الأربعاء، 19 مارس 2025

08:33 ص

الازهر: غزوة بدر الكبرى سُمِّيت "يوم الفرقان" لأن الله قد فرَّق بها بين الحق والباطل

الثلاثاء، 18 مارس 2025 01:34 م

السيد الطنطاوي

خلال الاحتفال

خلال الاحتفال

قال الدكتور عبد الفتاح العواري، عميد كلية أصول الدين السابق، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن غزوة بدر الكبرى سماها الله تعالى في كتابه "يوم الفرقان"؛ لأنه قد فرَّق بها بين الحق والباطل، بين أهل التوحيد والإيمان، وبين أهل الشرك والوثنية، جاء ذلك خلال احتفالية كبرى، نظمها الجامع الأزهر، أمس الإثنين عقب صلاة التراويح، بمناسبة ذكرى غزوة بدر الكبرى.

حضر الاحتفالية، الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، والدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، والدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، والدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف السابق، والدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، والدكتور عباس شومان، أمين عام هيئة كبار العلماء رئيس المنظمة العالمية لخريجي الأزهر، والسيد محمود الشريف، نقيب الأشراف وكيل مجلس النواب، والسيد عبد الهادي القصبي، شيخ مشايخ الطرق الصوفية، ونخبة من علماء وقيادات الأزهر الشريف. 

وقال الدكتور عبد الفتاح العواري، عميد كلية أصول الدين السابق عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن غزوة بدر الكبرى سماها الله تعالى في كتابه "يوم الفرقان"؛ لأنه قد فرَّق بها بين الحق والباطل، بين أهل التوحيد والإيمان، وبين أهل الشرك والوثنية، هؤلاء الذين ترامت الأخبار وتطايرت الأنباء أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، استولوا على قافلتهم التجارية، فخرجوا جميعًا دون مدارسة للأمر، وأقسم رائدهم أبو جهل -عليه لعنة الله- أن لا يرجع أبدًا حتى يَرِدَ بدر، ويقيم فيها، وينحر الجزور، ويشرب الخمر، وتسمع العرب بخبرهم؛ فيهابوهم إلى يوم القيامة، في منطق غلب عليه الغرور والكبر والخيلاء والصلف، أما نبينا صلى الله عليه وسلم، حين وصله خبر خروج قريش بجميع من فيها؛ لكي يقضوا على الإسلام، عرض الأمر على أصحابه؛ فكانوا بين كاره للمواجهة؛ لأن المؤمن لا يحب القتال، ويعلموا دائمًا أن القاعدة الكلية في الإسلام هي السلام، وأن الحرب استثناء؛ مصداقًا لقوله تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ}؛ فعمل نبينا صلى الله عليه وسلم، على الإعداد لهذه الحرب، ووضع التخطيط المطلوب لها؛ فوقف الحُباب بن المنذر قائلًا: يا رسول الله، أهذا منزل أنزلكه الله أم هي الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال له النبي: "بل هو الرأي والحرب والمكيدة"، فقال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل؛ فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فننزله، ثم نغور ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضًا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم؛ فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نِعْم الرأي ما رأيت يا حباب"؛ فاستجاب النبي لرأي جندي من جنوده واستمع لمشورته. فهؤلاء هم القادة الذين تلتف حولهم القلوب، وتهوى إليهم الأفئدة، خاصة إذا كان المقام مقام مصارعة ومواجهة للعدو. 

وبيَّن عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن النبي ­صلى الله عليه وسلم، أراد أن يتحقق عنده الأمن والطمأنينة بمعرفة موقف المسلمين من هذه المعركة الحاسمة؛ فاستشار القوم؛ فقام أبو بكر رضي الله عنه فقال: وأحسن، وقام سيدنا عمر بن الخطاب، فقال: وأحسن، وقام المقداد بن عمرو، وقال: "يا رسول الله، امضِ لما أراك الله، فوالله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا؛ إنا هاهنا قاعدون، ولكن نقول لك: اذهب أنت وربك فقاتلا؛ إنا معكما مقاتلون". كما حرص صلى الله عليه وسلم أن يعرف موقف الأنصار، فقام سعد بن معاذ، وقال: يا رسول الله، كأنك تريدنا معشر الأنصار. قال: "نعم". فقال: يا رسول الله، لقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئتَ به هو الحق؛ فامض على بركة الله؛ إنا لصبر في الحرب، صِدْقٌ عند اللقاء، والله لو أردت أن تخوض البحر فخضته؛ لخضناه معك، فامض لما أردتَ، عندها اطمأن النبي صلى الله عليه وسلم وعلم أن الجبهة الداخلية جبهة قوية؛ فمضى للقتال، فكان نصر الله، وكان توفيقه للمسلمين في هذه المعركة الحاسمة؛ مصداقًا لقوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا الله لعلكم تشكرن}. 

وأوضح الدكتور محمود الهواري، أنه في مثل هذه المناسبات الطيبة، يجدر بالأمَّة أن تجدد صلتها بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأن تعيد قراءة واقعها في ضوء الهدي النبوي، التي تجسد واقعًا وسلوكًا عمليًّا حياتيًّا. ومن الأحداث التي يجب الوقوف أمامها طويلا، هذه الغزوة الثرية بالبركات والدروس والعِبَر، وحسبنا أن تتوقف الأمة عند بعض المشاهد من هذه السيرة المباركة. وأول هذه المشاهد، أننا حين ندخل مباشرة إلى بركات هذه السيرة الطيبة، نعرف أن الجماعة المؤمنة الأولى التي خرجت لملاقاة أهل الشرك -بالقياس الحسابي وبمنطق العدد- كان لا يتجاوز عددهم حينئذ لا يتجاوز بضعة رجال بعد الثلاثمائة، وعدة أهل الكفر وعددهم ثلاثة أضعاف أهل الإيمان، وبمنطق أهل الدنيا وحساباتها؛ فالنصر للعدد الأكبر، لكن الله تعالى حسمها بقوله: {وما النصر إلا من عند الله}، فالنصر أولًا بالله، فأول مشهد هو الإيمان بأن النصر من عند الله، وليس بعُدَّة ولا عدد، وإن كان تحصيل العُدَّة والعدد من الأسباب الضرورية المشروعة، ولكن يجب أولًا أن نُحصِّل الإيمان؛ مصداقًا لقوله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى}. وأضاف الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، أن المشهد الأخلاقي السلوكي الثاني، والذي لا ينبغي أن يغيب عنا، أن هذه الجماعة كان معهم من الإيمان بالله ما جعلهم في أعلى عليين، ويقصُّ علينا هذا المشهد الطيب سيدنا حذيفة رضي الله عنه: "ما مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إلَّا أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي حُسَيْلٌ. قالَ: فأخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ، قالوا: إنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا، فَقُلْنَا: ما نُرِيدُهُ، ما نُرِيدُ إلَّا المَدِينَةَ، فأخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إلى المَدِينَةِ، وَلَا نُقَاتِلُ معهُ"، فلما حضر حذيفة إلى نبينا -صلى الله عليه وسلم، قصَّ عليه الحكاية، وأن المشركين أخذوا عليهم عهدًا بأن لا يكونوا معهم في قتال؛ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم-: "انصرفا؛ نَفِي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم"، مع أنه في وقت يحتاج إلى محاربين وعُدَّة وعدد، لكنه الوفاء النبوي والأخلاق المحمدية التي نحن في أشد الحاجة لها، لافتًا إلى أن المشهد الثالث هو مشهد سلوكي أخلاقي، يحتاج إلى تأمل عميق؛ ليأخذ بأيدينا كأُمَّة إلى أن نلتف حول قياداتنا؛ فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقف بين الصفوف ليسويها بقدح معه، مَرَّ بسَوَاد بن غزية حليف بني عدي بن النجار وهو متقدم من الصف، فطعن في بطنه بالقدح، وقال: "استوِ يا سواد". فقال: يا رسول الله، أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني (مكِّنِّي من القصاص لنفسي)، فكشف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بطنه، فقال: "استقد" (أي: اقتص)، قال: فاعتنقه، فقبَّل بطنه، فقال: "ما حملك على هذا يا سواد؟" قال: يا رسول الله، حضر ما ترى؛ فأردتُ أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك. فما أجمل العدالة والأخلاق، وما أجمل هذه المشاهد التي نحن في حاجة ماسَّة لها الآن.

 

search