السبت، 02 نوفمبر 2024

07:22 م

وفاء أنور تكتب: كنز القناعة والرضا

الثلاثاء، 17 سبتمبر 2024 12:37 م

وفاء أنور

وفاء أنور

على تغريدات العصافير وزقزاقاتها استيقظت الصغيرة، كأن الطبيعة كانت تناديها منذ ولادتها، تدعوها للتأمل والاستغراق فيما حولها من بديع صنع ربها وخالقها، تناديها أن قومي الآن، استيقظي فسبحي في ملكوت إبداع ربك، اخرجي للحياة ولا تخشي شيئًا، من كان الله معه من سيكون عليه! هيا.. فما زال للجمال مكان وموطن بين البشر.

فتحت الصغيرة عينيها للخير وبه، بكل الحب فتحت ذراعيها أيضًا، ثم توجهت ببصرها إلى حيث هذا الإعجاز الإلهي، الذي أبدع من الطبيعة الخلابة ومحاسنها التي أوجدها أجمل وأعظم لوحاته، أشرقت بالمحبة روحها، فازت بالطمأنينة نفسها، سكنت بها وأيقظت همتها في التعبد والتقرب لبارئها، وضع الرضا لمساته على ملامح كل الوجوه، التي اتخذت من الرضا سكنًا ومن القناعة مأوى وملجأ.

موكب من النور قادم من فوقها، جاءها كي يزفها بأجنحته الشفافة التي تشع نورًا من حولها، وسلام يرفع بها نحو الأفق، فيضعها في موضعها الذي اختارته هناك لنفسها، بعيدًا عن هذا الشقاء وعن كل هذا الهوس الذي أرهقها، تستعذب لحظات الهدوء التي مرت عليها كأنها اغتسلت ثم عادت ثانية لأرضها، بعد أن سبحت روحها في أفق نعيمها الذي حصلت عليه كمكافأة لها على صبرها ورضاها وقناعتها الدائمة بما قسمه الله لها.

تتلون الوجوه والقلوب ولا يضيرها تلونها، تتغير النفوس أو تبقى كما هى لم يعد هذا يهمها، فما انطوت عليه جوانحها بات يكفيها وما تمتعت به من بصيرة أصبح يرضيها، رضت هى فأرضاها الله وأيقظها على نور من رحمات منه وبشرى طيبة. إنها الحياة التي يجهلها الأغلب، حين يبحثون عما في أيدي غيرهم، يتمنون ما لم يكتبه الله لهم، يرغبون في الامتلاك، وينسون أن الله هو من قسم لهم أرزاقهم، من أخبرهم في كل كتبه بأن النعيم المقيم هناك في الآخرة.

متاع الغرور أغواهم، قلل من قيمتهم في نظر أنفسهم، الاستحواذ أصبح كل غايتهم، الحلم بالمزيد والمزيد أغشى أبصارهم، أفسد عليهم فطرتهم، نال منهم فأوذوا منه. تناسوا أن الله قد وصف تلك الحياة بأنها ليست بالخالدة المخلدة، إنما هى حزمة من متع زائلة ليست ذات قيمة أو معنى وإنهم حتمًا راحلون، وأن الدنيا بمن عليها ليست بدار البقاء. علينا أن نقرأ حقيقتنا جيدًا، علينا أن ندرك بأن تلك الحياة فانية إن آجلًا أو عاجلًا.

الحكاية بدأت هنا منذ بداية خلق البشر، بدأت بقصة تشبه تلك التي يعيشها أغلب البشر؛ أخ لم يرض بما قسمه الله له، فتمرد وبغى وطغى، امتدت يداه وسولت له نفسه بأن يقضي على حياة شقيقه، اهتزت الأرض لفعلته النكراء وعبست السماء من قسوته وبشاعة جرمه، كتب التاريخ في صفحاته، أولى جرائم ابن آدم الذي ملأ الطمع نفسه فحسد وحقد، ثم اغتال أقرب الناس إليه، أخاه الذي كان يجاوره منذ لحظة أن كان جنينًا في رحم أمه.

search