الأحد، 22 ديسمبر 2024

03:11 ص

محمد مطش يكتب: صراع الأجيال بين الواقع والمأمول

الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024 11:11 ص

محمد مطش

محمد مطش

لكل زمان رجاله، ولكل أوان متطلباته، فالعادات والتقاليد واعراف المجتمع، كلها أشياء تنقل من جيل لأخر، حسب الثقافة والتعليم والمستوى الفكري لدى الافراد. وهي ثوابت يصعب تغييرها، وخصوصا في المجتمعات الشرقية ذات الهوية الراسخة والشكل النمطي المعتاد. فالعلاقات بين الافراد كما جرى العرف، تقوم على احترام الكبير، والعطف واحتواء الصغير، مع فتح مجال للحوار القائم على التوجيه والنصح والإرشاد، وخصوصاً للأجيال الناشئة، التي تفتقد الخبرة، وينقصها إدراك معان كثيرة في الحياة.

والصراع يفسر على أنه حالة، سببها تعارض حقيقي أو متخيل للاحتياجات والقيم والمصالح. ويمكن أن يكون الصراع داخليا في الشخص نفسه، والمتمثل في رغبات وافكار معينة، وبين الشكل العام في المجتمع لدى الفرد، أو خارجيا بين الفرد واشخاص او جهات عدة. الصراع كمفهوم يساعد على تفسير الكثير من جوانب الحياة الاجتماعية، مثل الاختلاف الاجتماعي وتعارض المصالح، والحروب بين الأفراد والجماعات أو المنظمات.

وهو حالة تحدث عند وجود الأفراد في موقف معين يختلفون فيه بالرأي، أو وجهات النظر، أو الحكم على شيءٍ ما، وقد يبدأ الصراع من مجرد كلامٍ عادي، يتطور بعد ذلك حتى يتحول لصراخٍ مرتفع، ويعرف الصراع كذلك بأنه تنافس مجموعةٍ من الأشخاص معا على اتخاذ قرارٍ معين، قد يرتبط بهم بشكلٍ شخصي، أو في بيئة العمل، أو في شيءٍ مؤثرٍ على أشخاصٍ. هو اختلاف بين طرفين أو أكثر على فكرةٍ ما، يسعى كل طرفٍ لتأكيد انه على حقّ. ويظل الصراع مستمراً طالما لم يتوصل أي طرف من الأطراف إلى حل، يساهم في التوقفِ عن هذا الصراع، وقد يكون هذا الحل سياسيّاً، أو اجتماعياً، أو اقتصادياً.

عبر السطور القليلة القادمة، نركز على الصراع بين الأجيال، أسبابه ودوافعه وكيفية التغلب عليه، لخلق بيئة صحية منتجة، يستطيع الافراد من خلالها أن يتعاونوا، ليحدوا من المشاكل التي تؤثر عليهم بالسلب. الفجوة بين الأجيال ازدادت، بسبب التباين الكبير في واقع الحياة، واختلاف المشاكل وفارق السن والخبرة، فضلا عن التهميش وسلوكيات التسلط التي يمارسها الجيل الكبير، وما ينتج عنها في كثير من الأحيان من صراعات وتمرد جيل الشباب. فضغوطات العمل والمتطلبات الأسرية المرهقة للوالدين، تجعلهما يهملان تتبع وتربية الأبناء، ما ينتج   انعدام التواصل مع الأبناء في القضايا الاجتماعية والتربوية والنفسية. وغياب الأب المتواصل عن البيت وعمل الأم، وعودة الأب في وقت متأخر من الليل لا يجدان معه الوقت لسؤال الأبناء عن أحوالهم والدخول إلى عالمهم. وكذلك التذبذب في أسلوب التعامل مع الطفل الذي قد يسبب الإرباك للطفل، ويجعله غير قادر على تحديد ما هو مقبول منه وما هو مرفوض. ضعف شخصية بعض الآباء وعدم قدرتهم على إدارة حديث مع أبنائهم. الخلافات المستمرة بين الأم والأب، يجعل الآباء ينشغلون بمشكلاتهم عن أبنائهم. كما أن غياب الأب المتواصل عن المنزل، يسبب فجوة بين الآباء والأبناء. 

إذن الصراع بشكل عام، هو ظاهرة اجتماعية، تعكس حالة من عدم الارتياح، أو الضغط النفسي الناتج عن عدم التوافق بين رغبتين أو أكثر، أو تعارض ارادتين أو أكثر. أما ظاهرة الصراع على المستوى الدولي فتعكس حالة من تعارض المصالح واختلاف القيم بين مجموعة بشرية وأخرى، وهذا بات ملحوظا بين الاجيال.

الصراع بين الوالدين، نراه ونلاحظه في الخلافات حول تربية الأبناء، فلا يمتلك أي من الوالدين السلطة الشاملة على الآخر، ولا يشعر أي من الوالدين بالخوف على سلامته أو رفاهيته نتيجة لسلوك الآخر. ولعقوق الوالدين اسباب كثيرة منها الجهل؛ فالجهل داء قاتل، والجاهل عدو نفسه، فإذا جهل المرء عواقب العقوق العاجلة والآجلة، وجهل ثمرات البر العاجلة والآجلة، قاده ذلك إلى العقوق، وصرفه عن البر. ايضا سوء التربية؛ فالوالدان إذا لم يربيا أولادهما على التقوى، والبر والصلة، وطلب المعالي، فإن ذلك سيقودهم إلى التمرد والعقوق.

لكي يتم التعايش، وفتح حوار صحي بين الاجيال، بات لزاما علينا ان نجد طرقا ومخارج فعالة، للتغلب على الصراع الدائر بين الأجيال، ومن أبرز الحلول التي وضعها خبراء نفسيون ومعنيون بشأن الاسرة والمجتمع، هي تجنب العناد مع الابناء، لأنه لن يجدي معهم، بل يجب إتباع أسلوب الحوار والمناقشة البناءة. والتحدث مع الابناء عن اهتماماتهم بحب واهتمام بآرائهم، وليس بالسخرية منهم. تجنب النصيحة المباشرة للأبناء. وتجنب النقد المستمر، إلى جانب تجنب التوبيخ، أو العقاب المادي والمعنوي.

 ويمكن القول، إن أزمة صراع الأجيال تمثل قضية معقدة تتطلب تضافر جهود جميع أفراد المجتمع، بدءًا من الأسرة مرورًا بالمدارس ومراكز الشباب والمراكز الاجتماعية والجامعات. فالحوار الفعال داخل الأسر، يمكن أن يساهم بشكل كبير في تقليل الهوة بين الأجيال، وتعزيز فهم كل طرف لوجهة نظر الآخر.

كما أن المؤسسات التعليمية والاجتماعية، تُعتبر رافدًا مهمًا لتشكيل ثقافة الحوار والانفتاح، وتوفير البيئة اللازمة لتقبل الأفكار المختلفة والعيش المشترك. ينبغي أن تكون هذه المؤسسات مكانًا لتعليم القيم وتطوير مهارات التواصل بين الأجيال، مما يمكن الأفراد من التعامل مع الاختلافات بشكل بناء.

فالأسرة بمسؤولياتها، والمجتمع بمؤسساته، يجب أن يعملوا معًا لبناء جيل يقدر التنوع ويحترم الاختلاف. وهذا يتطلب سياسات وبرامج تعليمية وتوعوية، تركز على تعزيز التواصل وفهم احتياجات الأجيال المختلفة.

إن فهم هذه الديناميكيات وتفعيلها، هو خطوة نحو إيجاد مجتمع متماسك ومتناغم، يسهم في بناء مستقبل أفضل. علينا أن نؤكد أن الحوار والتفاهم، هما السبيل للتغلب على الأزمات والصراعات، وأن العمل المشترك هو القاعدة الأساسية لبناء مجتمع يحترم فيه الجميع.

search