السبت، 16 نوفمبر 2024

12:33 ص

دعا إلى تعزيز وتحقيق العدالة المجتمعية والعالمية

مفتي الجمهورية: الأديان تدعو إلى السلم والسلام ولا تدعو إلى الحرب والنزاع

الثلاثاء، 05 نوفمبر 2024 11:13 ص

السيد الطنطاوي

مفتي الجمهورية خلال مؤتمر قادة الأديان

مفتي الجمهورية خلال مؤتمر قادة الأديان

دعا فضيلة الدكتور نظير عيَّاد، مفتي جمهورية مصر العربية ورئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، إلى ضرورة تعزيز وتحقيق العدالة المجتمعية والعالمية، والتعاون والتكاتف من أجل رفع الظلم عن الشعوب المظلومة والمجتمعات المقهورة، وفي مقدمتها شعب فلسطين الأبيُّ، صاحبُ الأرض والحقِّ، الذي يتعرَّض لأعظم جريمة إبادة جماعية وقعت في التاريخ الإنساني القديم والمعاصر، على مرأى ومسمع المجتمع الدولي.

وأضاف في كلمته التي ألقاها خلال مشاركته في القمة العالمية لرؤساء الأديان، ضمن الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف، المنعقدة في باكو عاصمة أذربيجان يومَي الثلاثاء والأربعاء 5 و6 نوفمبر 2024، أن الأديان جاءت لترسيخ قِيَم السلام والعدالة، واصفًا التعاون بين الأمم والمؤسسات الدينية بالضرورة لتحقيق الاستقرار والأمان للشعوب.

وأكد أن هذه المهمة لا يمكن أن يحققها القادة السياسيون، بمعزل عن المؤسسات الدينية والمجتمعية؛ وقال: لذا فنحن بدورنا وإيماننا بقوله تعالى: “إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ” [الأنبياء: 92]، لذا يتوجَّب علينا تقديم يد العون والمساعدة في أي مسار يمكن أن يحقق العدل ويرفع الظلم عن هذه الشعوب.

وأشار فضيلة مفتي الجمهورية في كلمته إلى الْتزام مصر، من خلال مؤسساتها الدينية والمجتمعية، بالعمل على رفع الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة، وتخفيف الانبعاثات الضارة، مؤكدًا أنَّ التعاون بين المؤسسات الدينية والدولية، يُعد حتميًّا لمواجهة الأزمات التي تهدد استقرار العالم.

وقال فضيلة الدكتور نظير عيَّاد، إن الأديان في مضامينها المقدسة وتاريخها العريق، إنما تدعو إلى السلم والسلام، ولا تدعو إلى الحرب والنزاع، وإنَّ ما جنحت إليه شرذمة قليلة نحو التطرف والإرهاب، قد انحرفت في فهم نصوص الأديان وتطبيقها بشكل خاطئ، وفي نفس الوقت لا تمثل في سياق التاريخ أو الواقع، إلا فئة قليلة لا يمكن تعميمها على جمهور المؤمنين أو محاكمة الأديان من خلالها.

وأضاف مفتي الجمهورية، أن النصوص الدينية التي تؤكد السلم والسلام أو تدل عليه لا يمكن حصرها في هذا المقام، ومنها على سبيل المثال: قوله تعالى في القرآن الكريم: “وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ” [الأنفال: 61]. وما ورد في الكتاب المقدس: "طوبى لصانعي السلام، فإنهم سيدعون أبناء الله". [متى: 5/ 9].

وأكد فضيلة المفتي، أنَّ الأديان ضد نظريات صدام الحضارات والإسلاموفوبيا، وغيرها من النظريات التي تحرِّض على الحروب والنزاعات الطائفية، وتكرس لمظاهر التمييز والعنصرية والكراهية، وغير ذلك.

كما دعا فضيلته إلى ضرورة تعزيز اليقين بالله تعالى، والقيم الدينية والأخلاقية الثابتة في الأفراد والمجتمعات، وأهمية مواجهة الأفكار اللادينية التي تستغلُّ التغيرات الثقافية، والجيوسياسية، والعلمية، والتقنية، والاتصالات، والاكتشافات العلمية الحديثة، والحروب الدائرة اليوم في العالم في نشر أفكارها اللادينية البغيضة، وتستقطب بها الشباب وتجنح بهم نحو الفساد والإباحية وهدم القيم الأخلاقية، وتبث في نفوسهم روح التشاؤم والانعزالية وغير ذلك من المبادئ الخطيرة على الإنسانية جمعاء.

وقال فضيلته: "من وجهة نظري فإن تعزيز اليقين بالله في الأفراد والمجتمعات، لا يمكن أن تستقل به المؤسسات الدينية بمعزل عن المؤسسات المدنية والمجتمعية؛ وإلا فكيف لنا أن نقوم بهذا التعزيز وغيرنا يعمل على هدمه؟!"

وأكَّد مفتي الجمهورية على ضرورة التكامل والتعاون والاتفاق المؤسسي نحو هذا التعزيز وضرورة صياغة الأجوبة الدينية المناسبة على الأطروحات والتساؤلات اللادينية بشكل منطقي وسليم، لا يتعارض مع النصوص الدينية القطعية، وكذلك يتوافق مع المنجزات الإنسانية الحديثة حتى نضمن بشكل قطعي عدم وقوع الشباب فريسة للأفكار اللادينية وأساليبها الماكرة.

ودعا فضيلة المفتي إلى ضرورة الإفادة من التنوع الديني والعِرْقي والمذهبي، واستثماره في البناء الحضاري والعمراني، وتحقيق الرفاه والعيش الرغيد للشعوب، بدلًا من اتخاذه سببًا للحروب والصراعات ومعوقًا للتقدم والازدهار، مؤكدًا أن الله -سبحانه وتعالى- قد جعل هذا التنوع سبيلًا ومنهاجًا للتعارف والتعاون والتكامل، وفي ذلك يقول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” [الحجرات: 13].

وأضاف أنه يمكن لنا أن نفيد من التجارب والنماذج العملية في هذا المسار، والتي يأتي في مقدمتها "بيت العائلة المصرية" الذي يتعاون فيه "الأزهر الشريف" و"الكنيسة المصرية" لتعزيز التسامح الديني والعيش المشترك في المجتمع، برعاية الدولة المصرية.

وأوضح مفتي الجمهورية أنَّ مواجهة الأزمات المناخية الواقعة والمستجدة بشكل حاسم وجاد يأتي من باب المحافظة على مقاصد الأديان، التي تدور حول محورين رئيسين؛ الأول: محور الإنسان، من حيث المحافظة على عقيدته، وقيمه، ومبادئه، وعِرضه، وماله وكسبه، وكل ما يحافظ على هذه الأمور من وسائل وأدوات فهو مشروع ومقصود في الأديان. الثاني: الاستخلاف الحضاري والعمراني، الذي من شأنه أن يحقق الرسالة الثانية من خلق الإنسان في هذه الحياة، وهي: تعمير هذه الأرض، وبناء حضارتها المجيدة، وكل ما يحقِّق ذلك من أدوات ووسائل، وفي مقدمتها مواجهة الأزمات المناخية المستجدة، فهو -أيضًا- مشروع ومقصود في الأديان.

 وأضاف "أن اجتماعنا اليوم يُعَدُّ ركيزة أساسية في مواجهة الفتن والاضطرابات والقلائل والأزمات، التي من شأنها زعزعة استقرار المجتمعات وتخريب العمران الذي شيدته الإنسانية بالكد والكفاح، وهذا يتطلب منا جهودًا حثيثة وكبيرة نحو المُضي قُدمًا للتعاون والتكاتف والاستمرارية في بذل الغالي والنفيس، من أجل تحقيق السلام والعيش الرغيد للشعوب والمجتمعات".

search