السبت، 21 ديسمبر 2024

03:46 م

شعيب عبد الفتاح: صلاة الوحدة الوطنية لأمير الشعراء أحمد شوقي

الجمعة، 04 أكتوبر 2024 06:08 م

شعيب عبد الفتاح

شعيب عبد الفتاح

فى مثل هذه الظروف التي تمر بها مصر حاليا، تعود بنا ذاكرتنا الوطنية إلى عام 1919، وهو العام الذي تجلت فيه أقوى معاني الصلابة الوطنية المصرية ضد المحتل وكافة القوى الأجنبية المعادية، لنعرف كيف واجه أجدادنا هذا التحدي الكبير وانتصروا فيه انتصارا قويا ومؤزرا، وما أشبه اليوم بالبارحة من حيث حاجتنا الماسة الى وقود هذه الروح المصرية حتى ننجح اليوم فيما نجح فيه الآباء والأجداد منذ قرن من الزمان تقريبا .
ويذكر  المفكر الكبير الدكتور أنور عبد الملك فى كتابه الهام "الوطنية هي الحل" هذه القصة "المثل" والتي تعبر بجلاء تام عن تلك الروح الملهمة  فى تاريخ وحاضر المصريين.
فعندما تقرر سفر سعد زغلول لبدء المفاوضات مع البريطانيين في لندن، اقترح عبد العزيز فهمى– عضو وفد المفاوضات وأحد زعماء الأمة– أن يكتب أحمد شوقي "دعاء" يتوسل به أبناء مصر– المسلمون والأقباط في يوم واحد– إلى الله أن يوفق الوفد فى مفاوضاته من أجل الاستقلال.. فكتب شوقي الدعاء، وصلى به أقباط مصر ومسلموها فى يوم واحد (كان يوم الجمعة).. وهذا هو الدعاء، أو "الأنشودة الوطنية" كما يسميها الدكتور وليم سليمان قلادة، الفقيه القانونى الكبير:
 اللهم قاهر القياصر ومذل الجبابرة
وناصر من لا له ناصر 
ركن الضعيف ومادة قواه
وملهم القوى خشيته وتقواه
ومن لا يحكم بين عباده سواه
هذه كنانتك فزع إليك بنوها
وهرع إليك ساكنوها
هلالاً وصليباً
بعيداً وقريباً
شباناً وشيبا
نجيبة ونجيبا
مستبقين كنائسك المكرمة
التى رفعتها لقدسك أعتابا
ميممين مساجدك المعظمة
التى شرعتها لكرمك أبواباً
نسألك فيها بعيسى روح الحق
ومحمد نبي الصدق
وموسى الهارب من الرق
كما نسألك بالشهر الأبر والصائمية
وليلة الأغر والقائمية
وبهذه الصلاة العامة من أقباط الوادي ومسلميه
أن تعزنا بالعتق، إلا من ولائك
ولا تنزلنا بالرق لغير آلائك
ولا تحملنا على غير حكمك واستعلائك
اللهم إن الملأ منا ومنهم قد تداعوا إلى الخطة الفاضلة
والكلمة الفاصلة
فى قضيتنا العادلة
فآتنا اللهم حقوقنا كاملة
واجعل وفدنا فى دارهم هو وفدك
وجندنا الأعزل
إلا من الحق، جندك
وقلده اللهم التوفيق والسداد
واعصمه فى ركنك الشديد
أقم نوابنا المقام المحمود
وظللهم بظلك المحمود
وكن أنت الوكيل عنا توكيلا غير محدود
سبحانك لا يحد لك كرم لا وجود
ويرد إليك الأمر كله
وأمرك غير مردود
واجعل القوم محالفينا
ولا تجعلهم مخالفينا
واجعل أهل الرأى فيهم على رأيك فينا
اللهم تاجنا منك نطلبه
وعرشنا إليك نخطبه
واستقلالنا التام بك نستوجبه
فقلدنا زمامنا
وولنا أحكامنا
واجعل الحق أمامنا
وتمم لنا الفرح
بالتي ما بعدها مقترح، ولا وراءها مطرح
ولا تجعلنا اللهم باغين ولا عادين
واكتبنا فى الأرض من المصلحين
غير المفسدين فيها ولا الضالين
آمين
ويقول عبد العزيز فهمي، فى كتابه "هذه حياتي" الذي نشر فى كتاب الهلال عام 1963، إن إقبال المواطنين المصريين على المساجد والكنائس للمشاركة فى هذه "الصلاة" الجامعة الواحدة، أو فى تلاوة وترديد هذا الدعاء كان إقبالاً شديداً، حتى وصفته الصحف بأنه شهد جموعاً احتشدت: "بكثرة غير عادية".. وذكرت إحدى الصحف أن بعض المواطنين الأقباط لم يجدوا كنائس قريبة فدخلوا المساجد ليشاركوا فى الدعاء، كما دخل المسلمون الكنائس الق لاريبة من أماكن وجودهم حينما لم يجدوا مساجد قريبة.. فالوطن– والدعاء له– جعل لهم من أرضه كلها مسجداً أو كنيسة، يصلون فى أي منها صلاتهم الواحدة المشتركة.

search