السبت، 02 نوفمبر 2024

07:21 م

محمد مطش يكتب: النفس البشرية ودور الضمير

الأحد، 25 أغسطس 2024 10:23 ص

محمد مطش

محمد مطش

محمد مطش

تتسارع الاشخاص، وتتضارب المصالح، وتتعارض الاهواء، وتختلف الاتجاهات، وتتشت العقول والاذهان، ويفقد الاحساس بالمعنى. كل هذه الامور المعقدة والصعبة تحدث في حياة البشر وبصورة متكررة ومقعدة، الا إنني مازلت أصر انه مهما زادت العقيدات والتحديات وتعارضت المصالح والاهواء واختلف الافراد فيما بينهم، الا ان للضمير مكانا مازال موجودا فينا جميعا. فالضمير لغة مشتقة من الفعل أضمر، وأضمر معناها أخفى الانسان في سره أمراً لا يطلع عليه غيره، وقيل ضمير لأنّه ما وقر في نفسك ولا يستطيع غيرك معرفته، فالضمير شيء مخفي داخل النفس، وهو بأبسط تعريفاته الاستعداد الفطري السليم للتفرقة بين الحق والباطل، وبين الصواب والخطأ، واستحسان كل ماهو جميل، واستقباح كل ماهو سيء. حب الفضيلة والبعد عن الرذائل، فعل الخير وتجنب الشر، السعي وراء الحقيقة واخفاء الاكاذيب والادعاءات. فكل فرد مهما كان جشعه وجبروته، مهما كانت قوته وسلطانه، فهو في الاخير كائن بشرى يحس ويتأثر، يفرح ويحزن، يتوجع ويتأقلم، يبكي ويضحك، ينجح ويفشل. ويبقى للضمير النصيب الاكبر في حياة البشر لتقييم ذاتهم والعمل على فعل الخير ولفظ الشر. فسر علماء العصر الحديث في مجال العلوم الإنسانية وعلم النفس والأعصاب الضمير: أنه وظيفة من وظائف الدماغ التي تطورت لدي الإنسان، لتسهيل السلوك الموجه من قبل الفرد لمساعدة الآخرين في أداء وظائفهم أو احتياجاتهم دون توقع أي مكافأة وذلك داخل مجتمعاتهم. والضمير وصف وكلمة تجسد كتلة ومجموعة من المشاعر والأحاسيس والمبادئ والقيم، تحكم الإنسان وتأسره ليكون سلوكه جيدا محترما مع الآخرين، يحس بهم ويحافظ على مشاعرهم ولا يظلمهم ويراعي حقوقهم. وباختصار شديد هو ميزان الحس والوعي عند الإنسان، لتمييز الصح من الخطأ، مع ضبط النفس لعمل الصح والبعد عن الخطأ. واعتقد ان للضمير فوائد عدة ينتفع بها الفرد اذا قيم ذاته وعمل على لفظ الكبائر والرذائل، فالضمير قادر على تغيير حياة الفرد وجعله كائنا مؤثرا ومفيدا ومنتجا لكثير من البشر حوله، كما ان الضمير يجعل الفرد متوازنا في علاقاته مع كل المحيطين به من اقارب وزملاء واصدقاء وجيران، كما ان الضمير قد يغير من مسار الحياة لدى كثير من الناس، فبعد ان يكونوا ضائعين في بحر الظلمات والفشل والادمان مثلا، يكونون اكثر تعقلا واكثر انتاجا لغيرهم من البشر. فبعد ان يظلموا بشرا وينتهكوا حقوق البعض ويحلوا لأنفسهم أموالا وممتلكات لا يستحقونها، يأتي دور الضمير بداخلهم وتعود الحقوق لأصحابها والاموال لذويها والممتلكات لمستحقيها. بدون الضمير لا يتفانى البشر في اداء مهامهم، ولا يتقدم العمل ولا تزدهر الحياة، ولا ترتقي حياة الفرد والمجتمع. فهو المحرك الساكن والدفين لدى البشر، ليكون بمثابة الالة او الاداة التي تنقل حياتهم من التدني للتقدم والرقي، من الاخفاق الى النجاح، من الفقر والضياع الى الرخاء والازدهار. ادعو الانسانية ان تحكم ضمائرهم للفظ العنف والتطرف، لترسيخ مبدا المساواة والمحبة، لاستنكار العداء والكراهية، ولتثبيت فكرة المشاركة وحب الخير والانتماء. تتقدم الشعوب وترتقي بفضل تكاتفها وتماسكها وإبراز أفضل ما بهما من انتاج مثمر ومميز. ارجو من المولى عز وجل ان يقبل من الناس جميعا صالح اعمالهم، بفضل قلوبهم الرحيمة وعقولهم المضيئة وضمائرهم الحاضرة. ولإيماني الشديد بأن لكل منا كبشر ضميرا حيا فإنني أؤكد انه مازال للضمير مكان كبير وفعال في حياتنا.
 

search