الإثنين، 31 مارس 2025

12:50 م

وفاء أنور تكتب: طفولة أبنائنا.. إلى أين؟

الجمعة، 14 مارس 2025 07:10 م

وفاء أنور

وفاء أنور

وتبقى عيوننا معلقة على ماض كانت للطفولة فيه قيمة أخرى وشأن آخر، كان الأطفال يتمتعون فيه بصفات جميلة، تضع البراءة أسرارها الكاملة بداخلهم فتؤثر على سلوكياتهم شكلًا وموضوعًا، تشرق كالشمس ملامحهم، تحيل ظلام أنفسنا ببريقها الساطع إلى أنوار تتجلى بأنوار قدسية لا تشوبها شائبة، تتعانق فيها رقة مع رقي، يتحدان فينتجان خليطًا ممزوجًا من ذوق رفيع وأدب جم.

تصنع من رقتها تيجانًا تعلو رؤوس الملائكة الصغار، تظلل لحظاتهم أكاليل زهر تزيد من جمالهم وحسنهم وعفويتهم الطفولية المطلقة، تمنح قلوبهم المُحبة للحياة فرصًا  للعيش في جنة على الأرض، جنة يراها ويعرفها من يجاورهم أو يسعد بصحبتهم، تعطرهم من عطرها الزكي، تنثر عطرها الآتي من فيض أمل في وجود حياة أفضل لهم، تغرس نبتتها الطيبة بأرضهم، ترعاهم بكل امتنان ورضًا.

أين طفولة الأبناء التي كنا ننشدها، أين البراءة التي رحنا نستدعيها لتحضر بيننا حاملة معها السعادة والبهجة، الفرحة المختلطة بالضحكات المتتالية؟ أين طفولتهم التي كانت تخفف عنا من وطأة الحياة وضغوطها علينا؟ أين طفولة كانت تنزع عنا ثقل ما أرهقنا من أحداث شبه يومية تعكر صفونا؟ أين طفولة عذبة تباعد بيننا وبين ألم نفس تواجه تحديات لا تتوقف وتنحسر؟

كان الطفل في السابق يختلف اختلافًا كليًا وجزئيًا عن طفل اليوم الذي كبلته سرعة ناجمة عن عولمة غيرت وتيرة حياته بشكل غير مسبوق، لقد اختطفت منه طفولته بعد أن حولته لدمية هشة كقشة في مهب ريح عاصف؛ توجهها بسرعتها الجنونية إلى اللا شيء، ترفعها معها للأعلى، ثم تسقطها فجأة، لتواجه مصير قارب تائه في قلب موجة لا نهائية من شد وجذب، كانت تنشر شراعها كحمائم سلام، لكنها في الحقيقة كانت ركامًا من حمم تسعى لجرفه ولطمس هويته.

انظروا لعيون هؤلاء الصغار المتجهة نحو المجهول، ارقبوا هذه الحيرة التي هاجمتهم فامتلكتهم، ارصدوا هذه النظرات المرتبكة، والأفكار المشوشة، تابعوا التشويش الذي صاحبهم وبدأ معاركه معهم، بتأثيره على حركتهم، بجعلها جزءًا منهم، احكموا بميزان العدل المطلق ورددوا سرًا وجهرًا هذا القول: إلى متى سنتركهم يتخبطون في ظلام دامس جذبهم؟ إلى أين هى وجهتهم؟ فلنكن رفقاء بهذه القلوب الصغيرة، بهذه العقول المؤهلة لاحتضان المحبة والأمل، نمنحهم من فيض رعايتنا نصيبهم، نقوم بتنشئتهم تنشئة صالحة، تنفعهم ولا تضرهم.

فلنغرس قيم ديننا في تلك العقول الخصبة التي تهيأت لاستقبال ما نبثه إليها، فلنكن حكماء متعاونين معًا لخلق جيل جديد يتشرف بنا ونتشرف به، تعالوا نزينهم بأخلاق حسنة، تجعل من يراهم يدعو لنا لا علينا.

search