السبت، 02 نوفمبر 2024

05:33 م

محمد مطش يكتب: العقول الذهبية تنتج ولا تنضب

الإثنين، 07 أكتوبر 2024 12:02 م

محمد مطش

محمد مطش

“الشباب شباب القلب”.. جملة كنا نسمعها جميعًا من الكبار، في محاولة لطيفة منهم لمواكبة الأجيال الجديدة في تصرفاتهم ومظهرهم وقدرتهم على ملاحقة المتغيرات العصرية الجديدة. ولكن من خلال معايشتي لمن هم أكبر منى سنًا وخبرة، وجدت أن الحيوية ودم الشباب ليس فقط في القلب فحسب، بل للعقول أيضًا. نعم العقول المستنيرة الواعية والقادرة على العطاء لمن حولهم ولأوطانهم على مدى سنوات العمر.
ويتبادر في ذهني تساؤل عن ماهم أصحاب الخبرات الحقيقيين والقادرين على العطاء؟. اعتقدت أن كل من قضى فترة كافية في العمل تفوق الثلاثين عامًا وتميزوا وابتكروا وأبدعوا في مجالاتهم المختلفة، واستطاعوا إضافة بصمات جديدة في مشوارهم المهني هم حقًا أصحاب العقول والخبرات الثمينة، التي نستطيع الاستفادة منها وتسخيرها لخدمة المجتمع والوطن باسره. أفراد استطاعوا تغيير مجريات الأمور في كثير من الاحوال وإضافة العديد من الرؤى واللمسات الفعالة، التي استطاعت أن تنقل مجالاتهم نقلة نوعية من وضع إلى وضع أفضل منه، وليس بالضرورة أن يكونوا أصحاب مناصب إدارية مرموقة، ولا أن يعتلوا أعلى المراكز في مؤسساتهم أثناء فترة عملهم، بل هم أشخاص من ذوي الكفاءات الاستثنائية استطاعوا تذليل العقبات لابتكار الجديد في مجالاتهم المهنية المختلفة، وخلق حالة صحية ملائمة للإنتاج والتميز.
الاستفادة من العقول المستنيرة والتي تتجاوز سن التقاعد، ضرورة ملحة ومهمة لعدة أسباب، أبرزها خلق حالة من الأمان والاستقرار والشعور بالذات لمن تجاوز السن قبل أن يشعر أنه كادر معطل ولا قيمة له، بسبب أرقام عمرية في حياته؛ فيستطيع أن يكون منتجًا وفعالاً، أيضًا احساس الفرد الذى تجاوز سن العمل أنه مازال قادرا على الابتكار والتجدد نظرًا لقيمته الفاعلة والمرموقة، فضلاً عن أن خبراتهم المهنية تتجاوز الكثير من الرؤى والأفكار لمن هم مازلوا في الخدمة، وعلاوة على ذلك لم يكلفوا الدولة الكثير إذا تم الاستفادة من خبراتهم وقدراتهم الاستثنائية بحوافز ومكافآت.  
وفي المقابل، نجد أنه في حال عدم الاستفادة من هؤلاء الكوادر المنتجة سيحدث لهم حالة من الاحباط واليأس، وبالغربة لعدم الرجوع إليهم كأفراد قادرين على العطاء، وقد ينجم عن هذا التجاهل والتهميش إصابتهم بأمراض ذهنية أو عضوية عديدة وخصوصًا مع تقدم العمر وعدم الرضا على أحوالهم المعيشية، وشعورهم بعدم الراحة والسكينة كأفراد مازالوا قادرين على العطاء بكل ما لديهم من إمكانيات وطاقات وقدرات متباينة.
لذا بات من الضروري الاستفادة من كنوز المعرفة والخبرة التي يمتلكها كبار السن الذين تجاوزوا سن التقاعد.. إن هؤلاء الأفراد ليسوا مجرد عبء أو فئة معزولة، بل هم مصدر غني بالأفكار والقدرات، حيث يمتلكون رؤية عميقة وفهماً متراكماً لمختلف مجالات العمل.
إدماج كبار السن في بيئات العمل، سواء في أدوار إشرافية أو تقنية، ليس فقط خيارًا ذكيًا، بل هو واجب اجتماعي واقتصادي. فمهاراتهم الفريدة وقدرتهم على التكيف مع الظروف الجديدة، يمكن أن تسهم بشكل كبير في تطوير المؤسسات وتعزيز الابتكار. كما ان تحقيق التوازن بين الخبرة والشباب يمكن أن يؤدي إلى بيئة عمل غنية وحيوية، تسهم في تحقيق النجاحات المرجوة.
عندما نسمح لكبار السن بالمشاركة الفعالة، نمنحهم فرصة للشعور بالتقدير والانتماء، سيشعرون بأن حياتهم المهنية لم تنته، بل إن فصلًا جديدًا من الإبداع والإنتاج يفتح أمامهم. في النهاية، فإن إغفال هذه الكوادر المتميزة يعني فقدان فرصة كبيرة للابتكار والنمو، بينما يمثل إدماجهم خطوة استراتيجية نحو مستقبل أفضل للجميع. مع الاخذ في الاعتبار أن الاستثمار في العقول الذهبية هو استثمار في المستقبل، فهو يعود بالنفع على الأفراد والقطاع العام والخاص على حد سواء.
وخلال هذه السطور القليلة والمحدودة حول هذه القضية المهمة، اناشد كل مسئول بضرورة الاستفادة من كبار السن الذين تجاوزوا سن المعاش، ومازال لديهم القدرة والرغبة على العطاء للعمل والإنتاج بصورة تمزج بين الخبرة والمهارات الحديثة المبتكرة.

search