السبت، 21 ديسمبر 2024

04:01 م

أحمد الأنصاري: قطار التنمية لن يترك أحدا خلف الركب

الخميس، 26 سبتمبر 2024 10:44 م

أحمد الأنصاري

أحمد الأنصاري

في مشهد مختلط بين ما تبقى من ضوء النهار وسواد مساءٍ يغزو الأفق، جلست مع أحد المعارف من محترفي الشرح والتنظير بحكم عمله في الأمم المتحدة، نتبادل أطراف حديث عبثي عن أهداف التنمية المستدامة التي تلهث الأمم المتحدة (بالقول) لدفع دول العالم على تحقيقها.
أطال هذا الأممي في تناول الأهداف هدفاً تلو الأخر، وإن بكره هنشوفها أحسن وأكبر وأفضل وكل الصيغ التفخيم اللفظية على وزن أفعل، وياليته يفعل، وفي ظل شرحه وحديثه المتواصل، وفي ظل سرحان عقلي في اللاشيء الذي نعاصره، أعادتني جملة قالها إلى الشيء مرة أخرى.
قال هذا الأممي ملعلعاً إن "قطار التنمية يجب ألا يترك أحدً خلف الركب"، وهنا سأقف طويلاً أو قليلاً مش هتفرق كتير، لأن هذه الجملة أثارت عبثيات عدة في عقلي لأطرح عليه سؤال "هو قطار التنمية دا يشيل كام راكب، بمعنى كام واحد من أصل ملايين هيركب القطار، وما هي قيمة تذكرة هذا القطار، أدفع كام يعني عشان تطالني التنمية، في ظل النمو الجليل لأسعار كل شيء، والقطار دا شغال كهرباء ولا ديزل، ما هو أحنا بنخفف."
للحق حاول أن يشرح أن القطار لفظ مجازي عن ركب التنمية، فبادرته أنه في النهاية "ركوبة"، وفي عُرفنا أن اللي عاوز يركب لازم يدفع واللي ممعهوش مليزموش، وانطلاقاً من هذا العرف طرحت سؤالاً جوهرياً " يعني أيه الركب"، فعلى أساس أن من يملك ثمن ركوب هذا النوع من القطارات أو "الركوبة"، أو من تربطه صلة قرابة أو صداقه أو معرفه أو (مجامله لا مؤخذة) بصاحب القطار وسائقه هو من يحقق وسيحقق استفادة فعليه و"تزهزه أموره أكتر وأكتر" ،  فما بال من لا يملك.
حاول أن يظهر تعجبه مما أقول، لكني ذكرته بأن الحديث في العبثيات  والسرمديات التنموية لا يستقم معه أي تعجب، وبادرته بسؤال أخر، لماذا قطار أو حتى قطارات وإن كانت للتنمية، أليس من الأولى أن نختار وسيلة مواصلات شعبيه يمكنها الوصول لأكثر من اتجاه والانتشار وسط القاعدة العريضة، والعبور من مزانق السبل التنموية، يعني ليه ميبقاش توكتوك التنمية أو تمناية التنمية فهما يخدمان العامة وليس الخاصة ، ويمكن الاستفادة من التنمية فيهما لتعليم الناس كيفية التنمية ونقلل زحمتهم فتنمو الصحة وتبقى عال العال، وتزيد قدرتهم على العمل والصناعة، بدل القطار اللي بخط واحد ويسير في اتجاه واحد، وثمن ركوبه أكبر من ناس كتير. 
صمتنا قليلاً، فظن أنني انتهيت من طرحي العبثي، لكني عدت له بسؤال أشد، "أزاي القطار لن يتركه خلف الركب"، موضحاً أن قطارتنا ليها خط محدد واتجاه واحد، فلو مش راكب بسبب ضيق الحال، فالمعنى الوحيد هنا أن يتركك قطار تنميه خلفه، بس في ظل تنمية الأسعار ولأن القطار لن يترك أحد خلف الركب، ولأن هناك الكثير من المزلقانات فالمشهد السريالي هنا، أن يدهسك قطار التنمية حتى لا يتركك خلف الركب، وحتى لو لم يدهسك، ستدهسك تنميته لاحقاً.
وهنا ولأن الليل دخل وسادت الظلمة الأفق، غادر الأممي جلستنا دون أن يتفوه بكلمه واحدة، وكلي ثقة أن صوته الداخلي يكيل لي السباب واللعنات.
أما أنا فأكلمت قهوتي ووضعت سماعة هاتفي في أذني لأكمل استماعي لرائعة موسيقار الأجيال اللواء الدكتور محمد عبد الوهاب "يا وابور قولي رايح على فين."
 

search