانًا السرد غير التقليدى، مما أضاف إلى معظم أفلامه بعدًا فلسفيًا.
ومع ذلك، فما يقال عنه من البعض "عدم الفهم"، كان مقصوداً من شاهين فى بعض الأعمال. وأكرر بعض الأعمال فقط، من أجل تحفيز الجمهور على التفكير والتأمل. فقد كان شاهين -رحمه الله- يرى السينما كأداة لاستفزاز الفكر وتحفيز الخيال لدى المشاهد، وليست فقط للتسلية، لذلك أراد أن تكون أفلامه دعوة لطرح الأسئلة، لا لتقديم الأجوبة المباشرة. 
رحم الله يوسف شاهين بقدر إسعاده للكثير والكثير من عشاق السينما، وبقدر ما تركته سينما يوسف شاهين من أثر طيب اجتماعياً وفنياً وسياسياً.

search