الثلاثاء، 04 مارس 2025

04:26 م

حسام عبد القادر يكتب: ألمانيا أول الطريق للصحافة الإلكترونية

الخميس، 27 فبراير 2025 09:48 ص

حسام عبد القادر

حسام عبد القادر

"الصحافة ليست مجرد مهنة؛ إنها نافذة على العالم، ومغامرة نعيشها يوميا بكل تفاصيلها. خلف كل خبر  أو مقال قصة، وخلف كل صورة حكاية مليئة بالتحديات والإلهام. في هذه السلسلة، سأفتح صفحات من دفتر ذكرياتي الصحفية، التي قد تكون مهمة للبعض وغير مهمة للبعض الآخر، وكل ما أستطيع الوعد به هو الصدق في كل ما سأكتب".

ألمانيا.. أول الطريق إلى الصحافة الإلكترونية

في عام 1996 وكنت في بداية حياتي الصحفية، ومر عام على تعييني رسميا في مجلة أكتوبر، جاءتني دعوة لحضور مؤتمر دولي ضخم بألمانيا لمناصرة التيبت في الفترة من 14 إلى 16 يونية 1996، وكنت قد تعرفت على مؤسسة أهلية بالتيبت من خلال صديقي الدكتور أسامة القفاش، وكتبت عن هذه المؤسسة ودورها مع المسلمين بالتيبت، وكانوا سعداء جدًّا أن هناك صحفيًّا مصريًّا مهتمًّا بالكتابة عنهم، وعندما بدأ التجهيز لهذا المؤتمر الضخم، وجهوا الدعوة لي، وبالطبع وافقت على الفور.

كانت أول مرة أسافر خارج مصر في بداية حياتي المهنية، وبعد الاعتراضات المعتادة من والدي ثم استسلامه لسفري، بدأت الإعداد للرحلة. 

كان المؤتمر في بون، والطائرة ستهبط في مطار فرانكفورت، وكنت أفكر كثيرًا كيف سأذهب من فرانكفورت إلى بون، وما هي الوسيلة لذلك؟ وسعدت جدًّا عندما تعرفت على سيدة بجانبي في الطائرة كانت ستذهب لبون أيضًا، وعرضت عليَّ أن أرافقها حتى بون عن طريق الأتوبيس لأن التاكسي سيكلفني كثيرًا، على أن أستقل التاكسي من موقف الأتوبيس في بون إلى الفندق، الذي أحتفظ باسمه في ورقة كما أشاهد في الأفلام.

كنت في غاية السعادة عندما استقليت الأتوبيس، وبدأت أشاهد معالم الطريق من فرانكفورت حتى بون، وتعرفت على دكتور في الزراعة يتحدث الإنجليزية، شرح لي قليلاً عن مدينة بون.

إلا أن كل هذه السعادة تبددت عندما وصلت إلى الفندق بالتاكسي، وهو فندق كبير جدًّا يقع على نهر الراين مباشرة، وعرفت أنه أفضل فندق في المدينة.

فوجئت بموظفة الاستقبال لا تعرف شيئًا عن المؤتمر، وكنت وصلت قبل المؤتمر بليلتين، وذلك بسبب ظروف حجز الطيران، ولكن المفترض أن إدارة المؤتمر قامت بالحجز لي بالفندق منذ موعد وصولي.

أخرجت الدعوة لموظفة الاستقبال، وبعد أن قامت بالمراجعة على الكمبيوتر، قالت لي أن المؤتمر 14 يونية وليس 12 يونية، وأنه لا يوجد حجز لي في هذين اليومين، وعندما وجدتني غاضبًا، وقلت لها ما معناه أن هذه إهانة لي، قالت لي سأجتهد أن أجد لك غرفة في هذين اليومين، ولكن عليك أن تدفع ثمن اليومين، رفضت تمامًا، وقلت لها بحسم أرجو أن تتصلي لي بمؤسسة "فريدريش نومان" وهي المؤسسة التي تنظم المؤتمر وترعاه، وبالفعل كلمت المؤسسة وأوصلتني بمسز فرانك، والموجود اسمها في التوقيع داخل الدعوة.

تحدثت مسز فرانك بهدوء وقالت لي: ألم ينتظرك أحد بالمطار، أجبت بالنفي، فتعجبت، وقالت لي كان المفترض أن ينتظرك أحد بالمطار ليقلك إلى فندق آخر تابع للمؤسسة في هذين اليومين خارج بون.

رديت عليها بعصبية شديدة، وقلت لها أنا في موقف صعب، ولابد من التصرف، قالت لي: لا تخف سأتصرف، أعطني بضع دقائق وانتظرني بالفندق، وسأتصل بك لأخبرك.

طلبت منها ألا تتأخر عليّ، ضحكت وقالت لي: لا تخف لن أنساك، جلست منتظرًا، وكلّي ترقب، ماذا ستفعل مسز فرانك بي، وهل سأضطر أن أدفع ثمن يومين بهذا الفندق الغالي.

بالفعل، بعد دقائق معدودة مرت عليّ كأنها ساعات، وجدت موظفة الاستقبال تشير إليّ وتعطيني مسز فرانك على التليفون، ولم يكن وقتها هناك شبكة إنترنت أو تليفون محمول بالشكل الحالي.

قالت لي: سيأتيك تاكسي بعد ربع ساعة، ويأخذك إلى أحد الفنادق التابعة لمؤسسة فريدريش نومان، والسائق يعرف كل شيء، قلت لها لن أدفع ثمن التاكسي، ردت علي قائلة: بكل تأكيد.

بالفعل، بعد ربع ساعة، جاء السائق ونقلني إلى فندق في مدينة اسمها "كوزوبنتر" في مسافة استغرقت حوالي 20 دقيقة.

وهي مدينة صغيرة تتسم بكثافة الأشجار والغابات، والفندق يقع بجانب مؤسسة فريدريش نومان، وهو عبارة عن فيلا حوالي ثلاثة أدوار، تقع فوق ربوة وحولها مساحات خضراء كثيفة.

دخلت فندقًا صغيرًا، الخدمة به محدودة، ولكنه نظيف جدًّا، واستلمت غرفتي في الدور الثاني والأخير، وهي ظريفة على الرغم من صغرها، وبها كل الإمكانيات.

كنت متعبًا وجائعًا جدًّا، بدلت ملابسي، ونزلت لكي أتناول أي طعام، وكانت حوالي الخامسة عصرًا، فاكتشفت أن التحدث داخل هذا الفندق صعب جدًّا، فلا يوجد بالفندق موظفين كثيرين ومعظمهم لا يتحدث الإنجليزية، باستثناء اثنين؛ الأول: يتحدث بصعوبة جدًّا، فهو لا يعرف سوى كلمات قليلة، والثاني أفضل منه حالاً، وهو الذي استطاع أن يقدم لي طعامًا بعد أن عرف أنني لا أريد أي طعام به لحم خنزير أو كحوليات.

جلست في المطعم، وجاءت فتاة من الفندق تقدم لي الطعام، وهي لا تفهم الإنجليزية مطلقًا، ووضعت طبق سَلَطة به بعض لحم الروزبيف وأنواع سلطات لم أعرفها من قبل، وكنت أول مرة أرى هذا الشكل من الطعام، ولكني كنت جائعًا، ولكن قبل أن أبدأ أحببت أن أطمئن من عدم وجود لحم خنزير، فسألتها، فوقفت أمامي لا تفهم شيئًا، حاولت أن أستخدم لغة الإشارة، ولكني لم أعرف كيف أشرح كلمة خنزير بيدي، واحتارت الفتاة، فذهبت وأحضرت زميلة لها لعلها تساعد، وقلت أكيد الأخرى تعرف الإنجليزية، واكتشفت أنها تعرف كلمتين أو ثلاثة، فشكرتهما وسميت الله، وأكلت.

صعدت إلى حجرتي أحاول أن أفعل شيئًا، وجدت التلفزيون غير شيق بالمرة، فكله برامج بالألماني، ولم أجد حتى أفلام بالألماني، وكانت الساعة السادسة تقريبًا، خرجت إلى خارج الفندق لأتمشى قليلاً فلم أجد أي متعة، مجرد أشجار، لا يوجد مارة في الشوارع، مجرد سيارات وقليل جدًّا من الناس إما على الدراجات أو داخل السيارات.

رجعت إلى الفندق، وقررت النوم قليلاً لأرتاح من تعب السفر، نمت السادسة والنصف مساء واستيقظت السادسة والنصف صباحًا.

ذهبت لأتناول الإفطار، وقابلتني نفس المشكلة، فهم لا يتحدثون الإنجليزية، فأشرت لعاملة على فمي دليل على الطعام، فأشارت لي على المطعم.

قلت في نفسي يبدو أنني سأتعامل في هذا الفندق بلغة الصم والبكم، وجدت مجموعة من الأفراد يدخلون المطعم، وشكلهم يوحي بأنهم من آسيا، قلت لنفسي لعلهم من التيبت، حاولت التحدث معهم ولكنهم لم يفهموني، وعرفت أنهم لا يتحدثون الإنجليزية.

قلت لنفسي: ألن أتحدث إلى أحد في هذا الفندق؟، انتهيت من فطوري، حاولت التحدث مع أي إنسان لم أستطع حتى قراءة الصحف بالألمانية.

حاولت الجلوس في أي مكان، لم أجد إلا المطعم فقط، وحتى لو جلست سأجلس وحدي، فضلت الصعود إلى غرفتي.

قلت لنفسي صحيح أن الإنسان كائن اجتماعي، فمن الصعب جدًّا أن يكون للإنسان القدرة على الكلام، ولكنه يشعر أنه أخرس، لقد شعرت أني نسيت الكلام، وكنت أعتقد أن لغتي الإنجليزية ليست جيدة جدًّا، ولكني اكتشفت أنه مهما كانت لغتي الإنجليزية جيدة أو سيئة فلا فرق، لأنه لا يوجد من يتحدث بها.

بدأت أصبر نفسي، لأنه تبقى يوم واحد في هذا الفندق، وسأذهب إلى الفندق الآخر، فمعظم العاملين يتحدثون الإنجليزية، لقد تمنيت في هذا الصباح أن يتشاجر معي أحد حتى يكلمني، فالكل في حاله، يأكلون في حالهم، يعملون في حالهم، شيء ممل جدًّا، لابد أن أفعل شيئًا.

خطرت لي فكرة، ذهبت إلى إحدى الغرف المجاورة لغرفتي وطرقت الباب، خرجت سيدة فطلبت منها قلمًا لأكتب شيئًا، وقفت وقالت كلامًا لم أفهمه، حاولت أن أفهمها أنني جارها في هذا الفندق، وأنني أريد قلمًا فلم تفهم، تركتها وعدت إلى غرفتي يائسًا، ولم أكن أعرف أن هذا خطأ، فقد تظن أني أنتهك خصوصيتها، ولكن الموضوع مر بسلام.

لم أشعر بالملل في حياتي مثل هذين اليومين، خاصة أنني شخص اجتماعي بطبعي، ولا أحب أن أكون بمفردي، شاهدت التلفزيون من جديد مضطرًّا، وكنت في انتظار مسز فرانك، حيث ذكرت لي أنها سـتأتي لتقابلني، ولكنها لم تقل متى بالضبط.

ذهبت للغداء، سألني أحدهم ممن يعرف كلمات بالإنجليزية، هل تأكل الدجاج؟ قلت نعم أفضل من اللحوم وآمن، فجاءت لي العاملة بطبق به جزر وأرز وشيء أصفر مثل العدس، وبه بعض اللحم مقطع قطعًا صغيرة، فسألتها أين الفراخ، فأشارت إلى القطع الصغيرة الصفراء بالطبق.

تناولت الطعام وأنا صامت، والطعم ليس جيدًا، ولكنه ليس سيئًا، ووجدت نفس المجموعة التي كانت في الإفطار، قررت التحدث معهم بعد تناول الغداء بأي شكل، ولكنهم خرجوا فورًا بعد الأكل واختفوا.

أين أنتِ يا مسز فرانك؟ ومتى ستأتين؟ مللت من كل شيء حولي، فالفندق هادئ جدًّا لدرجة مميتة.

جاء لي موظف من الفندق واضح أنه يعلم مشكلتي، وأشار لي إلى رجل يبدو أنه وصل حديثًا، وقال لي أنه جاء لنفس المؤتمر حول التيبت.

ذهبت إليه على الفور، وتعرفت عليه وهو من بيرو ويدعى جان بوستافييه، ومهتم بالأديان وبالدين الإسلامي، وكم كانت سعادتي عندما وجدته يتحدث الإنجليزية، جلست معه حوالي ساعة إلا ربع، ولولا أنه مرهق جدًّا من السفر، ويريد أن يرتاح قليلاً لما تركته يصعد لغرفته، ولكني تركته على وعد أن نتقابل بعد أن يأخذ وقته من الراحة.

تنفست الصعداء، أخيرًا وجدت من أتكلم معه ويفهمني. أحمدك يا رب.

وبعد نصف ساعة أخرى، وجدت ثلاثة آخرين، الأول من شيلي، والثانية من الأرجنتين، والثالثة من البرازيل، تركتهم يرتاحون قليلاً، ثم رجعت إليهم بعد أن نمت أنا أيضًا حوالي ساعة.

أصبحت في قمة السعادة، معي أربعة أتحدث معهم ويتحدثون معي، وعلى الرغم من أن الرجل الشيلي لا يعرف الإنجليزية إلا ثلاث أو أربع كلمات، والثلاثة الباقون يعرفون الإنجليزية بدرجة لا بأس بها، إلا أنني كنت مستمتعًا جدًّا، وكانوا الأربعة يتحدثون الإسبانية بطلاقة، فيتحدثون مع بعضهم البعض بسهولة، ثم يترجمون لي بعض الكلمات حتى أتابع معهم، وأشترك معهم في الحديث، وكانوا يتعاطفون معي.

تناولنا العشاء مع بعض، وقضينا وقتًا ممتعًا تعرفنا فيه على بعضنا البعض، ويكفي أني وجدت صحبة حتى لو لم نكن نفهم بعضنا البعض بشكل كامل، وعرفت أيضًا من مسز فرانك التي لم تأت لي حسب موعدها أن هناك أتوبيسًا سيأخذنا في اليوم التالي لبون حيث الفندق الأول الذي ذهبت له.

فوجئت بوجود ممثلين لكل بلاد العالم، جاءوا ليناصروا التيبت، وعرفت أن الدلاي لاما الزعيم الروحي للتيبت سيكون موجودًا في اليوم التالي في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، كدت أطير فرحًا عندما علمت بهذا الخبر، وتذكرت أنيس منصور، فقد كان هو الوحيد الذي قابل الدلاي لاما وأجرى معه حوارًا، والآن سأعتبر نفسي ثاني صحفي عربي يقابل الدلاي لاما، صحيح لم أتمكن من عمل حوار خاص معه، ولكني قابلته، شعرت بلذة شديدة، وأنا أعقد مقارنة بيني وبين أنيس منصور.

ولم أكن حتى هذه اللحظة أتخيل حجم المؤتمر الذي أحضره، فعرفت أن العالم كله يتحدث عن هذا المؤتمر، وأن الصين أغلقت مكتب مؤسسة فريدريش نومان الألمانية، وهي المنظمة الراعية للمؤتمر في بكين، وأرسلت خطابًا شديد اللهجة لسفير ألمانيا بالصين.

وكانت فريدريش نومان الألمانية، تعاونت مع حكومة التيبت بالمنفى في الهند لتنظيم هذا المؤتمر الذي يحكي قصة التيبت وحقوقهم في عودة وطنهم وأرضهم التي اغتصبتها الصين وضمتها لأرضها.

ويرجع تاريخ الصراع في منطقة التيبت إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، عندما قرر أهل التيبت الانفصال عن الصين، وهذا الأمر لم يستمر طويلاً حيث استعادت الصين المنطقة مرة أخرى سنة 1924. 

وفي سنة 1949 هاجمت القوات الصينية إقليم آمدو الواقع في التيبت الشرقي، وهزمت خلالها القوات التبتية.

وقد قوبل دخول الصين إلى التيبت بردود أفعال دولية، فقد أرسلت الهند التي تربطها علاقة جيدة بالتيبت رسالة احتجاج إلى الصين، كما عبرت بريطانيا والولايات المتحدة عن دعمهما للموقف التيبتي آنذاك.

وانتفض الشعب التيبتي عام 1959 في مواجهة الصين، إلا أن الصين هزمته، وقُتِلَ في هذه المعركة حوالي 87 ألفًا حسب ما ذكرته حكومة التيبت في المنفى.

ومنطقة التيبت حسب وجهة النظر الصينية هي جزء من الصين، وتؤكد بكين باستمرار موقفها هذا من خلال دعوة دول العالم إلى الاعتراف بالتيبت جزءًا من الصين.

والمسؤولون في الصين لا يعتبرون الدالاي لاما مجرد شخصية دينية صرفة، ولكنه شخصية سياسية في المنفى يمارس أنشطة انفصالية، وتنادي الصين بقية الدول خاصة المجاورة لها بالتزام مبدأ تجنب الأنشطة التي تهدف إلى تقسيم أي جزء من الصين.

واقترح الدالاي لاما سنة 1988 في البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ  إطارًا للمفاوضات حول مصير التيبت والعلاقة مع الصين.

وطالب بوجود سياسة للحكم الذاتي للتيبت تحتفظ للصين بالسياسة الخارجية للتيبت وسياسة الدفاع، وتعطي الاستقلال للشعب التيبتي في الشأن الداخلي. لكن ذلك لم يلق ترحيبًا صينيًّا، لتستمر بعد ذلك اتصالات بين حين وآخر.

وقد بعثت القيادة التيبتية سنة 1993 وفدًا إلى الصين ليوضح آراء الدالاي لاما في إشكالات الحكومة الصينية، ودعا إلى إيجاد حلول واقعية إذا لم ترد الصين انفصال التيبت، وطرح إمكانية التعايش بينهما.

غير أنه في نفس السنة استبعد السفير الصيني في الهند فرصة مباحثات مع إدارة التيبت المركزية في الهند، لكون الحكومة الصينية حسب تعبيره تعتبر إنشاء إدارة التيبت في المنفى عقبة في إجراء مباحثات مع الدالاي لاما، وطالب بضرورة إبطال إدارة التيبت في المنفى قبل إجراء مفاوضات جدية.

وتعتبر التيبت الصينَ بلدًا محتلاًّ لأرضها، وهي التي قد وقعت نهاية سنة 1998 على المواثيق الثلاثة التي تتضمن لائحة حقوق الإنسان الدولية. ولكن ذلك لم يؤثر على الوضع الداخلي للتيبت، بحيث تتواصل -حسب التيبتيين- انتهاكات الصين لحقوق الشعب في حياته اليومية وفي هويته الثقافية والدينية التي يعتبرونها مهددة.

ويتهم التيبتيون الحكومة الصينية بتدمير بيئة الإقليم، مع وجود مخاطر مرتبطة باتخاذ السلطات الصينية منطقةَ التيبت خزانًا للأسلحة النووية، ومكانًا لتجميع النفايات المشعة.

في اليوم التالي، قمت مبكرًا وأخذت دشًّا بدون صابون هذه المرة، وكنت أظن أني مبكر، ولكني اكتشفت أن الكل ذهب إلى قاعة المؤتمرات، وهي بمبنى البرلمان الألماني، ويبعد عن الفندق حوالي عشر دقائق بالأتوبيس، واليوم لا يوجد أتوبيسات؛ لأن هناك مظاهرة من الجماهير، حوالي ثلاثة آلاف عامل وكل شيء متوقف بألمانيا.

وجدت معي مجموعة لم تذهب بعد، ذهبنا سويًّا، وبدأ المؤتمر وحضر الدلاي لاما، الذي فوجئت بكم الهالة المحاطة حوله، ويعاملونه أكثر من كونه رئيس جمهورية، وطلبت الحديث معه، ولكن لم يكن لديه وقت، واكتفيت بتصويره لتسجيل الحدث.

وكانت جميع وسائل الإعلام الألمانية والعالمية حاضرة للمؤتمر يصورنه وينقلونه على الهواء مباشرة لبعض محطات التليفزيون العالمية.

انتهت الجلسة الأولى من المؤتمر، فأحببت أن أكتب تقريرًا صحفيًّا وأرسله إلى مجلة أكتوبر، فعرفت أن هناك مركزًا صحفيًّا مخصصًا لذلك، فذهبت هناك وكانت صدمة!

تحدثت عن أنني لم أصب بأي صدمات حضارية عند سفري الأول هذا، إلا أنني عندما دخلت إلى المركز الصحفي الملحق بقاعة المؤتمرات، جاءت لي الصدمة الحضارية.

دخلت غرفة واسعة جدًّا، وجدت بها مائدة ضخمة عليها ما لا يقل عن عشرة أجهزة كمبيوتر، وأحب أن أذكر أننا كنا في عام 1996، ويوجد صحفيون من كل أنحاء العالم، يجلسون أمام هذه الأجهزة وأياديهم تجري على لوحة المفاتيح يكتبون رسائلهم ليرسلوها لصحفهم.

كانت كل معلوماتي عن الكمبيوتر أنه الشاشة فقط، ولم أكن أعرف ما أهمية السي بي يو CPU وظللت لحظات أنظر باندهاش شديد لهؤلاء الخارقين الذين يجلسون ويكتبون بسرعة متناهية على الكمبيوتر، ثم انتبهت لمهمتي، فذهبت في آخر ركن من الغرفة وانزويت خشية أن يراني أحد وأنا أكتب فى ورقة، وكتبت التقرير، وظللت أبحث عن فاكس، ووجدته فأرسلته لأكتوبر، وكلفني 12 ماركًا ألمانيًّا، ولم يكن اليورو قد وجد بعد، وسألت نفسي: وكيف سيرسل هؤلاء الصحفيون الجهابذة مقالاتهم بعد أن يكتبوها على الكمبيوتر، فلم يكن أحد يستخدم الفاكس غيري، ولم أجد أي إجابة وقتها.

خرجت من المركز الصحفي، وأنا مذهول وأسأل نفسي: هل أنا صحفي مثل هؤلاء الصحفيين؟ ولماذا هم متقدمون عني بهذا الشكل؟ وهل يمكن أن أصبح مثلهم في يوم من الأيام؟ 

أسئلة أخرى كثيرة دارت في ذهني، وأنا خارج من المركز الصحفي جعلت رأسي تدور من كثرة التفكير، ولم أكد أفيق من هذا حتى تقابلت مع بعض الشخصيات المشاركة في المؤتمر كنا قد تعارفنا بالفندق، ووقفنا نتجاذب أطراف الحديث، ونعلق على المؤتمر، ثم بدأنا نتبادل الكروت الشخصية لكي نتواصل فيما بعد، ففوجئت بوجود سطر في كروتهم بعنوان "Email" ومكتوب أمامه كلام لا أفهمه، فسكت خشية افتضاح جهلي، ولكنهم لم يمهلوني، لأنهم طلبوا مني الإيميل لأنهم لم يجدوه في الكارت الخاص بي، فقلت لهم لا يوجد، فسكتوا مندهشين، وأنا مندهش أكثر منهم، وعدت للحوار مع نفسي: و"إيه حكاية الإيميل ده كمان" أنا أعرف Mail يعني بريد، ولكن ماذا تعنى الـ E، ولماذا ألصقوها بالكلمة، وما هذا الحرف الغريب؛ وكنت أقصد @ المكتوبة في سطر الإيميل.

لم أجد أحدًا لأسأله، فقد كنت المصري الوحيد، وخشيت أن أسأل فأبدو جاهلاً، ولكني قررت من وقتها أن أقتحم مجال الكمبيوتر، وأن أتعلمه وأجيده، وأن أكون من المتميزين فيه، لأن هؤلاء الصحفيين ليسوا أفضل مني بأي حال من الأحوال، وليس معنى أني صحفي من دولة نامية ألا أكون مطلعًا على التكنولوجيا الحديثة.

وبالفعل تعلمت الكمبيوتر خلال أشهر قليلة بعد المؤتمر، وبرامجه ثم اقتحمت عالم الإنترنت وكان أول شيء فعلته هو إنشاء إيميل بالطبع، ولم يكن الإنترنت في منتصف التسعينات إلا شيئًا جديدًا غامضًا لم يكن كثيرون على علم به.

وأتذكر أنني اشتركت بشبكة الإنترنت باشتراك سنوى 1200 جنيه هذا غير إشغال خط التليفون طوال فترة تشغيل الإنترنت، وأتذكر هذا الآن، وأنا أكتب هذه الكلمات فى 2017 وأضحك، وأتذكر أولادي عندما أحكي لهم أننا لم يكن لدينا إنترنت فيتعجبون وينظرون لي غير مصدقين، فأكمل ضاحكًا وأقول: "ولم يكن هناك موبايل والتليفون الأرضي دخل المنزل، وأنا في الثانوية العامة، ولم يكن لدينا في التليفزيون غير القناة الأولى والثانية"، فيضحكون ويقولون لي غير مصدقين: "إنت بتتكلم بجد يا بابا.. طيب وكنتم عايشين إزاي؟" ولم أرد بالطبع.

استطعت خلال وقت قصير أن أكون متخصصًا فى الكمبيوتر، حتى أننى أصبحت أشرح لأصدقاء وزملاء لي الويندوز وبرامج الوورد والباوربوينت، وغيرها، واشتهرت وسط الصحفيين بأني الصحفي الإلكتروني.

ثم جاءت الخطوة الأكبر عندما أصدرت مجلة على الإنترنت بالتعاون مع أصدقائي الأديب منير عتيبة والمهندس محمد حنفي، وصدر أول عدد من أمواج في أكتوبر 1999.

وفي حفل تدشين العدد الأول الذي أقيم بقصر التذوق بسيدي جابر، قمت بعرض كامل عن مجلة أمواج، إلا أن كثيرين من الجمهور هاجمني معتقدين أن هذا كلام لا أهمية له، فمن الذي يشاهد الإنترنت ونحن مجتمع نسبة الأمية فيه تقترب من 50%، ومن أخاطب بهذه المجلة، فضحكت في نفسي وتذكرت موقفي في مؤتمر ألمانيا، وقلت لمن يهاجمني أنني أخاطب المستقبل، وأن الأميين الذين يتحدثون عنهم هم أيضًا لا يقرأون الصحف المطبوعة، فلمن توجه هذه الصحف، وأننا في القريب العاجل سيكون لا غنى عن شبكة الإنترنت في حياتنا، وستكون هي الوسيلة الأهم في تلقي معلوماتنا، وتحقق كلامي بالكامل فيما بعد.

search