السبت، 02 نوفمبر 2024

05:33 م

محمد مطش يكتب: أين نحن من هؤلاء؟

الإثنين، 30 سبتمبر 2024 10:17 ص

محمد مطش

محمد مطش

رغم دخولنا في ألفية جديدة يلعب فيها العصر الرقمي دورا كبيرا، وبات للمشاريع الرقمية والمشروعات الصناعية الضخمة، والتوسع في البنية التحتية دور واسع وملحوظ لتشجيع حركة التجارة والصناعة محليا وإقليميا، وبالرغم من فتح مجال عمل لكثير من الأيدي العاملة لسد حاجة العمل في الأسواق، التي تتطلب مهارات فنية واعمال يدوية كثيرة، الا انه يؤلمني شكل ترنح الأطفال وتشريد كثير من الاسر على الأرصفة، وتسكع الكثير من هؤلاء في الشوارع والميادين بصورة محزنة وموجعة والذي يطلق عليهم اسم "أطفال الشوارع ".
وأطفال الشوارع هم الأطفال تحت سن 18 عامًا الذين يعيشون بلا مأوى، ويقضون ساعات طويلة من يومهم كله في المساحات العامة، وينتشرون في مناطق الجنوب من الكرة الأرضية وما يعرف بالبلاد النامية. حيث تشكل حقوق الطفل الشغل الشاغل للعالم أجمع، ليس لكونه إنسانا بالدرجة الأولى كغيره من الفئات العمرية له حقوق. بل لكونه يقع في فئة عمرية تحتاج للعناية والرعاية وتوفير كافة الحقوق له وحمايته من كل أشكال العنف والاستغلال. والأساس أن البشرية مدينة للطفل بأفضل ما عندها، وأن الآباء والمنظمات التطوعية وغيرهم مطالبون بالاعتراف بجميع الحقوق والحريات المنصوص عليها. وتعتبر مشكلة أطفال الشوارع قضية اجتماعية وليست مسؤولية مؤسسة بعينها بل مسؤولية الجميع.
وقد تعددت أسباب ظاهرة انتشار أطفال الشوارع، ويأتي في مقدمة انتشار هذه الظاهرة هو عدم اهتمام الحكومة بمتوسط دخل الفرد، وعدم إنشاء دور الرعاية لهم. فالفقر هو الدافع الأول الذي يجعل الأسر تدفع بأبنائها إلى ممارسة أعمال التسول والتجارة في بعض السلع الهامشية، مما يعرضهم لانحرافات وإلى مخاطر الشوارع. والأوضاع الأسرية لها دور كبير وأساسي في انتشار ظاهرة أطفال الشوارع، وأبرز تلك العوامل السائدة هي تفكك الأسر إما بالطلاق أو الهجر أو وفاة أحد الوالدين. كما أن كبر حجم الأسرة عن الحد الذي يعجز فيه الآباء عن توجيههم وتلبية احتياجاتهم، وارتفاع كثافة المنزل إلى درجة نوم الأبناء مع الوالدين في حجرة واحدة والخلافات والمشاحنات المستمرة بين الزوجين، كل هذه العوامل النفسية والاجتماعية، تعد من اهم وأبرز أسباب التسول والبحث عن بيئة أخرى للعيش.
وتعد العوامل الاجتماعية من الأسباب الدافعة لانتشار ظاهرة التسول وزيادة معدل أطفال الشوارع بصورة ملحوظة، منها نمو وانتشار التجمعات العشوائية التي تمثل البؤر الأولى والأساسية المستقبلة لأطفال الشوارع. التسرب من التعليم ودفع الأطفال إلى العمل والتسول في الشارع، قلة مدارس التعليم الإلزامي، نقص الأندية والأبنية، تفاقم حدة مشكلة الإسكان وعدم توافر المسكن الصحي وعدم تناسب السكن مع حجم الأسرة، اتساع مفهوم الحرية الفردية، وارتفاع نسبة البطالة بين أرباب الأسر التي تدفع بأطفالها إلى الخروج و التسول في الشارع.
ويتعرض أطفال الشوارع للعديد من المشاكل الصحية؛ فالشارع لا يقدم لهذا الطفل احتياجاته الغذائية الأساسيّة التي يطلبها جسمه؛ لتحقيق متطلبات نموه في هذه المرحلة، كما يكون معرضاً في بيئة الشارع الخطِرة للكثير من الأمراض، مثل: أمراض العيون، والجرب، وأمراض الصدر.

وللتصدي لهذه المشكلة الكبرى لابد من وضع طرق للعلاج للحد من انتشارها، والعمل للقضاء عليها تدريجياً لصالح الفرد والمجتمع بعدة أمور لابد من توفرها،  اهمها توفير نظامٍ اجتماعي يهتم بتفعيل آليه لرصد أطفال الشوارع المعرضين للخطر، وضبطه، وإنشاء مؤسَّسات اجتماعية تهتم بالتدخل المبكر لحماية الأطفال واسرهم من أنواع العنف والاستغلال المختلفة، ومن الضروري أيضاً التّدخل لحماية الأطفال ضحايا الاسر المفككة، والأطفال العاملين في بيئات ضارّة وغير آمِنة، ومنذ سن مبكر، يجب تطوير برامج مكافحة الفقر، وزيادة أعداد مكاتب الاستشارات الاسرية، وتفعيل دورها وتحسينه، أيضا لابد من إنشاء مراكز مهمتها تأهيل أطفال الشوارع نفسيّاً ومهنيّا، وتفعيل دور الإعلام بوسائله المختلفة؛ لزيادة وعي المجتمع، وتحريك الرأي العام حول هذه الظاهرة، واهمية مُكافحَتها. 

يجب انشاء أماكن رعاية خاصة بهم؛ فمن المهم أن يتمَ توفير هذه الأماكن؛ لتلبية احتياجاتهم الاساسية. وتعيين اخصائيين اجتماعيين؛ للعناية بهم، ومناقشة مشاكلهم ووضع حلول مناسبة لهم.
وختامًا فإن ظاهرة أطفال الشوارع والأسر المشردة تمثل تحديًا كبيرًا، يستدعي تضافر جهود مؤسسات الدولة وجمعيات الرعاية المتكاملة ووزارة التضامن الاجتماعي، فضلاً عن رجال الأعمال، من أجل وضع حلول فعالة وسريعة. مع الاخذ في الاعتبار ان التدخل الفوري ليس فقط واجبًا إنسانيًا، بل هو استثمار في مستقبل المجتمع ككل.
كما يجب أن نعمل على توفير حياة كريمة لهؤلاء الأطفال وأسرهم، من خلال برامج متكاملة تشمل التعليم والتدريب المهني والرعاية النفسية. فالاستثمار في قدراتهم هو الطريق الأمثل لتحويلهم إلى أفراد منتجين بدلاً من أن يكونوا عبئًا على المجتمع بصورة سلبية مؤلمة.
إن العمل المشترك بين القطاعين العام والخاص، مع الالتزام بقيم التضامن الاجتماعي، سيؤدي حتمًا إلى نتائج إيجابية تعود بالنفع على الجميع، وتساهم في بناء مجتمع متماسك وأكثر إنسانية. لذا، يجب أن نتحرك جميعًا، كلٌ من موقعه، لنصنع التغيير الذي نريده ونسعى اليه.

search