السبت، 21 ديسمبر 2024

04:11 م

باسم عوض الله يكتب: أقدَام تدهس الشُّموع!

الخميس، 19 سبتمبر 2024 11:25 ص

باسم عوض

باسم عوض

يعيش الإنسان دهره متمنيًّا كل شيء من الدنيا، ويأتي المال والبنون مُتوجا لكل الأمنيات، فالمال يؤتى به الجاه والسلطان والنفوذ، وبالبنين يسعد الإنسان بالأسرة وامتداد وجوده من خلال ذريته.

لكننا يا أحبتي عندما نقف أمام دعوة الأبناء، فذلك يستوقفنا لبرهة ثم لعقود من الزمن؛  لأنها من أعظم وأخطر النعم، فهي النعمة التي تستمر بها البشرية على وجه الأرض، البشرية التي تحمل لواء الخلافة لله عزَّ وجلّ في هذا الكوكب. ولذلك فإن الذرية بذرة تأتي في راحة صاحبها فيلقي بها في أرض لتبدأ دورة الحياة، وحينها يقع على عاتق صاحبها وأرضه مسئولية رعاية تلك البذرة؛ فإن صلحت الرعاية والعناية صلحت البذرة وكبرت وأثمرت، وإن صلحت الأرض صلح نتاجها.

وكما هو دارج ومعلوم ومتعارف عليه فإن عقوق الأبناء لوالديهم، ذكر في الكتب السماوية، ونهى عنه رب السماوات والأرض، وأمر بالإحسان للوالدين.. لكن ما يسترعى الانتباه والفضول، عدم تسليط الضوء على عقوق الوالدين لأبنائهم، والذي أيضًا ذكر في الكتب السماوية ونهى عنه رب العزة، وأمر بحُسن التربية والإحسان، كما أوصى سيد الخلق سيدنا محمد ﷺ بدءت من اختيار الأم واختيار اسماء للأبناء.

لذلك.. فإني أرى اليوم آباء وأمهات يستعبدون أبنائهم، بحجة أنهم الوالدين وبحجة المرض وبحجج واهية أخرى، بل والأدهى من ذلك فإنهم ينتقمون ممن لم يكونوا فاعلين كل شئ لهم من  الأبناء؛ فتجد أبًا تعرض لتربية قاسية أو ظروف معيشية صعبة أو جينات وراثية معوجة أثرت في سلوكه ونفسيته، وبدلًا من أن يسعى للبِرِّ والتقوى في نفسه ومن حوله، تتحول داخله تلك الذكريات والاختبارات إلى شعور انتقامي. أول من يُفرِّغ بهم هم الضعفاء الأبرياء أصحاب القلوب النقية البيضاء وهم الأبناء، فيسيء استخدام سلطته وتعتليه شهوة الرئاسة التي حذر منها رسول الله ﷺ، فكل أب وزوج في بيته رئيس، فيبطش ويظلم ويصرخ في وجوه ملائكته الصغار. أما الوجه الآخر الأكثر بشاعة وقسوة عندما نجد الأم رمز الاحتضان والحنان والأمان، هي من تُلوِّح وتُشوِّه بسكين ثَلِم في أرواح وقلوب أبنائها، ولنفس الأسباب التي تعرض لها الأب، وبذلك تتبدل طبيعة الحروف، فتتفكك الهمزة ألمًا من جمالها ورونقها لتمتد فوق الألف لتصبح آلام بدلًا من الأم!

وما دمنا قد ذكرنا الاحتضان، فالأم هي أول من يحتضن رضيعها، ويؤكد المعالجون النفسيون على كل أم وكل أب على ضرورة وأهمية حضنهم لأبنائهم مهما بلغوا من العمر، فذلك الحضن هو الحِصن المنيع لأرواح الأبناء من الهاوية والعراء. بالإضافة إلى أن مهما بلغ المرء من نجاح وازدهار إن لم يسمع بأذنيه ويشعر بيدي والديه الحانية عليه مقابل أي إنجاز أو حتى اخفاق، يبقى طيلة عمره يشعر بالبرد حيث لم يجد دفء أبويه المتمثل في التحفيز والتشجيع والاحتواء.

لذلك يا سادة فإن الأكثر إيلامًا من الظلم البيِّن، عندما نجد أبناء صالحين مجتهدين لرضا والديهم ساعين مجاهدين، وفي المقابل نجد آباء وأمهات غير مبالين وغير مكترثين، وإنما فقط لرغباتهم لاهثين ولمنصبهم كأب وأم مستغلين، فيصبحوا لأبنائهم مدمرين، وحتى ولو أشعل الأبناء أناملهم شموعًا لهم، نجد أقدام الوالدين هي من دهست الشموع..! أبناؤكم حرثكم وثمار أعماركم، إن أحسنتم طابوا واقتربوا وإن أسأتم ذابوا وذهبوا.

search