السبت، 21 ديسمبر 2024

07:18 م

محمد مطش يكتب: المقعد الخالي

الأربعاء، 11 ديسمبر 2024 10:16 ص

محمد مطش

محمد مطش

محمد مطش

نأتى لهذه الدنيا ونحن جميعًا نحمل البراءة والأمل والأمان والاطمئنان لمن هم حولنا جميعًا من أب وأم وجد وجدة، خال وعم وخالة وعمة، نشعر معهم بالراحة ونستأنس بوجودهم في حياتنا فهم القدوة والمعلم والمربى والأنيس، نلجأ إليهم ونحتمى بحضورهم فهم المظلة التي نستظل بها، ولا نشعر بالراحة والأمان إلا في حياتهم، لأنهم هم فقط أقدر الناس على النصح والإرشاد والتوجيه وتقديم المشورة لأبناهم وأحفادهم جيل تلو الآخر عبر مراحل العمر التي يمر بها الإنسان.
فالأم هي وتد الخيمة التي توفر الاستقرار والدفء لكل افراد العائلة، هي الملجأ والملاذ الآمن لأبنائها وأحفادها، والأب هو الظهر والسند الذي يسعى دائما لتوفير حياة كريمة ومترفة قدر المستطاع، حتى يعيش أبناؤه في استقرار وأمان. 

الأجداد هم القدوة والخبرة والأصل الطيب فهم دائما المكمل لأبنائهم في تربية الأحفاد ويعملون دائما لخلق حالة من البهجة والسرور في نفوس أبنائهم وأحفادهم، لكي يكونوا ذكرى طيبة وعطرة لا تذكر إلا بالخير والحب والتضحية.


كذلك الخال والعم والخالات والعمات لا يمكن إغفال دورهم في مراحل النشء والتربية، فهم فروع العائلة التي تساعد وتقوم وتربى وتحفز وتكون مرجعا وسندا كبيرًا لأبناهم، وأبناء أخواتهم فهم من يتدخلون لحل المشاكل الأسرية، وهم الملاذ لكل فرد لدية شكوى أو ضيق من مصاعب الحياة، يرجع إليهم ويحتمى بوجودهم.


ولكن دوام الحال من المحال وسرعان ما تتبدل الأحوال وتبدأ أوراق الشجر تتساقط لأن الحياة فانية، وسنين العمر قصيرة، وبعد ان كانت العائلة تجتمع في الأعياد والمناسبات، وعلى مدار العمر، وتجمعهم حالة من الحب والاحترام والتقدير، تتبدل الأحوال وتتعدد الأسباب، ويبقى في نهاية المشوار ظلال الموت تغيب على من نحب وتفقدنا بهجة ولذة وطعم الأيام.


فالحزن هو رد الفعل الطبيعي على أي شكل من أشكال الخسارة أو الفقد، يشمل الحزن مجموعة من المشاعر تتراوح من الحزن العميق وتصل إلى الغضب في بعض الأحيان. 

يمكن أن تختلف عملية التكيف والتعامل الفعال مع خسارة كبيرة من شخص إلى آخر، وفقا للعديد من العوامل، منها خلفية هذا الشخص أو معتقداته، وعلاقته بمَن فقد أو مدى تعلقه به.


بعد الفقد، تستيقظ، وللحظة تشعر أن كل شيء هادئ، ثم تتذكر ما فقدته، ينغلق حلقك، وتنقبض معدتك. 

بالأمس كنت تظن أنه لم يعد لديك دموع متبقية للبكاء، لكنها الآن تنهمر على خديك من جديد، صدرك ضيق ويصعب عليك التنفس، أنت لا تعرف كيف ستواجه اليوم المقبل، وتشعر بالوحدة والألم.

 بعد أي خسارة كبيرة تبدأ عملية تُعرف باسم "مراحل الحزن"، وهي عملية مكونة من خمس مراحل، أشارت إليها الطبيبة النفسية السويسرية إليزابيث كوبلر روس في كتابها الصادر بعنوان "On Death and Dying".

 أولى هذه المراحل هي مرحلة الإنكار، التي تضمن إقناع الشخص لنفسه بأن الحدث الصادم الذي يسبب له الألم لم يحدث، قد يصدق الشخص ظاهريًا أن الحدث المؤلم لم يحدث فعلا، لكنه في أعماقه يعرف الحقيقة.

 بعد ذلك، تبدأ المرحلة الثانية، وهي الغضب، كثيرًا ما يشعر الناس بالغضب عندما يفقدون شخصًا عزيزًا عليهم، خلال هذه المرحلة قد تشعر بالعديد من التقلبات المزاجية، قد تتشاجر مع مَن حولك لأسباب واهية، أو قد تصرخ لأنك عالق في حركة المرور. 

الغضب هو أحد المشاعر التي يُساء فهمها، لكنه على أية حال مرحلة مهمة في التعافي من الشعور بالفقد.


لاحقا تأتي مرحلة المساومة، ويمكن اعتبارها مرحلة الشعور بالذنب أيضا، خلال تلك الفترة، يحدوك الأمل أو الاعتقاد بأنه كان يمكنك تغيير ما حدث إذا فعلت شيئا محددًا، قد ترغب في العودة بالوقت لكي تفعل شيئًا لم تكن تفعله، أو تتراجع عن شيء حدث بالفعل.


المرحلة الرابعة هي مرحلة الاكتئاب، ليس بالضرورة أن يكون الاكتئاب الذي تشعر به بعد موت شخص عزيز هو نفسه الاكتئاب الإكلينيكي، لكن هذا النوع من الحزن المستمر يتشابه مع الاكتئاب الإكلينيكي في أنه يؤثر على الناس ويعرقل سير حياتهم الطبيعي، ويختلف معه في أن هذا النوع من الاكتئاب المرتبط بالحزن عادة ما يمر بعد مرور بعض الوقت. 

خلال هذه المرحلة يجد الشخص نفسه يبكي باستمرار، وقد يعاني من فقدان في الشهية واضطراب النوم. قد يعاني بعض الناس أيضا من الأوجاع والآلام الجسدية التي قد لا يعرف لها الأطباء سببا، كما يضعف جهاز المناعة، مما يجعل الشخص أكثر عُرضة للإصابة بالمرض.

بعد ذلك بفترة، تبدأ المرحلة الخامسة والأخيرة من مراحل الحزن وهي القبول، وهي المرحلة التي تتقبل خلالها الفقد وتعترف به، فقد تشعر ببعض السلام في هذه المرحلة، لكنك ما زلت تحمل بعض الحزن، وربما الغضب.

 قبول الخسارة لا يعني أنك لم تعد حزينا؛ لكنه يعني أنك تحاول التعايش مع الموقف والتأقلم مع قواعد الحياة.


ولكي يستطيع الفرد التأقلم على ما فقده من الأهل وأعز الناس إليه، عليه القيام بالعديد من الأمور التي تساعده في التعايش مع الواقع وأمور الدنيا، أولها قبول واقع الخسارة، وعدم قمع أو إخفاء مشاعر الحزن والزعل، والتكييف مع فقدان من نحب، وأخيرًا يجب محاولة التفكير في الوقت الذي قضيته معهم كهدية، بدلًا من التركيز على الخسارة.

 إبدأ حياة جديدة، لكن حافظ على تلك اللحظات والذكريات العزيزة كمصدر للبهجة والقوة.


وإلى هنا يكف قلمي عن الكتابة ويمنع عن التسطير لأني مهما قلت أو عبرت فلن أقدر أن أصف قيمة وقدر العائلة، فالأسرة هي المصدر الأساسي للحماية والدعم، وفقدان أحد الأهل أو الأحباب يمثل تجربة مؤلمة قد تؤثر على حياتنا بشكل كبير.

 من المهم أن نتذكر دائماً قيمة العلاقات التي نبنيها مع أحبائنا، وأن نستثمر الوقت والجهد في تقوية هذه الروابط، بدل من الانتظار حتى نفقدهم لنندم.
علينا أن نحرص على التعبير عن محبتنا وتقديرنا لهم، سواء بكلمة طيبة، أو بوقت نقضيه معهم، أو حتى بدعاء نرسله في صلاتنا. الحوار المفتوح والمودة يمكن أن يساهموا بشكل كبير في تحسين العلاقات، ويجب أن نتذكر أن الأحباء هم نعمة تستحق العناية والاهتمام.


ولنتذكر دائماً أن الذكريات الجميلة والتجارب التي عشتها مع من تحب ستظل حية في قلبك، فلنعمل على بقاء هذه الصورة قبل أن نجد المقعد خاليا.

search