الثلاثاء، 25 مارس 2025

09:47 م

زكاةُ الفطرِ ودورُهَا في التكافلِ المجتمعِي

خطبة الجمعة القادمة 28 رمضان 1446هـ – 28 مارس 2025م للدكتور خالد بدير

الثلاثاء، 25 مارس 2025 10:53 ص

السيد الطنطاوي

دكتور خالد بدير

دكتور خالد بدير

يعرض لكم “المصري الآن” خطبة الجمعة القادمة 28 رمضان 1446هـ الموافق 28 مارس 2025م للدكتور خالد بدير، وهي بعنوان “زكاة الفطر ودورها في التكافل المجتمعي”.

عناصر خطبة 28 رمضان 1446هـ – 28 مارس 2025م عن زكاةُ الفطرِ ودورُهَا في التكافلِ المجتمعِي

أولًا: زكاةُ الفطرِ أسرارٌ وأحكامٌ.

ثانيًا: دورُ زكاةِ الفطرِ في تحقيقِ التكافلِ الاجتماعِيِّ.

ثالثًا: الأعمالُ بالخواتيمِ.

المـــوضــــــــــوع

الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:

العنصر الأول من خطبة الجمعة بعنوان : زكاة الفطر ودورها في التكافل المجتمعي، للدكتور خالد بدير

أولًا: زكاةُ الفطرِ أسرارٌ وأحكامٌ

شرعَ الإسلامُ صدقةَ الفطرِ لمصلحةِ الغنيِّ والفقيرِ على السواءِ، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:” فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ.” (أبو داود وابن ماجة ).

فهي طهارةٌ للصائمِ مِمَّا اجترحَهُ في صيامِهِ مِن لغوٍ ورفثٍ وإثمٍ، فعن وكيعِ بنِ الجراحِ قال: ”زكاةُ الفطرِ لشهرِ رمضانَ كسجدتَيِ السهوِ للصلاةِ، تجبرُ نقصانَ الصومِ كما يجبرُ السجودُ نقصانَ الصلاةِ”.

كمَا أنَّهَا طعمةٌ للمساكينِ بإدخالِ الفرحِ والسرورِ عليهِم، ومواساةُ الأغنياءِ للفقراءِ، فإذا أعطوهُم شيئًا مِن أموالِهِم اغتنُوا في ذلك اليومِ عن الاشتغالِ بطلبِ قوتِهِم، وترفعُوا عن مذلةِ السؤالِ في يومٍ يُحبُّ كلُّ الناسِ فيهِ التظاهرَ بالغِنَي، ويشاركونَهُم في الأفراحِ المباحةِ.

وتكريمًا للفقيرِ وإعلاءً مِن شأنِهِ أنَّهُ أوجبَ عليهِ زكاةَ الفطرِ كالغنيِّ تمامًا؛ لأنَّها تجبُ على مَن عندَهُ قوتٌ يكفيهِ يومَ وليلةَ العيدِ، وهو بلا شك تجتمعُ عندَهُ زكواتُ الحيِّ كلِّهِ، فأصبحتْ واجبةً عليهِ كالغنيِّ تمامًا، فيخرجهَا لأخيهِ الفقيرِ، فإذا كان الفقيرُ يمدُّ يدَهُ طوالَ العامِ آخذًا، فقد رفعَ الإسلامُ شأنَهُ أنْ يمدَّ يدَهُ في هذا اليومِ معطيًا لا آخذًا؛ لتكتملَ فرحةُ وسعادةُ وبهجةُ العيدِ في قلبهِ وقلبِ أولادِهِ !!

وزكاةُ الفطرِ تجبُ على المسلمِ المالكِ لمقدارِ صاعٍ يزيدُ عن قوتِه وقوتِ عيالِه يومًا وليلةً، فهي واجبةٌ على كلِّ فردٍ مِن المسلمين، صغيرٍ أو كبيرٍ، ذكرٍ أو أنثَى، حُرٍّ أو عبدٍ، صامَ أم لم يصمْ لعذرٍ أو مرضٍ، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:” فرَض رسولُ اللهِ ﷺ زكاةَ الفِطرِ، صاعًا من تمرٍ أو صاعًا من شعيرٍ، على العبدِ والحرِّ، والذكرِ والأنثى، والصغيرِ والكبيرِ، مِن المسلمينَ”. (البخاري).

وتجبُ عليهِ، عن نفسِهِ، وعمَّن تلزمُهُ نفقتُهُ، كزوجتِهِ، وأبنائِهِ، وخدمِهِ الذين يتولَّى أمورَهُم، ويقومُ بالإنفاقِ عليهم.

ومقدارُ زكاةِ الفطرِ صاعٌ مِن القمحِ، أو الشعيرِ، أو التمرِ، أو الزبيبِ، أو الأقطِ، أو الأرزِ، أو الذرةِ أو العدسِ أو اللوبيا أو الفاصوليا أو نحو ذلك مِمَّا يُعتبرُ قوتًا، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:” كُنَّا نُخْرِجُ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ ”. (متفق عليه).

وقد حددتْ دارُ الإفتاءِ المصريةِ قيمةَ زكاةِ الفطرِ هذا العام بـخمسة وثلاثين “35” جنيهًا كحدِّ أدنَى، ومَن زادَ فهو خيرٌ، وإذا كان اللهُ قد وسّعَ عليكَ فعليكَ أنْ تخرجَ مِن أجودِ الأشياءِ وأنفسِهَا، ولا تنظرْ إلى الدونِ، « فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يحبُّ معالِي الأمورِ، ويكرَهُ سفسافَهَا » ( الحاكم والطبراني).

 ولماذا ترضَى بالحدِّ الأدنَى في زكاةِ الفطرِ مع سعتِكَ وغناكَ، ومع ذلك تطلبُ الفردوسَ الأعلَى مِن الجنةِ ؟!!

إنَّ كثيرًا منَّا يعتقدُ أنَّ الزكاةَ والصدقات تنقصُ المالَ، وهذا فهمٌ خاطئٌ، والرسولُ ﷺ في جميعِ أحاديثِهِ لا يُقسمُ لأنَّهُ مصدقٌ في كلِّ ما يقولُ، ولكنَّهُ جاءَ عندَ الحديثِ عن الزكاةِ والصدقةِ فأقسمَ على أنَّها لا تُنقِصُ مِن المالِ فقالَ:” ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ : مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ؛ وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا ؛ وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ” (الترمذي وحسنه) .

العنصر الثاني من خطبة الجمعة بعنوان: زكاة الفطر ودورها في التكافل المجتمعي، للدكتور خالد بدير

ثانيًا: دورُ زكاةِ الفطر في تحقيقِ التكافلِ الاجتماعِيِّ.

لزكاةِ الفطرِ والصدقاتِ دورٌ عظيمٌ في تحقيقِ التكافلِ الاجتماعِيِّ، فالزكاةُ المفروضةُ- مثلاً – ليست ضريبةً تؤخذُ مِن الجيوبِ، بل هي أولاً غرسٌ لمشاعرِ الحنانِ والرأفةِ، وتوطيدٌ لعلاقاتِ التعارفِ والألفةِ بينَ شتّى الطبقاتِ، وقد نصَّ القرآنُ على الغايةِ مِن إخراجِ الزكاةِ بقولِهِ تعالى:{ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}. [التوبة:103]، فتنظيفُ النفسِ مِن أدرانِ النقصِ، والتسامِي بالمجتمعِ إلى مستوىَ أنبل هو الحكمةُ الأُولَى، والناظرُ في هذه الآيةِ يرى أنَّ فيهَا بياناً لأثرِ الزكاةِ على المزكِّي مِن حيثُ تهذيبُ نفسِهِ وإصلاحهَا، والمقصودُ هنا تطهيرهُم مِن ذنوبِهِم التي لا بُدَّ أنْ تقعَ منهُم، حيثُ الصدقةُ تطفئُ الخطيئةَ كما يطفئُ الماءُ النارَ، ومعلومٌ أنَّ الخطايا قد تكونُ ماديةً كما تكونُ معنويةً، ومِن جملةِ الخطايا المعنويةِ البخلُ والشحُّ، وقد ذمّهُمَا اللهُ تعالَى، حيثُ قالَ عزَّ وجلَّ: { هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ}. ( محمد: 38 )، ويقولُ اللهُ تعالى: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. (الحشر: 9)، فالبخلُ والشحُّ قيمتانِ سلبيتانِ في نفسِ الإنسانِ، بوجودِهِمَا لا يمكنهُ أنْ يمدَّ يدَ العونِ لغيرهِ مِن المحتاجين، فينتجُ عن ذلك آثارٌ سلبيةٌ أُخرى في نفوسِ هؤلاءِ المعوزين، حيثُ يرمقونَ هذا الغنيَّ البخيلَ بعينِ الغيظِ والحنقِ والحسدِ والحقدِ على مَن أعطاهُ اللهُ مِن مالِهِ، وحبسَ حقَّ هذا المالِ عن عيالِهِ.

وأتركُ الحديثَ للإمامِ الماوردِي – رحمَهُ اللهُ – حيثُ يقولُ عن أثرِ الزكاةِ في تحقيقِ التكافلِ الاجتماعِي: “فكان في إيجابِهَا مواساةً للفقراءِ، ومعونةً لذويِ الحاجاتِ، تكفهُم عن البغضاءِ وتمنعهُم مِن التقاطعِ وتبعثهُم على التواصلِ؛ لأنَّ الآملَ وصولٌ والراجِي هائبٌ، وإذا زالَ الأملُ وانقطعَ الرجاءُ واشتدت الحاجةُ وقعت البغضاءُ واشتدَّ الحسدُ فحدثَ التقاطعُ بينَ أربابِ الأموالِ والفقهاءِ، ووقعت العداوةُ بينَ ذوي الحاجاتِ والأغنياءِ، حتى تفضِي إلى التغالبِ على الأموالِ والتغريرِ بالنفوسِ، هذا مع ما في أداءِ الزكاةِ مِن تمرينِ النفسِ على السماحةِ المحمودةِ ومجانبةِ الشحِّ المذمومِ؛ لأنَّ السماحةَ تبعثُ على أداءِ الحقوقِ، والشحُّ يصدُّ عنهَا، وما يبعثُ على أداءِ الحقوقِ فأجدرْ بهِ حمدًا، وما صدَّ عنهَا فأخلقْ بهِ ذمًّا، وقد روى أبو هريرةَ رضي اللهُ عنهُ أنَّ النبيَّ ﷺ قال: ” شرُّ ما أعطَي العبدُ شحٌّ هالعٌ، وجبنٌ خالعٌ ” .( أحمد وأبو داود والبيهقي)، فسبحانَ مَن دبرنَا بلطيفِ حكمتِهِ، وأخفَى عن فطنتِنَا جزيلَ نعمتِهِ، حتى استوجبَ مِن الشكرِ بإخفائِهَا أعظمَ مِمّا استوجبَهُ بإبدائِهَا.”( أدب الدنيا والدين).

إنَّ منعَ الزكاةِ والصدقاتِ ينتجُ عنهُ وجودَ فقراءَ ومعدمين، وبؤساءَ ومجروحين، وأصحابَ شدةٍ مهضومين، وضعفاءَ مهمَّشين، ونجدُ أنّ الخللَ يكمنُ في منعِ الزكاةِ؛ لأنَّ الغنيَّ منعَ حقَّ الفقيرِ، فاختلَّ بذلكَ التوازنُ المجتمعيُّ في الحياةِ، فعن عليٍّ رضي اللهُ عنه قالَ، قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: ” إنَّ اللهَ فرضَ على أغنياءِ المسلمينَ في أموالِهِم بقدر ِالذي يسعُ فقراءَهُم، ولن يجهدَ الفقراءُ إذا جاعُوا وعرُّوا إلّا بما يضيعُ أغنياؤهُم، ألَا وإنَّ اللهَ يحاسبُهُم حسابًا شديدًا ويعذبهُم عذابًا أليمًا” (الطبراني والبيهقي موقوفًا).

فكيف يحدثُ توازنٌ وتكافلٌ وقد منعَ الغنيُّ حقَّ الفقيرِ وضنَّ وبخلَ بهِ؟!!! إنَّ الغنيَّ لو منعَ حقَّ الفقيرِ – المقررُ شرعًا ليس منحةً ولا تفضلًا- لازدادَ الغنيُّ غنيً والفقيرُ فقرًا، واختلَّ التوازنُ في المجتمعِ. لذلك قال عليٌّ رضي اللهُ عنه – أيضًا-: ” ما رأيتُ نعمةً موفورةً إلا وإلى جانبِهَا حقٌّ مضيّعٌ”، وكما قالَ الشيخُ الشعراويُّ رحمه اللهُ: ” إذا رأيتَ فقيرًا في بلادِ المسلمين، فاعلمْ أنَّ هناكَ غنيًّا سرقَ مالَهُ”؛ وقال عمرُ: “ما تمتعَ غنيٌّ إلا مِن جوعِ فقيرٍ.

فعليكُم بالزكاةِ قبلَ أن ْيأتيَكُم الأجلُ وأنتُم لا تشعرون، وقتَهَا يتمنَّي أحدُكُم الرجوعَ ليخرجَ زكاةَ مالِهِ ويتصدقَ، ولكنْ هيهاتَ هيهاتَ!! قالَ تعالَى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} (المنافقون: 10)، وهنا وقفةٌ مع هذا التصويرِ القرآنِي لمانعِ الزكاةِ والصدقاتِ، الميتُ تمنَّى الرجوعَ قائلًا: فأصدقَ، ولم يقلْ لأصلِّي أو لأصومَ أو غيرَ ذلكَ!! قالَ أهلُ العلمِ: ما ذكرَ الميتُ الصدقةَ إلا لعظيمِ ما رأىَ مِن فضلِ ثوابِهَا وأثرِهَا بعدَ موتهِ”؛ ولذلك قال عمرُ بنُ الخطّابِ- رضي اللهُ عنه-: « إنّ الأعمالَ تباهتْ، فقالتْ الصّدقةُ أنًا أفضلُكُنَّ ». (إحياء علوم الدين).

فهيَّا قبلَ فواتِ الأوانِ، وقبلَ أنْ تندمَ ولا ينفعُ الندمُ!! اللهمَّ إنِّي قد بلغتُ، اللهمًّ فاشهدْ يا ربَّ العالمين!!

فما أجملَ أنْ نكونَ جميعًا متعاونينَ متحابينَ متكافلينَ، فتسودُ بيننا علاقاتُ الودِّ والمحبةِ والتراحمِ والتكافلِ !!!

العنصر الثالث من خطبة الجمعة بعنوان : زكاة الفطر ودورها في التكافل المجتمعي ، للدكتور خالد بدير

ثالثًا: الأعمالُ بالخواتيمِ.

إنَّ الإنسانَ في هذه الدنيا يخلطُ بينَ الأعمالِ الصالحةِ والطالحةِ، والعبرةُ بالخواتيمِ، ولأهميةِ الخواتيمِ عنوَنَ لها الإمامُ البخاريُّ بابًا في صحيحهِ فقالَ: ( بابُ الأعمالِ بالخواتيمِ وما يخافُ منهَا )، وذكرَ فيها حديثًا لرجلٍ قاتلَ في أرضِ المعركةِ وكانتْ رقابُ الأعداءِ تتطايرُ تحتَ سيفهِ، ومع ذلك ختمَ اللهُ لهُ بسوءٍ، وماتَ منتحرًا؛ لأنَّهُ جُرِحَ ولم يصبرْ على الجرحِ، فقتلَ نفسَهُ، فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: نَظَرَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى رَجُلٍ يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُسْلِمِينَ غَنَاءً عَنْهُمْ؛ فَقَالَ:” مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا”، فَتَبِعَهُ رَجُلٌ فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى جُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَقَالَ بِذُبَابَةِ سَيْفِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ فَتَحَامَلَ عَلَيْهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ:” إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا”(البخاري). وقد نبَّهَنَا ﷺ إلى أهميةِ حسنِ الخاتمةِ والحرصِ عليهَا فقالَ: ” إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا.”(متفق عليه). وقدْ يقولُ قائلٌ كيفَ أموتُ على طاعةٍ؟!! والجوابُ في حكمةِ أبي حازمٍ سلمةَ بنِ دينارٍ حيثُ يقولُ: كلُّ ما لو جاءَكَ الموتُ عليه فرأيتَهُ خيرًا فالزمْهُ، وكلُّ ما لو جاءَكَ الموتُ عليهِ فرأيتَهُ شرًا فاجتنبْهُ. أي: إذا أردتَ أنْ تموتَ على طاعةٍ فالزمْهَا، وإنْ كرهتَ الموتَ على معصيةٍ فاتركهَا.

فالإنسانُ لو عاشَ على الطاعةِ فإنَّ اللهَ يستحِي أنْ يقبضَهُ على معصيةٍ. قالَ ابنُ كثيرٍ في قولِهِ تعالى: {وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} أي: “حافظُوا على الإسلامِ في حالِ صحتِكُم وسلامتِكُم لتموتُوا عليه، فإنَّ الكريمَ قد أجرَى عادتَهُ بكرمِهِ أنَّهُ مَن عاشَ على شيءٍ ماتَ عليهِ، ومَن ماتَ على شيءٍ بُعِثَ عليهِ، فعياذًا باللهِ مِن خلافِ ذلكَ.”

فالإنسانُ الذي يداومُ على الطاعةِ وأصبحتْ سجيةً لهُ يستعملُهُ اللهُ في عملِ الخيرِ عندَ خاتمتهِ، بل ويعسلُهّ كما جاءَ في الحديثِ: “إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَّلَهُ”، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ، وَمَا عَسَّلَهُ؟ قَالَ: “يُفْتَحُ لَهُ عَمَلا صَالِحًا، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ”. ( أحمد والحاكم والطبراني بسند صحيح)؛ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:”إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ، فَقِيلَ: كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ”( أحمد والحاكم والطبراني والترمذي وصححه).

فابدأْ يومَكَ .. ابدأْ شهرَكَ .. ابدأْ عامَكَ .. بطاعةٍ واختمهُ بطاعةٍ، فالبداياتُ والخواتيمُ عليها مدارُ الفوزِ والخسارةِ، ابدأْ يومَكَ بصلاةِ فجرٍ أو قيامِ سحرٍ، واختمْهُ بنومٍ على سلامةِ صدرِ وطهارةِ بدنٍ، فلو كان أولُ سطرٍ في صحيفتِكَ خيرًا وآخرُ سطرِ فيها خيرًا لمحَا اللهُ لك ما بينهما، وأنا أستبشرُ هنا ببشارةِ حبيبِنَا ﷺ، حيثُ يَقُولُ:” الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ؛ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ؛ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ” (مسلم). وإذا كان أولُ سطرٍ في كتابِ عمرِكَ أذانٌ قرعَ أذنَكَ عقبَ ولادَتِكَ، فاستبشرْ بأنْ يكونَ آخرُ سطرٍ فيه إنْ شاءَ اللهُ كلمةَ التوحيدِ ينطقُ بها لسانُكِ، لتكونَ جوازَ عبورِكَ إلى الجنةِ.

فعلينَا أنْ نجتهدَ ونختمَ هذه العشرَ الأواخرَ مِن رمضانَ بالأعمالِ الصالحةِ؛ فالأعمالُ بالخواتيمِ، يقولُ الإمامُ ابنُ حجرٍ بعدَ ذكرهِ حديثَ اجتهادِ الرسولِ ﷺ في العشرِ:” وفي الحديثِ الحرصُ على مداومةِ القيامِ في العشرِ الأخيرِ إشارةٌ إلى الحثِّ على تجويدِ الخاتمةِ، ختمَ اللهُ لنَا بخيرٍ آمين .” ( فتح الباري).

إنَّ شهرَ رمضانَ قد عزمَ على الرحيلِ، ولم يبقَ منهُ إلّا القليل، فمَن منكُم أحسنَ فيهِ فعليهِ التمام، ومَن كان فرطَ فليختمْهُ بالحسنَى، فالعملُ بالختامِ، فاستمتعُوا منهُ فيمَا بقي مِن الساعاتِ، واستودعُوه عملًا صالحًا يشهدُ لكُم بهِ عندَ الملكِ العلامِ، وودِّعُوه عندَ فراقِهِ بأزكَى تحيةٍ وسلامٍ.

نسألُ اللهَ أنْ يتقبلَ صيامنَا وصالحَ أعمالِنَا، وأن يجعلنَا مِن عتقائِهِ مِن النيرانِ.

وأنْ يكتبنَا عندَهُ مِن أهلِ ليلةِ القدرِ،  وأنْ يحفظَ مصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ.

اقرأ أيضا:

علامات ليلة القدر وعلاقتها بالشمس.. الإفتاء توضح

د. نظير عياد: الفتوى تهدف إلى توجيه الناس وَفْقَ المقاصد والضوابط الشرعية

علماء الأزهر: ظاهرة الإلحاد من أبرز تحديات "غربة الإسلام" في العصر الحديث

search