السبت، 02 نوفمبر 2024

11:38 م

مقتل حسن نصر الله.. نهاية مسيرة قائد حزب الله

السبت، 28 سبتمبر 2024 12:21 م

محمد عماد

حسن نصر الله

حسن نصر الله

أعلن الجيش الإسرائيلي صباح اليوم السبت، مقتل الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، خلال عملية عسكرية استهدفت المقر العسكري للجماعة في بيروت. ورغم غياب أي بيان رسمي من حزب الله حتى الآن، فإن التقارير الإسرائيلية تشير إلى أن العملية تمت بدقة عالية وحققت هدفها بإزاحة شخصية محورية، ظلت لسنوات على رأس واحدة من أقوى الجماعات السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط.

حسن نصر الله.. زعيم حزب الله لأكثر من ثلاثة عقود

حسن نصر الله، رجل دين شيعي وزعيم حزب الله منذ فبراير 1992، قاد الحزب من كونه مجرد مجموعة مقاومة، إلى أن أصبح لاعبًا رئيسيًا في السياسة اللبنانية والإقليمية. تحت قيادته، تمكن الحزب من تحويل نفسه إلى قوة عسكرية وسياسية هائلة في لبنان، مدعومًا من إيران، حيث تعتبره طهران حليفًا استراتيجيًا.

ولد نصر الله في أغسطس 1960 في حي فقير في بيروت، وترعرع في عائلة شيعية بسيطة حيث كان والده يدير متجرًا صغيرًا. ومع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، غادر نصر الله وعائلته بيروت عائدين إلى قريتهم الأصلية في جنوب لبنان، وهي منطقة شهدت تاريخيًا نزاعات عديدة مع الاحتلال الإسرائيلي، وأصبحت مسرحًا للحروب والمواجهات على مدار العقود اللاحقة.

نصر الله وحركة أمل.. البداية السياسية والعسكرية

في سن الخامسة عشرة، انخرط نصر الله في العمل السياسي والعسكري من خلال انضمامه إلى حركة أمل، وهي جماعة سياسية وعسكرية شيعية أسسها الإمام موسى الصدر. هذا الانضمام مثّل نقطة تحول في حياته، حيث بدأت مسيرته نحو النفوذ داخل الطائفة الشيعية، لا سيما في سياق الصراعات الطائفية والحرب الأهلية اللبنانية التي قسمت البلاد وأضعفت الدولة المركزية.

 

الدراسة في النجف.. مرحلة تكوين فكري وعقائدي

بعد انضمامه إلى حركة أمل، سافر نصر الله إلى النجف في العراق لاستكمال دراسته الدينية. ورغم أن وجوده في النجف لم يدم طويلًا نتيجة لاضطرابات داخلية في العراق، إلا أن تلك الفترة كانت حاسمة في تشكيل فكره وعقيدته. خلال تلك الفترة، تعرف نصر الله على عباس الموسوي، رجل الدين الشيعي الذي أصبح فيما بعد مرشده ومعلمه الأساسي. الموسوي، الذي تأثر بالأفكار السياسية للزعيم الإيراني روح الله الخميني، كان له تأثير كبير على نصر الله في تبني رؤية إسلامية شيعية تقوم على المقاومة المسلحة ضد إسرائيل والغرب.

 

تأسيس حزب الله.. الولادة الجديدة للحركة الشيعية المسلحة

مع عودته إلى لبنان في أواخر السبعينيات، انخرط نصر الله بشكل أعمق في الصراعات المحلية والإقليمية، لا سيما مع تصاعد التوترات بين لبنان وإسرائيل. وفي عام 1982، مع اجتياح إسرائيل للبنان، بدأت إيران بدعم إنشاء مجموعة جديدة من المقاتلين الشيعة في لبنان تحت مسمى "حزب الله". هذه الجماعة الوليدة كانت تهدف إلى محاربة الاحتلال الإسرائيلي، وتولت إيران تدريب وتسليح وتوجيه أعضاءها، بما فيهم نصر الله.

بحلول عام 1985، أعلن حزب الله عن وجوده رسميًا، وكان نصر الله وأساتذته مثل الموسوي من بين الأعضاء المؤسسين. على الرغم من أنه كان لا يزال شابًا، إلا أن نصر الله سرعان ما برز كقائد مؤثر داخل الحزب بفضل علاقاته القوية مع إيران وفكره الراديكالي الذي دعا إلى استمرار المقاومة المسلحة ضد إسرائيل والغرب.

 

قيادة حزب الله.. من المقاومة إلى النفوذ السياسي

في عام 1992، وبعد اغتيال عباس الموسوي على يد إسرائيل، تم اختيار نصر الله كأمين عام جديد لحزب الله. كان هذا التحول بمثابة نقطة فاصلة في تاريخ الحزب، حيث قاد نصر الله عملية تحول الحزب من جماعة مقاتلة إلى لاعب سياسي أساسي في الساحة اللبنانية.

أدرك نصر الله أن القوة السياسية لا تقل أهمية عن القوة العسكرية، وقام بتوجيه الحزب للمشاركة في الانتخابات البرلمانية اللبنانية. تحت قيادته، حصل حزب الله على مقاعد في البرلمان اللبناني وأصبح جزءًا من التركيبة السياسية المعقدة في البلاد. ومع ذلك، لم يكن هذا التحول السلمي يعني التخلي عن الكفاح المسلح، بل كان الجناح العسكري للحزب يواصل الهجمات ضد إسرائيل، بما في ذلك العمليات النوعية التي اعتبرتها إسرائيل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.

 

العلاقة مع إيران.. دعم مالي وعسكري لا ينضب

أحد العناصر الأساسية في صعود نصر الله وحزب الله كان الدعم الإيراني الكبير. منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، تبنت طهران سياسة تقوم على دعم حركات المقاومة في المنطقة، لا سيما تلك التي تتبنى أيديولوجية شيعية. 

كان نصر الله أحد أبرز المستفيدين من هذا الدعم، حيث تمكن الحزب من بناء شبكة معقدة من الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية في لبنان، مما عزز من شعبيته بين الفقراء والمحرومين في المناطق الشيعية.

 

حرب 2006.. صعود نصر الله كزعيم إقليمي

في صيف عام 2006، دخل حزب الله في مواجهة عسكرية مع إسرائيل بعد عملية أسر جنود إسرائيليين على الحدود اللبنانية. ردت إسرائيل بحملة عسكرية واسعة استمرت 33 يومًا، وأسفرت عن مقتل أكثر من 1,200 لبناني، معظمهم من المدنيين. ورغم الدمار الذي لحق بلبنان، إلا أن حزب الله ونصر الله خرجا من هذه الحرب كأبطال في أعين الكثيرين في العالم العربي.

الخطابات العلنية التي ألقاها نصر الله خلال الحرب وبعدها جعلت منه رمزًا للمقاومة ضد إسرائيل. ورغم أن حزب الله تكبد خسائر كبيرة، إلا أن الحرب اعتُبرت نجاحًا سياسيًا وعسكريًا للحزب، حيث لم تتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها العسكرية بشكل كامل، واضطرت في نهاية المطاف إلى قبول وقف إطلاق النار.

قد يهمك:

تقارير إسرائيلية: أدلة دامغة على اغتيال حسن نصر الله

غارات إسرائيلية جديدة على الضاحية الجنوبية فى لبنان

الأمم المتحدة تدعو إلى تجنب حرب إقليمية والوقف الفوري لاطلاق النار في غ زة

الدور في الحرب السورية.. تحول استراتيجي جديد

بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011، وجد نصر الله نفسه في وضع جديد يتطلب اتخاذ قرارات استراتيجية معقدة. حزب الله، الذي كان قد ركز بشكل رئيسي على مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، قرر الانخراط في الحرب إلى جانب نظام الرئيس السوري بشار الأسد. هذا القرار، الذي جاء بدعم من إيران، كان يهدف إلى الحفاظ على محور المقاومة الذي يضم سوريا، إيران، وحزب الله.

رغم أن تدخل حزب الله في الحرب السورية أثار انتقادات واسعة داخل لبنان وخارجه، إلا أن نصر الله أصر على أن هذا التدخل ضروري لحماية لبنان ومواجهة المخاطر الإرهابية التي قد تنشأ من انهيار الدولة السورية.

 

التحديات الداخلية.. الاقتصاد والسياسة في لبنان

مع تفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية في لبنان، وخاصة بعد احتجاجات عام 2019 وانفجار مرفأ بيروت في 2020، وجد نصر الله نفسه يواجه تحديات داخلية غير مسبوقة. خصومه السياسيون اتهموا حزب الله بالتسبب في عزلة لبنان الدولية وبتعميق الأزمة الاقتصادية من خلال سياساته المتحالفة مع إيران وسوريا. رغم ذلك، حافظ نصر الله على موقفه الرافض لنزع سلاح الحزب، مشددًا على أن سلاح المقاومة هو ضرورة لحماية لبنان من التهديدات الخارجية، خاصة من إسرائيل.

 

حسن نصر الله في عيون أنصاره وأعدائه

نصر الله كان شخصية جدلية منذ توليه قيادة حزب الله. بالنسبة لأنصاره، كان قائدًا مقاومًا، رمزًا للكرامة الوطنية، وزعيمًا يحمي حقوق الطائفة الشيعية في لبنان ويدافع عن القضية الفلسطينية. أما بالنسبة لأعدائه، سواء داخل لبنان أو خارجه، فقد كان نصر الله شخصية محورية في مشروع إيران التوسعي في الشرق الأوسط.

 مسيرة نصر الله.. ماذا بعد؟

بمقتل نصر الله، تنتهي حقبة تاريخية في لبنان والشرق الأوسط. رجل ظل لسنوات مختبئًا عن الأعين، لكنه كان حاضرًا في كل تفاصيل السياسة والمقاومة. ورغم أن حزب الله سيبقى لاعبًا قويًا في لبنان والمنطقة، فإن غياب نصر الله يطرح تساؤلات حول مستقبل الحزب ودوره في الساحة السياسية اللبنانية والدولية.

 لنرى كيف ستتفاعل الأوساط اللبنانية والدولية مع هذا الحدث، وما إذا كان سيشكل بداية فصل جديد من الصراع بين إسرائيل وحزب الله، أو سيكون فرصة لإعادة النظر في السياسات الحالية في المنطقة.

search