السبت، 21 ديسمبر 2024

03:42 م

باسم عوض الله: الزواج في العالم العربي سوق نِخاسة!

الخميس، 03 أكتوبر 2024 02:03 م

باسم عوض الله

باسم عوض الله

جميعنا يعلم جيدًا ما هو سوق النِّخاسة، وكيف لملايين البشر قد أهدرت إنسانيتهم بذلك السوق الآثم الظالم، وها نحن اليوم نقوم بنفس العمل لكن بشكل مُقنَّع تحت مظلة الزواج، وما هي إلا شعارات واهية، ورايات فانية، ومعتقدات بَالِيَة. إن الزواج الذي شَرَّعه ربّ العزَّة للبشرية من أجل حِكَم لا حصر لها منها: العفة واستمرار البشرية والذرية، وتضافر البشر وتكاتفهم لرفع كلمات الله العليا بالحق والعدل والرحمة. ولكن للأسف صار الزواج اليوم تجارة للبشر من بعضهم البعض؛ بسبب الأفعال المغموسة بِهَوس عبادة الأموال والتفاخر والمظاهر الخَدَّاعة والمشاعر المتطايرة كأوراق الشجر المتساقطة. وقبل أن أشرع في حديثي لزامًا علينا أن نذكر أن أي فعل بشري غير مُعَمَّم؛ فعندما نذكر أيَّة أفعال بشرية خاطئة علينا أن نلحقها بعبارة (إلا من رحم ربي)، فهناك أناس من قمة صلاحهم تتهافت الملائكة كي تجاورهم.

وعندما نعود لوضع الزواج في العالم العربي في أيامنا تلك، نجده بات وصمة عار على الجبين؛ فقد تم دسّ أفكار مسمومة بأذهان الشباب والفتيات حتى مرضوا فكريًّا وباتوا مُشوَّهي المنطق والعقل. فوجدنا من سنوات عِدَّة أنه إذا وجدت الأم ومن حولها ابنتها ذات جمال وحُسن، يبدأن بِدسّ وساوس الأقاويل ودعوات بالزوج المناسب الذي يزن ابنتها الحسناء بميزان الذهب والفضة، وبكل مغريات الدنيا الزائلة، وأقل من ذلك مرفوض. ونفس الشيء بالنسبة للشاب إذ وجده أهله وسيما وقويا يبدأون منذ الصغر أيضًا بدسِّ عِبارات الثناء والغرور في نفسه وذاته، بأنه الفارس المغوار الذي ستتساقط الفتيات تحت أقدامه - وللأسف فإن الوضع يصبح وخيما إن كان الشاب صاحب مال ونفوذ -، ولذلك أنتج كل ذلك إصابة الكثير من الشباب والفتيات بالكِبر والغرور وغشاوة على البصيرة.

الكارثة الكبرى تكمن في عدم تعاون وحرص آبائنا وأمهاتنا على تطبيق ما عاصروه وقت زواجهم في أيامنا تلك، فكانت مبادؤهم في زمانِهم تتميز بالمرونة والترفُّع عن القشور والتمسك بجوهر البشر وأصالتهم وتدينهم. حتى أننا نجد فيما مضى منذ أكثر من أربعين عامًا أن معايير التوافق والقبول لاتمام أي زواج والتي تنحصر نسبيًّا في المستوى الأخلاقي والاجتماعي والتعليمي والمادي، إن ظهر بها أيَّة فوارق يستطيع الأهل التغلب عليها فلا تقف عائقًا للزواج إلا في حالات استثنائية، لأن الأهم دائمًا كان جوهر الرجل الذي سيحفظ ابنتنا، وجوهر الفتاة التي ستحفظ ابننا. مع التذكير أيضا أن فترة آبائنا وأمهاتنا كان بها أيضًا ظُلم بَيِّن لا أستطيع أن أتغاضى عنه؛ وهو أن الفتيات على وجه الخصوص وأحيانًا الشباب لم يكن لدى معظمهم حرية إبداء الرأي في الزوج أو الزوجة، لأن الأب والأم قاما بالاختيار، مما أنتج قلوبًا مُنهَكَة وأرواحًا مُتعبة.

أما اليوم، فنجد سُوقًا ليس به إلا المغالاة والمبالغة والغباء المُستَحْكَم بمتطلبات الزواج، بسبب الغيرة والحقد والحسد والعند، حتى وصل الوضع المؤسف والمزري ببعض أطياف المجتمع لأن يشترون لأبنائهم مستلزمات بيت الزوجية بما تكفي ثلاثة أو أربع زيجات أخرى. يا سادة يا كرام إن النكبة والأزمة والعقبة الكؤود لزيادة نسب الطلاق هي هشاشة النفوس المتشبثة بالأموال وبالمطالب الدنيوية، دون الاهتمام بالشخصيات ومدى أصالة معدنها وتحرِّي صدقها وتقواها وقُواها منذ البداية، والاستهتار وعدم الاكتراث للحفاظ على الأسرة، مما أدى إلى زيادة الفجوة بين الأزواج بسبب عدم توافق الأهداف، وعدم تناسب الفِكر منذ البداية، حتى سقط كل منهم وبلا عودة في هُوَّة الفقدان وفوهة النسيان، فتكثر الأعباء ويتبعثر الأبناء وتندثر الآمال.

فهل بعد كل هذا سنظل مستمرين بتكرار كلمات مفرَّغة من المضمون مثل مقولة (إحنا بنشتري راجل) أو (بنتنا أمانة عندكم)، دون وعي وتمعن وعمل وتحرِّي، ليستمر وضع الهَزل وحديث الهُراء وأفعال العَبث؟!. ندعو الله أن يُلهمنا الحكمة والصواب في أفكارنا وأفعالنا وأن يجعلنا للخير سبيلًا.

search