الأحد، 22 ديسمبر 2024

06:01 م

أودع الله فيه مِن المزايا ما جعله سيد الأنهار

الإفتاء: نيل مصر ذكر في القرآن وهو أفضل الأنهار وأحد عجائب الدنيا

السبت، 17 أغسطس 2024 02:45 م

السيد الطنطاوي

دار الإفتاء المصرية

دار الإفتاء المصرية

أكد الدكتور شوقي علام مفتي مصر الأسبق أنَّ نيل مصر يعد من أفضل الأنهار في هذه الدنيا وأحد عجائبها؛ فقد ذكره الله تعالى في كتابه وجعله آية من آياته، ومزجه بالرحمة، وملأه بالبركة، وأودع فيه مِن المزايا ما جعله سيد الأنهار، وأعظمها على الإطلاق، وقد وردت الآثار والأخبار التي تقرر وتبيّن ذلك.

جرت حكمة الله تعالى وإرادته أن يفاضل في خلقه بما يشاء وكيف يشاء؛ فمن البشر: فضَّل الأنبياء والرسل والأولياء على سائر خلقه، ومن البلاد: فضَّل مكة المكرمة والمدينة المنورة على سائر البلدان على ما ورد فيه التفاضل بينهما، ومِن الشهور: فضَّل شهر رمضان على ما عداه من الأشهر، ومِن حيث الليل فضَّل ليلة القدر على سائر الليالي، ومِن حيث النهار فضَّل وقفة عرفات على سائر الأيام، ومن الجبال: فضَّل جبل الطور بتجليه، وجبل أُحُد؛ لما جاء فيه مِن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» متفقٌ عليه، ومِن الأنهار: فضَّل نهر النيل.

أفضلية نهر النيل

وممَّا يُعلم به أفضلية نهر النيل على غيره من الأنهر أمور عديدة، منها:

- أنه النهر الذي تفرد بشرف الذِّكر في القرآن الكريم في عدة مواضع، منها ما هو بالنص عليه والتصريح، ومنها ما هو بالإشارة والتلميح.

فأما ورود ذكره في القرآن الكريم تصريحًا: فقد ذُكر نهر النيل باسم "اليم" -وهو لفظ عبراني يقصد به نهر النيل- ست مرات في القرآن الكريم، لبيان فضله مِن أنه آية من آيات الله تعالى ينجي بها عباده الذين اصطفى؛ وذلك فيما ذُكر في قصة سيدنا موسى عليه السلام، حيث كان نهر النيل هو الوسيلة التي اتخذتها أمُّ موسى بوحي من الله تعالى لنجاة ابنها، حيث حمله النهر إلى قصر فرعون سالمًا محفوظًا؛ حيث قال الله تعالى: ﴿إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ [طه: 38-39]، وقال تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: 7].

قال العلامة الطاهر ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (9/ 75، ط. الدار التونسية): [أطلق (اليم) على نهر النيل في قوله تعالى: ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ﴾، وقوله: ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾] اهـ.

وأما وروده في القرآن الكريم إشارة وتلميحًا: فقد وردت الإشارة إلى أنَّ نهر النيل في مصر مما يُستدل به على قدرة الله تعالى المطلقة وإعجاز خلقه في كونه، حيث يحدث به ظاهرة فيزيائية عجيبة وهي التقاء مائه العَذْب بماء البحر المالح، دون أن يمتزجا، فيظل ماؤه عذبًا رغم سريانه بالماء المالح، ولا تفسير لذلك إلا إطلاق قدرة الله تعالى وخالقيته، وتقع هذه الظاهرة في مدينة "رأس البر" بمحافظة دمياط حيث يشق أحد أفرع نهر النيل البحر المتوسط في منطقة تسمى "اللسان" وفي مشهد مبدع مميز مصدق لقول الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا﴾ [الفرقان: 53].

- وأنه النهر الذي تفرَّد بكثرة النصوص والآثار عن الصحابة والتابعين في ذكر أفضليته، ومن ذلك:

ما روي عن سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما من أنه قال: "لمَّا خلق الله عزَّ وجلَّ آدم عليه السلام مثَّل له الدنيا؛ شرقها وغربها، وسهلها وجبلها، وأنهارها وبحارها، وبناءها وخرابها، ومن يسكنها من الأمم، ومن يملكها من الملوك، فلمَّا رأى مصر رآها أرضًا سهلة، ذاتَ نهر جارٍ؛ مادَّتُه من الجنة، تنحدر فيه البركة، وتمزجه الرحمة، ورأى جبلًا من جبالها مكسوًّا نورًا، لا يخلو من نظر الرب إليه بالرحمة، في سفحه أشجار مثمرة، فروعها في الجنة، تُسقَى بماء الرحمة، فدعا آدم في النيل بالبركة، ودعا في أرض مصر بالرحمة والبر والتقوى، وبارك على نيلها وجبلها سبع مرات، وقال: يا أيها الجبل المرحوم، سفحك جنة، وتربتك مسك، يدفن فيها غراس الجنة، أرض حافظة مطيعة رحيمة، لا خَلَتْكِ يا مصر بركة، ولا زال بك حفظ، ولا زال منك ملك وعز، يا أرض مصر فيك الخبايا والكنوز، ولك البر والثروة، سال نهرك عسلًا، كثَّر الله زرعك، ودر ضرعك، وزكى نباتك، وعظمت بركتك وخصبت، ولا زال فيك خير ما لم تتجبري وتتكبري أو تخوني، فإذا فعلت ذلك عراك شرٌّ، ثم يعود خيرك". فكان آدم عليه السلام أول من دعا لها بالرحمة والخصب والبركة والرأفة.

 وما روي عنه أيضًا رضي الله عنه أنه قال: "نيل مصر سيد الأنهار، وسخر الله له كل نهر من المشرق إلى المغرب، فإذا أراد الله تعالى أن يجري نيل مصر أمر الله كل نهر أن يمده فأمدته الأنهار بمائها، وفجر الله له الأرض عيونًا، فإذا انتهت جريته إلى ما أراد الله عزَّ وجلَّ أوحى الله إلى كلِّ ماءٍ أن يرجع إلى عنصره"؛ ذكره المؤرخ ابن تغري بردي في "النجوم الزاهرة" (1/ 34).

وقد نصَّ العلماء على أن النيل من عجائب هذه الدنيا، وأنه مشتملٌ أيضًا على بعض العجائب؛ قال الإمام شهاب الدين النويري في "نهاية الأرب في فنون الأدب" (8/ 246، ط. دار الكتب والوثائق القومية المصرية): [ونيل مصر هو من أعاجيب الدنيا، وقد روي عن ذي القرنين أنه كتب كتابا عمّا شاهده من عجائب الوجود فذكر فيه كلَّ عجيبة، ثم قال في آخره: وذلك ليس بعجب، ولكنّ العجب نيل مصر] اهـ. 

search