الأحد، 22 ديسمبر 2024

03:04 م

ما حكم رد الشبكة إذا أرادت الزوجة الخلع من زوجها؟.. الإفتاء تجيب

الخميس، 03 أكتوبر 2024 10:48 ص

السيد الطنطاوي

رد الشبكة بعد الخلع

رد الشبكة بعد الخلع

 قال فضيلة الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية الأسبق في رده على سؤال حول بيان الحكم الشرعي في رد الشبْكة المقدَّمة من الزوج لزوجته في حالة قيامها برفع دعوى طلاق للخلع من زوجها، قال إنه إذا ما تراضى الزوجان على الخُلع أو حكم القاضي به فإن على المرأة أن تردَّ للزوج المهرَ الذي قبضته بما في ذلك الشبكة؛ لأن العرف قد جرى على أنها من المهر، ودليلُ رَدِّ المهر عند الخلع قولُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لامْرَأَة ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ حين طَلَبَت الخُلعَ منه: “أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟” قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: “اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ، وَطلِّقها تَطْلِيقَةً” رواه البخاري. 

وأوضح الدكتور علي جمعة أن الخُلع شرعًا هو إزالة ملك النكاح بعِوضٍ بلفظ الخلع، وهو جائزٌ شرعًا عند عامة الفقهاء سلفًا وخلفًا، ودليل جوازه قولُه تعالى في محكم كتابه: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ [البقرة: 229]، وحديثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، مَا أَعْتُبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: “أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟” قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: “اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ، وَطلِّقها تَطْلِيقَةً” رواه البخاري. ومن الثابت والمقرر أن العُرف الذي لا يخالف الشرع الشريف هو أحدُ أركان التشريع الإسلامي؛ لما جاء في الأثر عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: "مَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ سَيِّئٌ" رواه أحمد. وقد جرى العرف على أن الشَّبكة جزءٌ من المهر. وبناءً على ذلك: فإذا ما تراضى الزوجان على الخُلع أو حَكم به القاضي عند عدم التراضي كان على المرأة أن تردَّ للزوج المهرَ الذي قبضته، ومنه الشبكة. والله سبحانه وتعالى أعلم.

مشروعية الخلع

وعن مشروعية الخلع، يقول الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية السابق إن الطلقة الواقعة بالخلع تحسب طلقةً بائنةً، فإذا كان الخلع غير مسبوق بخلع أو طلاق أو كان مسبوقًا بخلع أو طلقة واحدة: فهو طلاق بائن بينونةً صغرى لا تعود فيه المرأة إلى زوجها إلا بعقد ومهر جديدين، أما إذا كان الخلع مسبوقًا بطلقتين أو طلقة وخلع أو بخلعين: فهو طلاق بائن بينونة كبرى لا تحل فيه المرأة لمطلقها حتى تنكح زوجًا غيره ويدخل بها ثم يطلقها بعد ذلك، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء، وعليه العمل في الديار المصرية إفتاءً وقضاءً.

مذاهب الفقهاء في الخلع 

وعن مذاهب الفقهاء في الخلع، أضاف الدكتور شوقي علام: اختلف الفقهاء في كون الفرقة الواقعة بين الزوجين بسبب الخلع طلاقًا أو فسخًا؛ فالجمهور من الحنفية، والمالكية، والقول الجديد عند الشافعية على أنها طلاق يحتسب من عدد الطلقات. والمروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، والصحيح من مذهب الحنابلة، والإمام الشافعي في القديم على أنَّه فسخ لا يحتسب من الطلقات.
قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (6/ 171-172، ط. دار المعرفة): [إذا اختلعت المرأة من زوجها فالخلع جائز، والخلع تطليقة بائنة عندنا، وفي قول الشافعي رحمه الله هو فسخ، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقد روي رجوعه إلى قول عامة الصحابة رضي الله عنهم.
استدل الإمام الشافعي بقوله تعالى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾ إلى أن قال: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ [البقرة: 229] إلى أن قال: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: 230]، فلو جعلنا الخلع طلاقًا صارت التطليقات أربعًا في سياق هذه الآية، ولا يكون الطلاق أكثر من ثلاث؛ ولأن النكاح عقد محتمل للفسخ حتى يفسخ بخيار عدم الكفاءة، وخيار العتق، وخيار البلوغ عندكم فيحتمل الفسخ بالتراضي أيضًا، وذلك بالخلع، واعتبر هذه المعاوضة المحتملة للفسخ بالبيع والشراء في جواز فسخها بالتراضي.
ولنا: ما رُوِيَ عن عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم موقوفًا عليهم ومرفوعًا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ». والمعنى فيه: أن النكاح لا يحتمل الفسخ بعد تمامه، ألا ترى أنه لا يفسخ بالهلاك قبل التسليم، فإن الملك الثابت به ضروري لا يظهر إلا في حق الاستيفاء، وقد قررنا هذا في النكاح، وبينا أن الفسخ بسبب عدم الكفاءة فسخ قبل التمام فكان في معنى الامتناع من الإتمام، وكذلك في خيار البلوغ، والعتق، فأما الخلع يكون بعد تمام العقد، والنكاح لا يحتمل الفسخ بعد تمامه، ولكن يحتمل القطع في الحال فيجعل لفظ الخلع عبارة عن رفع العقد في الحال مجازا، وذلك إنما يكون بالطلاق] اهـ.
وقال الإمام ابن عبد البر المالكي في "الكافي في فقه أهل المدينة" (2/ 593، ط. مكتبة الرياض الحديثة): [الخلع ليس بفسخ عند مالك، وإنما هو طلاق بائن] اهـ.
وسبب الخلاف كما قال الإمام أبو الوليد بن رشد في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" (3/ 91، ط. دار الحديث): [هل اقتران العوض بهذه الفُرقة يخرجها من نوع فرقة الطلاق إلى نوع الفسخ، أم ليس يخرجها؟] اهـ.
وقال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (17/ 16، ط. دار الفكر): [ويصح الخلع بلفظ الخلع والطلاق، فإن خالعها بصريح الطلاق أو بالكناية مع النية فهو طلاق؛ لأنه لا يحتمل غير الطلاق، فإن خالعها بصريح الخلع نظرت: فإن لم ينو به الطلاق ففيه ثلاثة أقوال:
أحدهما: أنه لا يقع به فرقة، وهو قوله في "الأم"؛ لأنه كناية في الطلاق من غير نية، فلم يقع بها فرقة، كما لو عريت عن العوض.
والثاني: أنه فسخ، وهو قوله في القديم؛ لأنه جعل للفرقة، فلا يجوز أن يكون طلاقًا؛ لأن الطلاق لا يقع إلا بصريح أو كناية مع النية، والخلع ليس بصريح في الطلاق، ولا معه نية الطلاق، فوجب أن يكون فسخًا.
والثالث: أنه طلاق، وهو قوله في "الإملاء"، وهو اختيار المزني؛ لأنها إنما بذلت العوض للفرقة، والفرقة التي يملك إيقاعها هي الطلاق دون الفسخ، فوجب أن يكون طلاقًا] اهـ.
وقال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" (8/ 392، ط. هجر للطباعة والنشر): [الصحيح من المذهب: أن الخلع فسخ، لا ينقص به عدد الطلاق] اهـ.

وقد سار القانون المصري على رأي الجمهور؛ فنص في المادة 20 من القانون 1 لسنة 2000م على: [ويقع بالخلع في جميع الأحوال طلاق بائن] اهـ.

بيان المقصود بالطلاق البائن

أما معنى كونه طلاقًا بائنًا: فالطلاق البائن يعني: خروجَ المُطَلَّقة مِن زوجيتها تمامًا، وانتهاءَ علاقتها الزوجية بمُطَلِّقها؛ بحيث لا تبقى أيَّة ارتباطاتٍ زوجيةٍ بينهما؛ مِن وجوب نفقتها ووجوب طاعتها له في المعروف وميراث أحدهما مِن الآخر عند الوفاة، وغير ذلك.

فإن الطلقة الواقعة بالخلع تحسب طلقةً بائنةً، ثم إذا كان الخلع غير مسبوق بخلع أو طلاق أو كان مسبوقًا بخلع أو طلقة واحدة: فهو طلاق بائن بينونةً صغرى لا تعود فيه المرأة إلى زوجها إلا بعقد ومهر جديدين، أما إذا كان الخلع مسبوقًا بطلقتين أو طلقة وخلع أو خلعين: فهو طلاق بائن بينونة كبرى لا تحل فيه المرأة لمطلقها حتى تنكح زوجًا غيره ويدخل بها ثم يطلقها بعد ذلك. والله سبحانه وتعالى أعلم.

search