الخميس، 06 مارس 2025

07:14 م

"ستيولا".. رؤية تأويلية بصرية في معرض صالحة المصري بدار الأوبرا

الثلاثاء، 18 فبراير 2025 07:15 م

إسراء علي

معرض صالحة المصري

معرض صالحة المصري

تحت عنوان "ستيولا"، افتتحت الفنانة الدكتورة صالحة المصري معرضها الجديد في قاعة صلاح طاهر بدار الأوبرا المصرية، الذي سيستمر حتى نهاية شهر فبراير 2025.

في هذا المعرض، تقدم الفنانة مجموعة من الأعمال الفنية التي تتنوع بين الجداريات الخزفية، لتعكس ارتباط الإنسان بموروثه الثقافي، والذي يشكل جزءًا أساسيًا من هويته وجذوره.

يعتبر معرض "ستيولا" بمثابة الحلقة الثانية في سلسلة معارض "كيراموس" التي بدأت الفنانة في يناير من العام الماضي، حيث تهدف من خلالها إلى إعادة إحياء التراث المصري القديم باستخدام تقنيات فنية معاصرة، وفي هذا المعرض تحديدًا، تركز على تطويع الدخان في مرحلة الاختزال، حيث يتم إضافة بعد جمالي وفني على القطع الخزفية التقليدية، مما يضفي عليها نوعًا من الأصالة والمعاصرة في آن واحد.

تتسم الأعمال التي تقدمها صالحة المصري بتفاصيل فنية عميقة، حيث استلهمت تصميم القطع الفخارية من حضارات ما قبل الأسرات، مثل حضارة مرمدة بني سلامة، حضارة دير تاسا، حضارة البداري، وحضارة نقادة بمراحلها الثلاث، بالإضافة إلى حضارة المعادي.

هذه الحضارات التي تمتاز بعراقتها وتميزها الفني كانت المصدر الرئيسي للأشكال و الرموز التي استخدمتها الفنانة في أعمالها.

تعد الألوان الترابية التي تعتمد عليها صالحة المصري عنصرًا أساسيًا في أعمالها، حيث تمثل ألوان الأرض التي تنبع من تاريخ تلك الحضارات العريقة.

ولكن ما يميز المعرض هو استخدام الفنانة للمساحات والنقوش التي تستدعي الأواني الفخارية القديمة، و مع ذلك، فإن النقوش التي اعتمدت عليها الفنانة لم تقتصر على التقليدية بل تجاوزتها لتأخذ طابعًا معاصرًا، مستوحاة من الخط المسماري والخطوط الأخرى الخاصة بحضارات الشرق الأدنى.

على الرغم من التمسك القوي بالمرجعيات التاريخية، فإن صالحة المصري تضيف أبعادًا مفاهيمية حديثة على أعمالها، تستخدم الخطوط الكتابية كعنصر تشكيلي، ما يعكس تأثيرات المدارس الفنية الغربية مثل التجريدية الحروفية في القرن العشرين.

هذه الخطوط لم تعد تقتصر على معاني لغوية، بل أصبحت عنصرا جماليًا يضاف إلى القطعة الفنية، وبهذا، تظهر أعمال الفنانة كقطع فنية تشكّل مزيجًا بين الماضي والحاضر، حيث تخلق تفاعلًا بين الزمان والمكان، بين التراث والجديد.

إن الفكرة الأساسية التي يستند إليها المعرض تكمن في آنية "ستيولا" المقدسة لدى المصريين القدماء، حيث كانت تمثل المياه الأزلية التي تدخل في عملية الخلق.

قد خصصت الفنانة لهذه الرمزية الاهتمام الكبير، فاختارت أن تكون هذه الآنية مصدرًا لإلهامها، معتبرةً أن ارتباط الإنسان بموروثه الثقافي يشكل الأساس في تحديد هويته، هذا الارتباط يتجلى بشكل واضح في تصميماتها الفنية التي تحاكي تاريخًا طويلًا من الحضارات.

وقد اعتمدت الفنانة على تنسيق قطعها الخزفية في فضاء المعرض بطريقة تسمح للزوار بالتفاعل مع الأعمال الفنية بشكل غامر.

يعمل هذا التنسيق على خلق بيئة تفاعلية، حيث يتمكن الزوار من التفاعل مع القطع الفنية والتأمل في معانيها وجمالياتها، ما يتيح لهم تجربة غنية وفريدة.

من خلال هذا المعرض، تسعى صالحة المصري إلى تقديم قراءة معاصرة لفخار عصر ما قبل الأسرات، بعيدًا عن وظيفتها الأصلية، لتحويلها إلى رموز جمالية معاصرة تعكس مفاهيم جديدة. كما أن المعرض يعكس قدرة الفنانة على تطويع التراث بأساليب فنية حديثة، مبرزةً الأبعاد الثقافية والجمالية لقطعها الفنية.

في النهاية، يبرز معرض "ستيولا" كواحدة من التجارب الفنية التي تتجاوز التصنيفات التقليدية وتقدم للجمهور نظرة جديدة لمفردات التراث والفن المصري القديم. من خلال هذا المعرض، تثبت صالحة المصري قدرتها على دمج الأصالة مع الحداثة، وعلى تحويل التراث إلى لغة بصرية معاصرة قادرة على التأثير والإلهام.

search