السبت، 02 نوفمبر 2024

05:33 م

شعيب عبد الفتاح يكتب: قناة “أمير المُؤمنين”

الثلاثاء، 15 أكتوبر 2024 09:35 ص

شعيب عبد الفتاح

شعيب عبد الفتاح

فى عهد أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب، وقع القحط الشديد فى بلاد الحجاز عام 18 هـ (عام 641 ميلادية، ولما زادت الشدةُ بالمسلمين فى "المدينة المُنورة" مقر الخلافة آنذاك، وفى غيرها من بلاد الحجاز بسبب القحط، أرسل  سيدنا عُمر بن الخطاب، رسالةً عاجلة لوالى مصر عمرو بن العاص، قال: "سلامٌ عليك، أما بعدُ، فلعَمرى يا عمرو ما تُبالى إذا شبعتَ أنتَ ومن معك، أن أهلَكَ أنا ومن معى، فياغوثاه!، ثم ياغوثاه!.." وهو قولٌ يؤكد عظم المُصاب، وقسوته على الناس.

ثم بادر "عمرو" بالرد دون إبطاءٍ منه على رسالة أمير المؤمنين التى يبدو فيها الكثير من السخط، والغضب، فقال:"لعبد الله عمر أمير المؤمنين، من عبد الله عمرو بن العاص، أما بعدُ، فيا لبيك! ثم يا لبيك! قد بعثتُ إليك بعيرٍ أولُها عندك، وآخرها عندى".

وكان الخليفة يريد أن يرسل الوالى المؤن والطعام عبر البحر. لكن الوالى "عمرو بن العاص" اعتذر للخليفة عن عدم إرسال الطعام عن طريق البحر، وقال فى نفسه: "أفتحُ على مصر بابًا لايُسَد، فكتب يعتذر". وأدرك الخليفةُ ما حدث بين "عمرو" ومستشاريه، فاشتد فى الكتابة لواليه، وبعث إليه مُهددًا: "أما بعدُ.. والله لئن لم تُرسل فى البحر؛ لأُرسلَّن إليك من يقتلعُ أُذنيك..".

ومع عدم تحمس عمرو بن العاص، أرسل الخليفة رسالةً  اليه يأمره فيها أن يحفر "خليجًا"، أو "قناة" لتربط مصر بأرض الحجاز ليأتيه الخير والمؤن من مصر: "يا عمرو، إن الله قد فتح على المسلمين مص، وهى كثيرة الخير والطعام، وقد أُلقى فى رَوعى لما أحببتُ من الرفقِ بأهل الحرمَيْن، والتوسعة عليهم، أن أحفر خليجًا من نيلها حتى يسيل فى البحر، فهو أيسرُ لما نُريد من حمل الطعام إلى المدينة، ومكة، فإن حمله على الظهر يبعد، ولا نبلغ معه ما نُريد، فانطلق أنت وأصحابُك، فتشاوروا فى ذلك".

ولما تشاور الوالى عمرو بن العاص مع المُقربين، أثقلوا عليه حفر "الخليج" الذى ربما يُلحق الضرر بمصر، ثم أخبروه أن يُرسل للخليفة مُعظمًا ذلك الأمر عليه. عندها اشتد الخليفة على الوالى، وأمره أن يحفر "الخليج" مَهما كان الأمر، ومَهما كانت التكاليف، حتى قال له: "ولو أنفقتَ عليه جميع مال مصر". وعلى هذا، أدرك الوالى أن لا حيلة له أمام رغبة الخليفة.

ثم جمع عمرو بن العاص العُمال لحفر "الخليج المصرى"، ويُقال إن العمل دام ستة أشهُر. وتذكر المصادر أن عمرو  لم يكن يدرى من أين يبدأ الحفر، وأن الذى أرشده لموضع "القناة الفرعونية القديمة" قبطى من أهل مصر.
فرغ عمرو بن العاص من حفر القناة  في ستة أشهر، وجرت فيها السفن ووصلت إلى الحجاز في الشهر السابع، ومسافته خمسة أيام، وكان مسلك التجار وغيرهم.

ولما تم حفر الخليج، سارت المراكب من مصر إلى الحجاز، وذات يوم خرج الخليفة عمر فى طريقه، وقال للناس: "سيروا بنا ننظرُ إلى السُّفن التى سيّرها الله إلينا من أرض فرعون حتى أتتنا"، فذهب وشاهد الخير القادم من أرض مصر.

وسُميت تلك القناة (قناة أمير المؤمنين)، وهى قناة مياه عذبة تتغذى من نهر النيل، وصالحة للملاحة، ويبلغ طولها 150 كم وعرضها 25 متراً وعمقها بين 3 إلى 4 أمتار

واستمرت قناة أمير المؤمنين  صالحة للملاحة 150 عاماً، إلى أن أمر الخليفة العباسى أبوجعفر المنصور بردمها تماماً للحيلولة دون وصول الإمدادات بالمؤن والعتاد من مصر إلى أهالى مكة المُكرمة والمدينة المنورة الثائرين ضد الحُكم العباسى.

search