السبت، 02 نوفمبر 2024

11:39 م

حكم بيع الكلية.. الافتاء تجيب

الإثنين، 14 أكتوبر 2024 11:03 ص

السيد الطنطاوي

دكتور شوقي علام

دكتور شوقي علام

قال الدكتور شوقي إبراهيم علام، إن الله عز وجل كرَّم الإنسان، ورفع شأنه، وعظَّم حرمته؛ قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70]، واعتبر جسده أمانةً: فلا يجوز التصرف فيه بما يسوؤه أو يرديه، ولو كان هذا التصرف من صاحب الجسد نفسه، ولذا حَرَّم اللهُ تعالى إزهاقَ الروح، وإتلافَ البدن إلَّا بالحق؛ فقال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الأنعام: 151]، وقال تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا﴾ [البقرة: 195].

جاء ذلك ردا على سؤال من أحد المستفسرين عن حكم بيع وشراء أعضاء من جسم الإنسان وخاصة الكلية؟

ويضيف دكتور شوقي علام: يقول الإمام القرافي في "الفروق" (1/ 141، ط. عالم الكتب): [حرَّم.. القتل والجرح صونًا لمهجته، وأعضائه، ومنافعها عليه، ولو رضي العبد بإسقاط حقه من ذلك لم يعتبر رضاه، ولم ينفذ إسقاطه] اهـ.

ومن مقتضيات هذا التكريم: حرمة التعرُّض لجسد الآدمي أو أجزائه بالبيع والشراء؛ إذ في إيراد العقد على شيءٍ من ذلك بالبيع والشراء امتهانٌ وإذلالٌ له.

قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار على الدر المختار" (5/ 58، ط. دار الفكر): [الآدمي مكرَّمٌ شرعًا ولو كافرًا، (قوله: ذكره المصنف)؛ حيث قال: والآدميُّ مكرَّمٌ شرعًا وإن كان كافرًا، فإيراد العقد عليه وابتذاله به وإلحاقه بالجمادات إذلالٌ له. اهـ. أي: وهو غير جائز، وبعضه في حكمه وصرَّح في "فتح القدير" ببطلانه] اهـ.

وقال العلامة العدوي المالكي في "حاشيته على شرح مختصر خليل للخرشي" (1/ 83، ط. دار الفكر): [(تنبيه): سُئِلَ مالكٌ عن بيع الشعر الذي يُحلَقُ من رءوس الناس؟ فكرهه] اهـ، والشَّعْر: جزء من الإنسان يُلْحَق به غيره بجامع اشتراكهما في أنهما جزء الإنسان.

والكراهة المنقولة هنا عن الإمام مالكٍ حَمَلَهَا بعضُ المالكية على التنزيه، وظاهر كلام الإمام ابن عبد البر يفيد حَمْلَهَا على التحريم. ينظر: "الكافي" لابن عبد البر (ص: 328، ط. دار الكتب العلمية-بيروت).

وقال الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (1/ 406، ط. دار الكتب العلمية): [والآدمي يحرم الانتفاع به وبسائر أجزائه؛ لكرامته] اهـ.

وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 57، ط. دار الكتب العلمية): [(ولا يجوز استعمال شَعْر الآدمي) مع الحكم بطهارته (لحرمته) أي: احترامه؛ قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء:70]، وكذا عظمه، وسائر أجزائه] اهـ.

كما أنَّ مِن شروط البيع المتَّفق عليها: كون المبيع ملكًا للبائع، أو مأذونًا له بالتَّصرُّف فيه. ينظر: "بدائع الصنائع" للإمام للكاساني (5/ 147)، و"المجموع" للإمام النووي (9/ 259، ط. دار الفكر)، و"المغني" للعلامة ابن قدامة (4/ 155، ط. مكتبة القاهرة)؛ فقد روى الإمامان أحمد في "المسند" وأبو داود في "السنن" عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ». أي: ما لا تملك.

وبناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: لا يجوز إجراء البيع والشراء على الآدميِّ الحُرِّ، أو أجزائه المتَّصلة به؛ لأنَّ ذلك هو المقصود من تكريمه وحُرْمة جسده. ومما سبق يعلم الجواب عن السؤال. والله سبحانه وتعالى أعلم.

ويقول الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق رحمه الله، حرمة بيع الإنسان لعضو من أعضاء جسده

اتفق المحققون من الفقهاء على أنه لا يجوز للإنسان أن يبيع عضوًا من أعضاء جسده أيًّا كان هذا العضو؛ وذلك لأسباب متعددة أهمها:

أولًا: إن جسد الإنسان وما يتكون منه من أعضاء ليس محلًا للبيع والشراء وليس سلعة من السلع التي يصحُّ فيها التبادل التجاري، وإنما جسدُ الإنسان بناءٌ بناه الله تعالى وكرمه وسما به عن البيع والشراء وحرم المتاجرة فيه تحريمًا قاطعًا؛ لأن بيع الآدمي أو بيع جزء منه باطلٌ شرعًا؛ لكرامته بنص القرآن الكريم الذي يقول: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70]، وقد اتفق الفقهاء على بطلان البيع أو الشراء بالنسبة لبدن الإنسان أو لأيّ عضو من أعضائه.

ثانيًا: إن الإنسان ما هو إلا أمينٌ على هذا الجسد ومأمورٌ بأن يتصرَّف في هذه الأمانة بما يُصْلِحُها لا بما يُفْسِدُها، فإذا تجاوز الإنسان هذه الحدود وتصرف في جسده بما يتعارض مع إصلاحه كان خائنًا للأمانة التي ائتمنه الله عليها، وكان تصرفه محرمًا وباطلًا؛ لأنه تصرَّف فيما ائْتُمِن عليه تصرفًا سيئًا بدليل قوله تعالى: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ [الأعراف: 54]، ويدل على رقة الدين وسفه العقل وحمق التفكير.

ثالثًا: لا يقال: إن من القواعد الشرعية القاعدة التي تقول: "الضرورات تبيح المحظورات"، وبناءً على ذلك يجوز للإنسان أن يتصرف في جسده عند الضرورة؛ لأنا نقول في الرد على هذا القيل: إن التصرف عند الضرورة إنما يكون في حدود ما أحلَّه الله، وفضلًا عن ذلك فإنَّ هذه القاعدة مقيدة بقواعد أخرى تضبطها، ومن هذه القواعد: "الضرر لا يُزَالُ بالضرر"؛ أي: إنه لا يجوز إزالة الضرر بضرر يشبهه أو يزيد عليه؛ ولذلك قالوا: لا يجوز للجائع مثلًا أن يأخذ طعام جائع مثله عن طريق السرقة أو ما يشبهها، كما أنه لا تُفْرَضُ نفقة على الفقير لقريبه، ومما لا شكَّ فيه أنَّ بيعَ عضو من أعضاء الجسد أيًّا كان هذا العضو يمثل ضررًا شديدًا لبدن الإنسان، وهذا الضرر يزيد على ما يتعرض له الإنسان من فاقة أو عسر أو احتياج؛ لأن هذا الاحتياج هناك وسائل تدفعه منها: مباشرة الأسباب المشروعة للحصول على الرزق.

search