السبت، 02 نوفمبر 2024

09:34 م

بدون إزعاج

الإثنين، 15 يوليو 2024 11:05 م

وفاء أنور

وفاء أنور

وفاء أنور

مفهوم القوة في التعامل مع الأشخاص لا يعني التوقف عند كل كلمة تقال عنك، من أمامك أو من خلف ظهرك، لا تمكن أحدًا من التحكم بك أو شغل بالك، لا تطع نفسًا تأمرك بالإفراط في استدعاء حوارات مضت لبحثها وتحليلها وتعليلها، ثم ترسل بها في رحلة بحث شاقة تبحث فيها عن مخرج تستدل به على حسن نواياك، فالمعاتبة لن تتوقف عقب كل موقف وخلف كل حكاية؛ فأغلبهم يحرص على أن يراك هكذا حائرًا مضغوطًا مغلوبًا على أمرك بقصد إجهادك، بقصد إجبارك على السير بحسب خططهم الموضوعة لك، فهم يعيشون على الاستمتاع بمتاعب الآخرين والمتاجرة بحكايات لومهم ومعاتبتهم، يستكثرون عليك هدوءك، ينتقدونك وينبذون عزلتك التي فرضتها على نفسك رغمًا عنك.

إنك لم تكن لتلجأ لاتخاذ هذا القرار الصعب بالاعتزال عنهم إلا عندما تأكدت أن الطريق أصبح مسدودًا أمامك، حين عجزت عن إقناعهم بحقك في نيل حريتك الكاملة وحقك في استقلالك بذاتك، ستشعر يومًا بعد كل هذا العناء بأنهم قد تحولوا إلى أصنام متراصة أمامك، أصنام لا تسمع ولا تعقل، وهل يعقل أن تحدث أصنامًا؟ ستعتزلهم حين تفشل كل محاولاتك في الإبقاء عليهم بجوارك بشرط عدم إزعاجك، لا ترهق نفسك أكثر من ذلك واختر بنفسك الطريقة التي قررت أن تدير بها حياتك.

قرارك ملك لك، اختيارك أنت، وليس لأحد سواك، كن منتبهًا قدر استطاعتك، إياك والسماح لهم برسم حدودك ووضعك داخل سجن رغباتهم مثقلًا بقيودك وأغلالك، لا تترك لهم الفرصة للاجتماع عليك مرة أخرى، عليك أن توازن بين بقائهم بجوارك وبين حريتك الشخصية، بين رغبتك في قربهم منك وبين تقديرك لذاتك، حذاري أن تترك نفسك بين أيديهم كقطعة صلصال، يشكلونها كما أرادوا فيصنعون منها مئات الدمى متباهين بقدرتهم على تحويلك إلى -لعبة- بأيديهم لا تملك من أمرها شيئًا.

في عالم مجنون كهذا، عالم لم يتبق منه إلا أطلال تنبيء عنه وتحمل حروف اسمه، في عالم متخبط لا يجب أن يلام فيه إنسان قرر أن ينأى بنفسه عن لغو الحديث والسقوط بين مهاترات القيل والقال. قريبًا ستحتاج إلى مخبأ آمن تحتمي بداخله، تصون فيه عقلك وتحفظ فيه سلام نفسك المهددة بالشتات، تحافظ فيه على قلبك الحالم، تهجر فيه مودة زائفة، تبحث عن سكينة تحتويك، تضمك حتى تتمكن من عبور آمن لكل هذه الأسوار.

لا تأخذ قرارك بالابتعاد إلا بعد أن تقوم بمراجعة شاملة  وإحصاء دقيق لعدد مرات تنازلك وخضوعك، قس مسافاتك الطويلة التي اجتزتها بشق الأنفس لأجل إرضائهم من دون جدوى، شاهد دوافعهم وراقب أثار دمارهم التي أحدثوها بك، تذكر متاعبك التي سكنتك حين قررت أن تتعامل معهم على أساس أنهم صورة أخرى منك، وظل آخر يعكس حقيقة ذاتك.

عليك أن تتوقع أنهم سوف يداومون على طرق جميع أبوابك، خذ قرارك الآن، قم بإخراج هذا المارد الكامن الذي قمت بتحديد إقامته بداخلك لسنوات، جرب أن تتجاهل كل ما سطرته أيديهم، وما نطقت به ألسنتهم، تجاهل كل ما وجهوه إليك من عرائض اتهام محاولين الحصول بها على أقصى عقوبات لإدانتك.

search