الأحد، 22 ديسمبر 2024

03:05 ص

أمين الجمّال يكتب: المعلمون يقفزون للخلف

الأحد، 20 أكتوبر 2024 05:36 م

أمين الجمال

أمين الجمال

أمين الجمال

يُقال «إن معلمينا هم الذين يعطوننا الطريقة لنحيا حياة صالحة»، لكن الأمر مختلف في مصر، فلم يعد كثير من المعلمين يرون أنفسهم قدوةً ورسلَ تنويرٍ وتثقيفٍ لأجيال مشتتة الأفكار، بل أصبحوا «ملوك بيزنس التعليم»، حيث يأتي الكسب عندهم في المقام الأول، فاستبدلوا المدرسة بالدروس الخصوصية.

صحيح أن الدروس الخصوصية ظاهرةٌ متجذرةٌ في العملية التعليمية، وليست حالة مصرية خالصة، ولكنها في مصر تحولت إلى مهرجانات راقصة، ووسيلة سريعة لجمع الأموال، حتى لغير العاملين بمهنة التدريس أو الحاصلين على مؤهلات دراسية متخصصة للعمل بهذه المهنة، فقد زاحم المهندس والصيدلاني وطالب الجامعة المعلمين على «كيكة» الدروس الخصوصية.

وإذا كان المعلم هو المعني الأول بتحصيل الطالب المعلومات وتحقيق الاستفادة مما يدرسه خلال العام الدراسي، إلا أن هذا الأمر لم يعد ذا أهمية لديه، فلا يمكن لمعلم يجلس أمامه نحو 300 طالب أو أكثر في «سنتر الدروس الخصوصية»، يستطيع أن يراعي الفروق الفردية في التحصيل والاستيعاب والفهم لدى كل هؤلاء الطلبة في ساعة واحدة.

وإذا كانت الشكوى قبل سنوات من أن الفصل في المدرسة يضم أكثر من 40 طالباً، وأن هذا العدد لا يتناسب مع زمن الحصة الواحدة، الذي لا يتعدى 40 دقيقة، بافتراض أن نصيب كل طالب في الفصل دقيقة واحدة يتابعه فيها المعلم، فما بالنا إذا كان عدد الطلبة في «سنتر الدروس الخصوصية» يتخطى الـ300 طالب، وزمن الحصة 60 دقيقة (ساعة)، فإن نصيب كل طالب هو 12 ثانية يتابعه المعلم، ويرد على أسئلته، ويوضح له ما لم يفهم في الدرس خلال هذه الـ«12 ثانية».. فهل يمكن ذلك؟!

كما قلنا إن ظاهرة الدروس الخصوصية قديمة ومتجذرة، ولكن المعلمين قديماً كانوا يتعاملون معها على استحياء، ولما اشتدت بهم ظروف المعيشة، وتعددت مطالبها بدأ المعلمون يتخذون من الدروس الخصوصية وسيلة لتحسين أوضاعهم المعيشية، لكنهم في الوقت نفسه كانوا يوازنون بين الدروس الخصوصية كوسيلة لتعديل أوضاعهم المادية وبين حرصهم الشديد على أن يستفيد الطالب من حصة الدرس بأقصى طاقة ممكنة، ولم يفتهم أبداً أهمية أن تكون المدرسة لها الأولوية الأولى لتعليم الطالب.

حالياً تبدد الأمر تماماً، وقفز المعلمون قفزةً للخلف، فانصرف اهتمامهم عن الرسالة الأسمى، إذ لم يعد المعلم الذي يتعاطى مع الدروس الخصوصية، يرى سوى السيارة والعمارة ورصيد حسابه في البنك، وبات «السنتر» أهم عنده من المدرسة.

في سبيل تحقيق هذا الاهتمام والشغل الشاغل للمعلمين الذين هم «ورثة الأنبياء»، اتخذ بعضهم كل وسيلة ممكنة لجذب الزبون «الطالب»، حتى وإن ضاعت هيبته بين نقرات على طبل وترديد للمعلومات بأنغام موسيقية نشاذ، مصحوبة برقصات وحركات بهلوانية مبتذلة، لا يؤديها سوى «مهرج»، بدعوى تثبيت المعلومة في أذهان الطلبة الجالسين أمامه.. فأي علم يقدم هذا المعلم؟! وأي استفادة يسعى إليها الطالب بهذه الطريقة؟!

لقد أصبحت العملية التربوية في خطر، بسبب سلوكيات بعض من أربابها، الذين غاب عنهم أنهم قدوة لأجيال يتربون إما على تحمل المسؤولية أو اللامبالاة بالقيم.

وفوق كل ذلك لابد من طرح سؤال يُلح دائماً على الخاطر: هل يجد المعلم في ظل دوامة الدروس الخصوصية وقتاً كافياً ليراجع معلوماته ويزيد من اطلاعه على أحدث الطرق التربوية والتدريسية، ويطور من مهاراته؟!

علينا جميع أن ندرك حقيقة رسالة المعلم، وأهميتها في بناء عقول تستطيع التفكير والإبداع، وتربية أجيال واثقة وقادرة على مواجهة متغيرات الحياة والتعامل معها.

search