السبت، 02 نوفمبر 2024

07:34 م

شعيب عبد الفتاح يكتب: وقفوا صفا يرثونه وماتوا بنفس الترتيب !!

الثلاثاء، 10 سبتمبر 2024 09:19 ص

شعيب عبد الفتاح

شعيب عبد الفتاح

في 11  يوليو  1905، توفي الإمام محمد عبده في الإسكندرية عن 57 عاماً، ودفن في القاهرة بعد أن شيعته قلوب الملايين إلى قبره، حينها وقف ستة من الخطباء والأدباء والشعراء الكبار  يرثونه ويعددون مناقبه، وهم بحسب ترتيبهم في الوقوف:

الأول : الشيخ أحمد أبوخطوة. 
الثانى : حسن عاصم بك رئيس ديوان الخديوي.

الثالث : الشيخ حسن عبدالرازق باشا الكبير والد شيخ الأزهر مصطفى عبدالرازق.
الرابع : الكاتب الأديب قاسم أمين.
الخامس : القاضي حفني ناصف.
السادس : الشاعر حافظ إبراهيم.

لم يكن أحد منهم يعلم أن هذا الترتيب في الأدوار سيكون له حكاية لن يعرفها إلا آخر اثنين وقفا على قبره، وهما حفني ناصف وحافظ إبراهيم.

كان حفني ناصف أول من فطن إلى أن أولهم تأبيناً أولهم وفاة، فالشيخ أحمد أبو خطوة توفي بعد أشهر من وفاة محمد عبده عام 1906، ثم لحقه ثانياً حسن باشا عاصم فتوفي في الـ 10 من   (نوفمبر) 1907، ثم حان أجل الثالث الشيخ حسن عبد الرازق، ثم عرجت المنية رابعاً على قاسم أمين 21 – 4 – 1908. حدث هذا كله في ثلاثة أعوام، ولم يبق من الستة إلا خامسهم حفني ناصف، وسادسهم حافظ إبراهيم، وهنا هاب حفني ناصف لعبة الأدوار، وخطر في باله أن القدر سيوافيه بمنيته على هذا الترتيب قبل حافظ، فبعث إليه بالقصيدة الآتية التي اشتهرت وقتها على كل لسان وهي:

أتَذْكُرُ إذ كُنّا على القَبْرِ سِتَّةً

نُعَدِّدُ آثارَ الإمامِ ونَنْدُبُ

وقفنا بترْتيبٍ وقد دبَّ بيننا

مماتٌ على وَفْقِ الرِّثاءِ مُرَتَّبُ

أبو خطْوةٍ ولَّى وقَفَّاه عاصمٌ

وجاءَ لعبد الرازقِ الموتُ يطلبُ

فلبَّى وغابتْ بَعْدَهُ شمسُ قاسمٍ

وعمّا قريبٍ نجمُ مَحْيايَ يغْرُبُ

فلا تخشَ هُلْكاً ما حَيِيتُ وإن أمتْ

فما أنت إلا خائفٌ يترَقَّبُ

فخاطرْ وقعْ تحت القِطارِ ولا تخفْ

ونمْ تحت بيت الوقفِ وهو مُخَرَبُ

وخُضْ لُجَجَ الهيْجاءِ أعزلَ آمناً

فإن المنايا منك تجري وتهربُ


فأجابه حافظ إبراهيم في قصيدة قال فيها :

أيا حِفْني جزاك الله خيراً

بأحسنِ ما يكونُ لك الجزاءُ

فقد طمأنتني وأزحتَ عني

هموما ثم وافاني الشفاءُ

دعوتُ الله أن يبقيك حيا

تُعَمَّرُ في الحياة ولا تُساءُ

وما هذا لحبٍ فيك لكن

بقاؤك إنما هو لي بقاءُ

وشاءت إرادة الله تعالى أن تستمر فصول هذه القصة العجيبة إلى نهايتها، وتوفي حفني يوم 25 (فبراير) 1919، أي بترتيبه نفسه في الوقوف لحظة رثاء الشيخ محمد عبده، وإن تأخر كثيراً عن سابقيه. وهنا قال حافظ ابراهيم :

آذنت شمس حياتي بمغيب
ودنا المنهل يا نفس فطيبي
قد مضى حفني وهذا يومنا
يتدانى فاستثيبي وأنيبي
وارقبيه كل يوم إنما
نحن في قبضة علام الغيوب
اذكري الموت لدى النوم ولا
تغفلي ذكرانه عند الهبوب.

وفيها يقول:

قد وقفنا ستة نبكي على
عالم المشرق في يوم عصيب
وقف الخمسة قبلي فمضوا
هكذا قبلي وإني عن قريب
وردوا الحوض تباعاً فقضوا
باتفاق في مناياهم عجيب
أنا مذ بان وولى عهدهم
حاضر اللوعة موصول النحيب
هدأت نيران حزني هدأة
وانطوى حفني فعادت للشبوب.

ثم توفي حافظ إبراهيم، صباح الخميس، 21 يونيو 1932
بترتيبه أيضا في الوقوف لحظة رثاء الشيخ محمد عبده، حيث كان سادس الواقفين وسادس المتوفين !!

search