السبت، 02 نوفمبر 2024

09:40 م

ذكرى رحيل بليغ حمدي.. سيمفونية حياة وألحان خالدة (بروفايل)

الخميس، 12 سبتمبر 2024 09:38 ص

هدير جمعه

الموسيقار الراحل بليغ حمدي

الموسيقار الراحل بليغ حمدي

يصادف اليوم ذكرى رحيل الموسيقار الكبير بليغ حمدي، الذي رحل عن عالمنا في عام 1993. ورغم مرور سنوات طويلة على رحيله، إلا أن ألحانه الخالدة ما زالت تعيش في قلوبنا. فقد كان بليغ حمدي عبقريًا في عالم الموسيقى، استطاع أن يبتكر ألحانًا فريدة من نوعها، وأعطى للكثير من المطربين العرب شهرة واسعة. إن إرث بليغ حمدي الفني هو ثروة فنية لا تقدر بثمن، وستظل ألحانه خالدة عبر الأجيال.

بليغ حمدي.. سيمفونية حياة

في أحد أحياء القاهرة العريقة، شبرا، ولد في عام 1931 طفل صغير عشق النغم والألحان منذ نعومة أظفاره. كان ذلك الطفل هو بليغ حمدي، الذي سرعان ما أظهر موهبة فنية استثنائية. في التاسعة من عمره، أتقن العزف على العود، وكأن الموسيقى هي لغته الأم.

حلم بليغ بأن يكون موسيقارًا عظيمًا، فالتحق بمعهد الموسيقى العربية، حيث تلقى الأسس العلمية للموسيقى. ولكن طموحه تجاوز حدود المعهد، فبدأ مسيرته الفنية كمغني، مسجلًا أربع أغاني للإذاعة المصرية. ومع ذلك، سرعان ما اكتشف أن موهبته الحقيقية تكمن في التلحين.

كانت لحظة التحول الحقيقية في حياة بليغ عندما قدم أولى ألحانه للمطرب الكبير عبد الحليم حافظ، وكانت الأغنية هي "تخونوه". نجاح هذه الأغنية فتح له أبواب الشهرة، وجعله واحدًا من أهم الملحنين في عصره.

تعاون بليغ مع كوكبة من ألمع النجوم في سماء الغناء العربي، منهم أم كلثوم، ووردة، وفايزة أحمد، وشادية، ونجاة، وغيرهم الكثير. كل أغنية كان يقدمها بليغ كانت تحمل بصمة خاصة، تعكس عمق إحساسه وفهمه للموسيقى.

لم يقتصر إبداع بليغ على الأغنية العربية فقط، بل امتد إلى الموسيقى التصويرية، حيث قدم العديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية التي لا تُنسى. كما كتب الشعر ولحن الأناشيد الدينية، مما يؤكد تنوع موهبته وإبداعه.

عاش بليغ حياة حافلة بالأحداث، تزوج مرتين، الأولى من السيدة أمينة طحيمر، والثانية من الفنانة وردة الجزائرية. وعلى الرغم من شهرته ونجاحه، إلا أنه كان شخصًا متواضعًا، يحب الحياة ويستمتع بكل لحظة فيها.

في عام 1973، شهد الوسط الفني المصري حفل زفاف أسطوري جمع بين الموسيقار بليغ حمدي والفنانة وردة الجزائرية. أقيم الحفل في منزل الفنانة نجوى فؤاد، وحضره نخبة من نجوم الفن، حيث قام العندليب عبد الحليم حافظ بغناء أغنية "مبروك عليك" احتفالًا بالزوجين. استمر زواجهما لمدة ست سنوات، كانت مليئة بالإبداع الفني والحب المتبادل. ومع ذلك، انتهى هذا الزواج بسبب خلافات شخصية، حيث شعرّت وردة بالإهانة من بعض التصرفات غير المنظمة التي كانت تحدث في حياتهما الزوجية، مما دفعها إلى طلب الطلاق.

رحيل الفنان بليغ حمدي 

رحل بليغ حمدي عن عالمنا في عام 1993، تاركًا إرثًا فنيًا غنيًا، وألحانًا خالدة ستظل تعيش في قلوبنا إلى الأبد. فبليغ حمدي لم يكن مجرد ملحن، بل كان فنانًا شاملاً، شاعرًا، وموسيقيًا، ترك بصمة واضحة في تاريخ الموسيقى العربية.

كانت مدرسة شبرا الثانوية هي بوابة بليغ حمدي إلى عالم المعرفة، ولكن حبه للموسيقى دفعه إلى البحث عن مكان يعزز موهبته. وجد هذا المكان في مدرسة عبد الحفيظ إمام، حيث تلقى الأسس الأولى للموسيقى العربية. ثم انتقل بعد ذلك إلى التلمذة على يد الشيخ درويش الحريري، الذي كان له الأثر الكبير في صقل موهبته الموسيقية وتعميق فهمه للموسيقى العربية الأصيلة. هذه المراحل الثلاث كانت حجر الزاوية في تكوين الموسيقار بليغ حمدي، حيث زودته بالمعرفة والمهارات التي مكنته من أن يصبح أحد أعظم الملحنين في تاريخ الموسيقى العربية.

تعددت ألوان الألحان التي قدمها بليغ حمدي، فمن الرومانسية الحالمة إلى الوطنية الحماسية، ومن الألحان الشعبية الأصيلة إلى التجارب الموسيقية المبتكرة، استطاع بليغ أن يترك بصمة واضحة في كل لون من الألوان الموسيقية التي لمسها. ومع ذلك، فإن قدرته على ترجمة نبض الشارع المصري إلى ألحان فنية راقية، وتعاونه مع كبار المطربين العرب، يظلان من أبرز إنجازاته. فقد كان بليغ حمدي أكثر من مجرد ملحن، بل كان فنانًا شاملاً استطاع أن يجمع بين الإبداع والجمال والبساطة.

لم تقتصر عبقرية بليغ حمدي على لون موسيقي واحد، بل امتدت موهبته لتشمل كل ألوان الطيف الموسيقي. فمن الرومانسية الحالمة إلى الحماسية الوطنية، ومن القصائد العميقة المعاني إلى الأناشيد الدينية البسيطة، ومن أغاني الأطفال المبهجة إلى الأغاني الدرامية المعقدة، قدم بليغ حمدي لوحات فنية متنوعة أثرت المشهد الموسيقي العربي. ففي حين قدم لنا ألحانًا رومانسية خالدة مثل "حبيبتي يا مصر" و"سيرة الحب"، قدم أيضًا ألحانًا دينية عميقة مثل "مولاي" للشيخ سيد النقشبندي، وألحانًا للأطفال مثل "أنا عندي ببغاء" في مسلسل "أوراق الورد".

بليغ حمدي.. سيمفونية حب مصر

في رصيده الفني الغني، خصص الموسيقار الكبير بليغ حمدي ركنًا خاصًا لحب الوطن. فقد قدم لنا باقة من الأغاني الوطنية التي تعبر عن حبه العميق لمصر، مثل "يا حبيبتي يا مصر"، "عدى النهار"، و"لو عديت" ، و"عبرنا الهزيمه" ، و “فدائى” ، و “بسم الله” ،  و "عاش اللى قال" ، و " حلوه بلادى السمرا بلادى " ، و "البندقية اتكلمت" . هذه الأغاني لم تكن مجرد كلمات وألحان، بل كانت انعكاسًا لروح مصرية أصيلة، وحبًا عميقًا لتراب الوطن.

ألحان بليغ حمدي.. سِر نجاح العديد من الأفلام المصرية

لم يقتصر سحر بليغ حمدي على عالم الأغنية فحسب، بل امتد إلى شاشة السينما حيث ترك بصمات واضحة بألحانه الساحرة. فقد ساهم في تلحين العديد من الأفلام التي تنوعت بين الدراما والرومانسية والمغامرة، مثل "شيء من الخوف" و"أبناء الصمت" و"العمر لحظة" ، "آه يا ليل يا زمن"، "أضواء المدينة"، "الزمار"، "مسافر بلا طريق"، و"إحنا بتوع الأتوبيس". هذه الأعمال الشاملة تثبت مدى عبقرية بليغ حمدي وقدرته على التألق في مختلف الأنواع السينمائية وغيرها. كانت موسيقى بليغ حمدي عنصرًا أساسيًا في نجاح هذه الأفلام، حيث استطاع ببراعة أن يمزج بين الموسيقى والصورة، مما خلق أجواءً خاصة بكل فيلم. وبذلك، أصبح بليغ حمدي أحد أهم الملحنين الذين تركوا بصمة واضحة في تاريخ السينما المصرية.

"بليغ حمدي"من السينما إلى المسرح.. رحلة في عالم الموسيقى التصويرية

لم يقتصر سحر بليغ حمدي على عالم الأغاني وحده، بل امتد إلى عالم الفنون الدرامية بشكل عام. فقد ترك بصمات واضحة في الموسيقى التصويرية لعدد كبير من الأفلام والمسرحيات والمسلسلات والأوبريتات. ومن أبرز أعماله في هذا المجال: أفلام "شيء من الخوف"، "أبناء الصمت"، "العمر لحظة"، "آه يا ليل يا زمن"، مسرحيات "ريا وسكينة"، "زقاق المدق"، مسلسلات "أفواه وارانب"، "بوابة الحلواني"، والأوبريتات مثل "مهر العروسة" و"ياسين ولدي". هذا التنوع الواسع في الأعمال يؤكد مدى عبقرية بليغ حمدي وقدرته على التألق في مختلف الأنواع الفنية.

https://www.youtube.com/watch?app=desktop&v=L0d69-uq-sw

في أحد لقاءاته النادرة، ألقى الموسيقار الراحل بليغ حمدي بضوء ساطع على العلاقة الوثيقة بين الموسيقى والشعر. فقد أكد أن الكلمة هي البذرة التي تنمو منها الأغنية، ولكن الموسيقى هي التي تعطي لهذه الكلمة الحياة والروح. وأشار إلى أن التعاون بين الملحن والشاعر هو شراكة إبداعية فريدة، حيث يتحد الاثنان لتقديم عمل فني متكامل. ووصف بليغ نفسه بأنه "خاطر يخطر"، أي أنه شخص يولد الأفكار الموسيقية، مؤكدًا على أن الأهم هو أن تصل هذه الأفكار إلى الجمهور بصدق وعفوية.

search