السبت، 02 نوفمبر 2024

05:26 م

باسم عوض الله يكتب: رحلة البحث الإبراهيمية

السبت، 19 أكتوبر 2024 02:58 م

باسم عوض الله

باسم عوض الله

طرقت الكلمات أبوابه والحماس يغلبها، تود أن تقتلعها من جوانبها كي تغمره بفيضها ويمتزجان سويًّا، فيُطاولان السماء كي يقرعان الأجراس، ويُقَبِّلان عتبات قدس الأقداس. وإذ بالنجوم تلمع متلألئة وضياء الشمس حولها مُهلِّلة وسط أجنحة الملائكة الكرام المُظلِّلة، ثم ساد السُّكون وأتت الرسالة مُكلَّلة بوريقات زهور الجنة ومُعطَّرة بنسمات العرش العظيم، بِنَصٍّ فحواه: هنيئًا لك ومباركًا عليك، فُتِحَت لك أسوار الخزائن، وأُتيحت لك أسرار المدائن، أنت من نظرت إليه بالحب، وأنا من أمرت له بالقرب، وأنا من به سكنت بالقلب، أنا إلهك وأنت عبدي، أنا ربّك وأنت خليلي، أنا خالقك وأنت مِنِّي، فلتنظر بعيني، وتقبض بيدي، وتسير بخطواتي، وتنبض بروحي، أنت حبيبي وأنا حبيبك.

وكان ذلك منذ الأزل في العمق السحيق من صفحات العِلم الإلهي اللدني، قبل الخلق بأحوال انفراد خالق الخلق بذاته العليَّة، حتى آن الأوان وَفَارَ تَنُّور الحياة، حين أَمَرَ رب الحياة بأن تُوجَد بِوَجْدهِ، وخَلقَ الخَلق كي يعرفونه، وأتى بالبشر وعلى رأسهم الأنبياء والرسل والأولياء تيجان للبشر.

والآن، تتجلى علينا أنوار أحد أولي العزم الكِرام، وشريف الشمائل والثَّغر البسَّام، صاحب القلب السليم والمُضيف الكريم، إنه الجسور المغوار، من لم يخف من أعداء الله ومن النار، إنه أبو الأنبياء وأبونا وحبيبنا وحبيبهم وحبيب الأرض والسماء وحبيب الكون، فهو حبيب الرب فأحبه الوجود، إنه حضرة سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام العظيم والمحبة من ربٍّ كريم.

وإذ بِخَليل الله يتجول بين أركان الفكر، مُتفرِّسًا باحثًا بِجَنَبات الحقيقة والواقع، لتنبع من عيون الخُلد مياه الصدق الآتية من جوف أنهار جنة القلب والروح، فهبط الهوى يتدلَّى بأجنحة القلب، وسقط الجوى يتحلَّى بأروقة الروح، لتضعنا بِهَالات التَّأمل والتَّروِّي، وحًالات التَّبصُّر والتَّمَحُّص بحروف ظاهرها حال وباطنها ألف حال، فباتت:

نظر إلى الكواكب وتفكَّر
سأل نفسه وتدبَّر
هل هؤلاء ربي المعبود؟ 
ذهبوا عنه وعنهم ذهب وتحيَّر


تنهَّد وسَبَح بروحه لأطراف الكون السحيق 
يا إلهي أين أنت؟ إني أحترق والعجب عميق 
أنت القوي وأنت الخالق والأول والآخر 
أنت فوق الخلائق وغير ذلك لا أطيق


تَبَصَّر بقلبه إلى سماء أقامها رَافِع
وإلى أركان كونٍ خَلَقَهُ وَاسِع
وتمحَّص بالخلق البديع وتفحَّص
وتأكد أن ذاك صنع الواحد النَّافِع


فَرَّت دمعة هاربة من مهابة العابِد
نبض القلب وبه غُصَّة السَّائل السَّاجِد
تجرَّد وعلى الواقع تمرَّد 
لا يبتغي إلا إيجاد الواحد الواجِد


يا حبيبي أبحث عنك فَالوَسَط غُرْبَة
إن لم أجدك أكُ بِالضَّلال والحياة كُرْبَة
أنا بك أكُ العالم وبدونك أكُ العدم
يا حبيبي تَجلَّى عليّ تكُ الحياة قُرْبَة


اسمي إبراهيم وبحبي فيك أهيم
عرفتك وكتبت اسمي بالسُّحب والسَّدِيم
بغيرك لا أبالي وإن رموني بالنار
فالبُعد عنك جحيم والقرب أحرف النَّعيم


وتبقى رحلة البحث بين الرَّاقد والفارس
فَيَصَول القلب بين البشوش والعابس
وتَجُول الروح بين الحقيقة والهواجس
لتظل أسئلة الوجود بين المؤمن والبائس


هل يظن الإنسان أنه فاني أم ماكث؟ 
أيعيش المخلوق لخالقه خير خليفة أم عابث؟ 
لينعم بِبركة النفحات أم يهلك بِلعنة الخبائث؟ 
وَيبقى اليقين واحد تفنى الحياة والرَّب وارث

search