السبت، 21 ديسمبر 2024

05:40 م

محمد مطش: أزمة منتصف العمر

الثلاثاء، 03 ديسمبر 2024 10:10 م

محمد المطش

محمد المطش

يأتي الإنسان للحياة وهو كائن نقى برئ باحث عن المحبة والعطاء قادر على العمل والنماء والسعي الدائم للتطور والارتقاء. يعمل الفرد على تطوير ذاته ويسعى لاكتساب مهارات مهنية جديدة وكذلك تعلم أمور مختلفة تساعد على ارتقاء الشخص وزيادة معدل انتاجه بصورة إيجابية نافعة ومتجددة على مدار مراحل عمره منذ أن يلد وإلى أن يتوفاه الله، طالما كان قادرا على العطاء متفانيا في الأداء لخدمة مجتمعه ووطنه بصورة او بأخرى.
وفجأة ومع مرور الزمن يصل كلا الجنسين من الرجال والنساء على ما يعرف باسم ازمة منتصف العمر، أزمة منتصف العمر هي بمنتهى البساطة تعد مرحلة انتقالية يمر فيها الرجل والمرأة عزابا ومتزوجين، إذا ما سلمنا بتسمية مرحلة منتصف العمر "أزمة" فإننا نتحدث عن مرحلة انتقالية طبيعية تمر فيها الغالبية العظمى من الناس، نظرا لارتباطها بتغيرات بيولوجية وهرمونية يتعرض لها البشر جميعا. وتبدأ عادة في العام الأربعين من العمر وقد تستمر لمدة 20 عاما، وهي جزء طبيعي من نضج الإنسان، لا تقتصر على جنس دون آخر.
كما تعرف ازمة منتصف العمر انها تلك النقطة المحورية في الحياة، التي غالبا ما تراها كأنها تل تسلقته، على الجانب الآخر منه إطلالة مثيرة للضيق. وبحسب فيكتور هوغو، الأديب والشاعر الفرنسي، فإن "سنّ الأربعين هو شيخوخة الشباب، فيما يعتبر سن الخمسين هو شباب الشيخوخة".
كما أن الأفراد الذين وصل بهم قطار العمر الى سن الاربعين يواجهون أزمة روحية حالكة عند بلوغ مرحلة منتصف العمر أو إنهم يحاولون الهرب منها باستماته. وتشير الدراسات إلى أن الغالبية العظمى من الناس يؤمنون بحقيقة ما يسمى بـ "أزمة منتصف العمر"، وأن قرابة نصف البالغين فوق سن الـ50 يزعمون مرورهم بمعاناة خلال تلك المرحلة.
ولهذه الازمة أسباب عدة يشعر بها من تجاوز الاربعون من عمره مثل الشيخوخة الجسدية، انقطاع الطمث عن المرأة ففي اغلب الأحيان يتزامن سن اليأس عند النساء مع أزمة منتصف العمر، حيث يأتي انقطاع الطمث مع رد فعل عاطفي كبير يكون الدافع وراء ذلك هو عدم القدرة على الإنجاب بعد الآن، بذلك يكون انقطاع الطمث أحد أسباب أزمة منتصف العمر عند النساء. ايضا الضغوط الحياتية التي نعيشها تعد من أسباب الازمة فالضغوطات أو لحظات التوتر أو المخاوف التي تأتي بشأن الشيخوخة أو فقدان الغرض من الحياة أو الخوف من الموت، وتشمل الأسباب الشائعة لحصول ذلك فقدان الوظيفة، والمخاوف الصحية، وكذلك وفاة الأم او الاب أو المرض. والربط بين الشيخوخة والتغيرات الجسدية والعقلية حيث ان ازمة منتصف العمر تحدث نتيجة لربط الناس عادة بين الشيخوخة والتغيرات الجسدية والعقلية غير المرغوب بها، ومن الأمثلة على ذلك حدوث زيادة في الوزن، وسوء الصحة والألم، وانخفاض الجاذبية والفتور الجنسي، وتغير شكل العلاقات، وفقدان الذاكرة، وكذلك فقدان الأمن المالي والدخل. وقد يكون منتصف العمر به وقت تفكير هائل، سواء على الماضي مع الندم على فعل بعض الأشياء أو عدم فعلها، أو التفكير في المستقبل وكيف سيكون في حال سلوك طريق مختلف، علاوة على ما سبق نجد ان حدوث شيء مفاجئ وغير نمطي على حياة الفرد قد يسبب له ازمة وعرقلة عن أداء واجباته المعتادة وشكل الحياة التي اعتاد ان يعيشها.
ولكي يستطيع الفرد الذي بلغ من العمر هذه المرحلة الصعبة ويزداده شعور دائم بأزمة منتصف العمر فعليه القيام بالعديد من الأشياء حتى يتغلب على أزمته ويقدر على استكمال مشوار العطاء ومنها قبول التغيير وهو امر لا مفر منه مع تقدمك في العمر، والتصالح معه أمر حيوي لتحقيق الرضا في منتصف مرحلة البلوغ حيث سيساعدنا النهج التكيفي في الحياة على التأقلم مع التغييرات وتنمية المرونة العاطفية والعملية، أيضا الحفاظ والتمسك بالأهداف التي نسعى لتحقيقها مع السعي الدائم والمستمر لتعلم مهارات جديدة فمثلا القيام بتجربة هواية جديدة، مثل التصوير الفوتوغرافي أو الكتابة الإبداعية. أو تحدي النفس مع دروس اللغة الأجنبية، حيث إن القيام بذلك سيساعد في الحفاظ على العقل حادًا، أيضا اعطاء الأولوية للحياة الذاتية والاهتمام بالصحة والرياضة وممارسة الأشياء النافعة والقيمة، وأخيرا البعد عن السلبيات فاذا ركزت حصريًا على السلبيات، فستجد الكثير من الأسباب التي تجعلك غير سعيد في منتصف العمر. لكن تذكر أن كل مرحلة من مراحل الحياة تأتي مع نصيبها من الصعود والهبوط. وان لكل فترة زمنية يعشيها الانسان لها متطلبات واحتياجات تختلف من ان لآخر ومن زمن لغيره حسب اهتمامات ورغبة وتطلع كل فرد.
ان أزمة منتصف العمر من القضايا المعقدة التي يوجهها العديد من الأفراد أبناء الاربعينات والخمسينات من العمر، حيث يمكن أن تؤدي إلى شعور بالإحباط والضياع وتراجع الدافع للعمل والإنتاج. وتتطلب هذه المرحلة من الحياة فهماً عميقاً للأسباب والتحديات المرتبطة بها، من أجل وضع استراتيجيات فعّالة للتعامل معها. وبالعمل على معرفة الأسباب المتعلقة بأزمة منتصف العمر والقدرة على التغلب عليها، يمكن للأفراد أن يستعيدوا السيطرة على مستقبلهم، ويحولوا التحديات إلى فرص، مما يؤدي إلى حياة أكثر إنتاجية واكتفاء. لتصبح مرحلة منتصف العمر مرحلة من الإبداع والانطلاق نحو آفاق جديدة، مع بناء مجتمع أفضل من خلال تحويل المحن الى منح والعسير الى يسير بصورة إيجابية تتسم بالعطاء والمساهمة الفعالة والإنتاج المتميز.

search