الأحد، 22 ديسمبر 2024

11:12 ص

"كذب المُنَجِّمون ولو صدقوا".. ليست من الأحاديث النبوية الشريفة

الأربعاء، 31 يوليو 2024 12:38 م

السيد الطنطاوي

دار الإفتاء المصرية

دار الإفتاء المصرية

أكد الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام مفتي الجمهورية، إنَّ مقولة: "كذب المُنَجِّمون ولو صدقوا" المشهورة على ألسنة الناس، ليست من الأحاديث النبوية الشريفة، وإن كان معناها صحيحًا، فالمنجِّم يدعي علم الغيب، وليس له تحقُّق من ذلك وإن وقع ما تَنَبَّأ به، فهو كاذبٌ في ادِّعاء علمه، والتنجيمُ أمرٌ مُحَرَّمٌ شرعًا، فهو نوعٌ من الكهانة ويؤول إلى ادِّعاءِ عِلمِ الغيبِ الذي استَأثَر الله به.

أما علم الفلك فهو مبْنِيٌّ على الحسِّ والمشاهدة، وهو مطلوبٌ شرعًا على سبيل الكفاية في الأمة، إذ يتَوَقَّف عليه جملةٌ من مصالح الدين والدنيا التي لا تتم إلا بمعرفته ودراسته.

 وتوصي دار الإفتاء المصرية بعدم الانسياق وراء هؤلاء المُنَجِّمين الذين يجعلون الناس يتَعَلَّقون بغير الله تعالى، ويسيرون في ركب الخرافات والدجل، الذي يُورِد صاحبه المهالِك في الدنيا والآخرة.

وقال إنه من المقرر شرعًا حُرمة فعل الكَهَانةِ وامتناع إتيان هؤلاء والرجوعِ إلى قولِهم وتصديقِهم فيما يدَّعُونه، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا﴾ [النساء: 51]. قال الإمام السيوطي في "الإكليل" (ص: 93، ط. دار الكتب العلمية): [في الآية ذم السِّحر والساحر والكهانة والكاهن ومصدقهما وأنه ملعونٌ] اهـ.

وجاء عن صفية رضي الله عنها، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيلَةً» أخرجه مسلم في "صحيحه"، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أنزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"، وأخرجه الطبراني في "الأوسط" عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

أما علم الفلك أو الهيئة فهو مبنِيٌّ على الحسِّ والمشاهدة، إذ يتعلَّق بنواميس الكون، ورصد مواضع الأجرام السماوية وحركتها كالشمس والقمر والكواكب والنجوم، فهو علم نافِعٌ تقام عليه مصالح دنيوية كمعرفة الطرق والجهات، وبه ينتفع أهل الزراعة، وبه يُعرف أوائل الشهور وعدد السنين وفصول السنة، وتُقام عليه أيضًا مصالح دينية كتحديد مواعيد الصلاة والصيام والحج، كما يُعلم به جهة القبلة وغيرها من الأمور الشرعية، فصار لأجل ذلك من فروض الكفايات، وتأثم الأمة جميعًا لو عُدم مَن يعلمه؛ إذ يتَوَقَّف عليه جملةٌ من مصالح الدين والدنيا التي لا تتم إلا بمعرفته ودراسته.

وقد جاء الحديثُ في القرآن الكريم عن مطلوبية هذا العلم شرعًا، فقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ [الأنعام: 97]، وقوله تعالى: ﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل: 16]، وقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ [يونس: 5]، وقوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ [البقرة: 189].

وقد أجاز فقهاء المذاهب الأربعة الاعتماد على علم الفلك في تحديد مواقيت الصلاة وجهة القبلة وغيرها، وهو من الأدلة القطعيَّة التي اعتمدت عليها الأمة سلفًا وخلفًا. يُنظر: "حاشية رد المحتار" للعلامة ابن عابدين الحنفي (1/ 430 وما بعدها، ط. دار الفكر)، و"مواهب الجليل" للإمام الحطَّاب المالكي (2/ 388، ط. دار الفكر)، و"أسنى المطالب" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (1/ 138، ط. دار الكتاب الإسلامي)، و"المغني" للإمام ابن قدامة الحنبلي (1/ 319، ط. مكتبة القاهرة).

وعلى ذلك: فعلم الفلك مطلوبٌ شرعًا لابتنائِهِ على قوانين قطعية مُستمدة من تسخير الله للكون، بعكس التنجيم القائم على ادِّعاء معرفة الأمور الغيبيَّة، سواء ما كان منها في الماضي أو الحاضر أو المستقبل، كما أنَّ المنجم يحاول أن يربط بين حركة النجوم والأفلاك وبين بعض الأحداث التي تجري على الأرض ارتباط الأثر بالمؤثِّر، ولا مؤثِّر في الكون إلا الله.

قال العلامة الخَطَّابي في "معالم السُّنن" (4/ 230، ط: المطبعة العلمية) معلِّقًا على حديث الباب: [أمَّا علم النجوم الذي يدرك من طريق المشاهدة والحسِّ الذي يعرف به الزوال ويعلم به جهة القبلة فإنه غيرُ داخلٍ فيما نهي عنه] اهـ.

search