السبت، 02 نوفمبر 2024

07:16 م

حدود الحرية.. هل تتصارع قيمنا الأخلاقية مع بعضها البعض؟

الإثنين، 19 أغسطس 2024 09:51 ص

د. منى طه عبد العليم

د. منى طه عبد العليم

د. منى طه عبد العليم

"الحياة بدون حرية، مثل الجسد بدون روح"، لعل هذا القول هو أقوى ما قيل عن قيمة الحرية كحق أساسي من حقوق الإنسان. ولكن، في الوقت نفسه، يطالعنا قول مثل "أيتها الحرية، كم من الجرائم ارتكبت باسمك". فيحمل هذا الأخير في داخله معانٍ عدة، تصل إلى حد التضارب. نعم إنها الحرية التي ننشدها جميعا، ولكن هل نستخدم الحرية في إطارها المقبول؟ من منا لا ينشد الحرية ويقصدها ويتمسك بها؟ ولكن هل كل ما نقوم به تحت مسمى الحرية هو فعل جائز أو مقبول؟ 
فلنبدأ بمفهوم الحرية نفسها، ما هي الحرية؟ ماذ نقصد عندما نقول : "أنا حر". الحرية هي حالة تكون فيها حرا، خاصة في مواجهة الخضوع السياسي أو السجن أو العبودية. ويشمل ذلك الحرية السياسية والحرية المدنية. فالحرية المدنية نقصد بها غياب القيود التعسفية وضمان مجموعة من الحقوق، مثل تلك الموجودة في مواثيق الحقوق، وفي القوانين، وفي القرارات القضائية.
ومع ذلك كونك حرا لا يتعارض أبدا مع الالتزام بما تفرضه الأنظمة والقيود التي يضعها القانون من أجل الصالح العام. فأنت حر ما لم تضر بحريتك نفسك أو الآخرين. وهنا، في حالة تمادي الإنسان في ممارسة حرياته دون اعتبار للقيم العامة والقوانين، يكون الردع أمرا لا مفر منه. 
وفي هذا السياق، تعجبني دوما مقولة المفكر والسياسي الإنجليزي الكبير جون ستيوارت مل في كتابه، "عن الحرية"، حيث يقول: "الغرض الوحيد الذي يمكن من أجله ممارسة السلطة (الإلزام/ التعسف) بشكل شرعي على أي عضو في مجتمع متحضر، ضد إرادته، هو منع الأذى عن الآخرين. إن مصلحته، سواء الجسدية أو المعنوية، ليست ضمانة كافية." فحريتك ستكون مقيدة لمنع الأذى حيث يحق للدولة فرض سطوتها دون محاباة. 
ويسوق سيدني هوك، المفكر الأمريكي الكبير ورائد الديمقراطية والبرجماتية في الولايات المتحدة، عددا من المبرارات التي يؤكد بها ضرورة تقييد الحقوق والحريات للأشخاص: 
أولا : عندما يقول أي شخص عاقل انه يؤمن بالحرية ، فانه دوما لديه حرية محددة ومقبولة في ذهنه، فهو لا يؤمن حقيقة بالمفهوم العميق للحرية كسلطة أن يفعل المرء ما يرغب دون أن يعوقه عائق من قبل الآخرين. ويشير هوك إلى أن تمتع شخص ما بحرية لا يعني حرية فعل أي شئ يريده دون أي عائق من قبل الآخرين ، فهو لو فعل ذلك، فانه يبرر أفظع الجرائم التي اقترفت ليس ضد الآخرين فحسب، بل وضد نفسه أيضا ، وذلك مستحيل سيكولوجيا .
ثانيا :في مقابل النقطة الأولى تأتي النقطة الثانية، فإذا كانت الأولى تؤكد أن الحرية محددة ففي المقابل عند تمتع شخص ما بحرية ما يستتبع ذلك إلزام من الآخرين تجاهه، فيوضح هوك إنه من المستحيل منطقيا، استحسان كل حريات الفعل ، فعندما ندعم حرية معينة، فإننا ندافع أيضا عن حريات الآخرين.. فإذا أمنت بحقك في الكلام، فحينئذ يجب أن أؤمن بأن حق الآخرين في إسكاتك ومنعك من الكلام يجب أن يحدد ويقيد.  وإذا أمنت بحقي في الملكية فيجب أن تؤمن بأنه ليس للآخرين الحق في أن يتصرفوا بطريقة ما لحرماني مما أملك. 
ثالثا: ليس هناك ثمة حق معين أو حرية معينة مطلقة، لأن الحريات المحددة التي نستحسنها غالبا ما تتصارع وهي في الواقع مشكلة أخلاقية، عندما يتصارع الحق مع الحق  والخير مع الخير، والخير مع الحق، إنني أريد أن أكون رحيما طيبا، و أريد أن أكون عادلا ولكن لا يمكنني أن أكون الاثنين معا. فالحقوق تنطوي على صراع: إن صاحب الجريدة الثائر المدعي دوما أن حق العامة في معرفة الحقيقة هو حق مطلق، و ذلك عندما مُنعَ من نشر تفاصيل ما بأمر المحكمة، سيغير لهجته فجأة إذا ما سألته:" وماذا عن حق العامة في معرفة مصادره ومن الذي سرب إليه هذه التفاصيل؟! وهكذا فإن الحقوق والحريات تتصارع مع بعضها البعض. وهنا تصارع حق المعرفة مع حق الخصوصية.. ليؤكد ذلك كله أنه لا حق مطلق ولا حرية مطلقة. 
فجميعنا مهما تمنى الحرية، لا حرية بدون نظام أومسئولية.

search