الثلاثاء، 04 مارس 2025

08:11 م

كيف يتوضأ رائد الفضاء حتى يمكنه أداء الصلاة؟.. مفتي الجمهورية يبين الحكم

السبت، 15 فبراير 2025 01:53 م

السيد الطنطاوي

رائد فضاء

رائد فضاء

قال الدكتور نظير عياد مفتي الجمهورية، إنّ تطهُّر رائد الفضاء يختلف باختلاف حاله، فإن قدر على استعمال الماء بأن كان واجدًا له فائضًا عن حاجته قادرًا على وضع قطرات الماء على أعضاء الوضوء أو الاغتسال بحيث تغمرها؛ لزمه التطهُّر به بإمراره على الأعضاء، وإن عجز عن استعمال الماء لاحتياجه إليه، أو كان فائضًا عن حاجته لكن تعذر غمر الأعضاء بقطرات الماء وجريانه عليها لزمه التيمم، بضرب باطن كفيه ضربتين على أي شيء وجد معه من جنس الأرض مما تيسر له؛ كالتراب الطاهر أو الحجر أو غيرهما، ويمسح بالضربة الأولى وجهه، وبالثانية: يديه إلى المرفقين، وإن تعذر عليه كل ذلك صلى بحسب حاله دون تطهر، وصلاته صحيحة، ولا تلزمه إعادتها.

 

من إبداع الله تعالى أن جعل لكل عالَم من العوالم نُظُمَه وقوانينه 

وأضاف فضيلة مفتي الجمهورية: افتتح القرآن الكريم أولى آياته بقوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: 2]، ليؤكد أن هناك عوالم أخرى غير ذلك العالَم الأرضي الذي نعيش فيه، ومن إبداع الله تعالى في خلقه أن جعل لكل عالَم من هذه العوالم نُظُمَه وقوانينه التي تختص به وتختلف عن غيره، بحيث لا يسع مخلوقات عالَمٍ العيشُ في عالَم آخر غير ما خُلقت له إلا بالتجهُّز له بما يناسب ظروفه البيئية والمناخية، ومن هذه العوالم التي كشف العلم عن بعض نظمها وقوانين جريانها، وتمكن الإنسان من التجهز للعيش بها ولو لفترات قصيرة عالَم الفضاء، والذي يبدأ حيث ينتهي الفضاء الجوي لسماء الأرض بمسافة تزيد في ارتفاعها عن 100 كيلو متر عن سطح البحر والذي اختار المتخصصون أن يكون حده وبدايته خط "كارمان" من الغلاف الجوي؛ حيث تتغير عنده القوانين الفيزيائية، بحيث كلما ازداد الإنسان في الارتفاع عنه قلَّتِ الجاذبية وانعدم الأكسجين وصعب عليه التنفس دون أن يكون معه مضخات كافية لإنتاج الأكسجين، كما يختل تقدير الوقت وتتفاوت العلامات الدالة عليه، ويظل الإنسان في حالة من عدم الاتزان والسقوط الدائم حول كوكب الأرض مما يجعله يدور حولها، حتى إنه يكمل دورة كاملة كل 90 دقيقة تقريبًا.

وقال فضيلة المفتي: قد تمكن الإنسان بما حباه الله تعالى من العقل والعلم من إعداد مركبة تسير وتسبح في الفضاء، وهي محطة الفضاء الدولية، وقد زودت بكل ما يمكِّن الإنسان من العيش داخلها -من مضخات الأكسجين وأجهزة التحكم في ضغط الجو، وما يحتاج إليه من الطعام والشراب-، بيد أنه يراعى في تناوله للطعام والمياه الظروف المناخية والفيزيائية المحيطة به، فيلتزمون بأنواع معينة من الطعام المجفف الذي لا يلزم من تناوله تفتت جزيئاته وتناثرها في الجو، وكذلك يراعى أن كثافة المياه في الفضاء لا تزيد عن كثافة الهواء كما هو الحال في كوكب الأرض، فالمياه هناك عند إطلاقها لا تسقط ولا تجري للأسفل، بل تتطاير وتتناثر في الجو كفقاعات في الهواء، فيتناولها عن طريق أقماع مخصصة بها أنبوب تسري منها المياه إليه دون أن يخالط الهواء، كما أنه عند التنظيف يضع قطرات الماء على قطعة من القماش (فوطة) ويمسح بها على أعضائه، حتى لا تتناثر في جو المركبة فتحدث ضررًا بالمركبة.

أما العيش خارج المركبة الفضائية فيتطلب أن يكون مرتديًا بدلة فضائية واقية مزودة بوسائل الحماية من الظروف القاسية في الفضاء الخارجي، كالأكسجين وغيره من وسائل حماية جسده من الضغط الجوي، وانخفاض وارتفاع درجات الحرارة، والإشعاعات الضارة، كما أفاد ذلك المتخصصون في علوم الفضاء.

كيفية طهارة رائد الفضاء وصلاته وهو في الفضاء الخارجي

وقال فضيلته: وبخصوص كيفية طهارة رائد الفضاء من الحدثين الأصغر والأكبر حتى يؤدي الصلاة، وما يلقاه في عالم الفضاء من اختلال القوانين الفيزيائية والطبيعية، فإنه لا يخرج عن أحوال ثلاث:
الحالة الأولى: أن يكون واجدًا للماء، فائضًا عن حاجته، قادرًا على وضع قطرات الماء على أعضاء الوضوء بحيث تغمرها، وحينئذٍ تلزمه الطهارة بالماء، ولا يضره عدم جريان الماء بنفسه أو تقطيره وانفصاله عن الأعضاء، بسبب فقدان الجاذبية وانخفاض كثافة الهواء؛ إذ العبرة في صحة الطهارة إيصال الماء إلى الأعضاء وجريانه عليها وغمره لها ولو بفعل الإنسان نفسه، كما هو قول جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة وأبي يوسف من الحنفية، خلافًا للحنفية في ظاهر الرواية الذين ذهبوا إلى اشتراط التقطير والانفصال.

ولزوم الطهارة باستعمال الماء حينئذ؛ لأنها الأصل، ولا يُنتقل عن الأصل إلى البدل وهو التيمم إلا في حالة العجز عن استعمال الماء بفقده أو عدم القدرة على استعماله، فلما وجده وقدر على استعماله كان ذلك هو الأصل الذي عليه العمل به.

يدل على ذلك ما أخرجه الدَّارَقُطْنِي والبَيْهَقِي عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ إِلَى عَشْرِ سِنِينَ فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمْسِسْهُ جِلْدَكَ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ».

قال العلامة ابن القَصَّار في "عيون الأدلة" (1/ 247، ط. مكتبة الملك فهد): [قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي ذر: «فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمْسِسْهُ جِلْدَكَ» إنما يتوجه إلى ما ظهر من الجلد، وهو الذي يمكنه إمساسه بالماء الذي يكون في يده، ويُسمَّى به غاسلًا] اهـ. والمماسة قد تحصل بجريان الماء بنفسه أو بإمراره باليد.

وقال العلامة الكاساني في "بدائع الصنائع" (1/ 3، ط. دار الكتب العلمية): [الغسل هو إسالة المائع على المحل، والمسح هو الإصابة، حتى لو غسل أعضاء وضوئه، ولم يسل الماء، بأن استعمله مثل الدهن، لم يجز في ظاهر الرواية، وروي عن أبي يوسف أنه يجوز] اهـ.

وقال العلامة ابن أمير الحاج في شرح "منية المصلي" (ص: 47، ط. دار الكتب العلمية): [ولفظ "الروضة": وإن أمرَّ الماء على وجهه وعلى مواضع الوضوء في المغسولات، ولم يسل جاز في قول أبي يوسف.. ثم بهذا ظهر أن محل الخلاف إنما هو في تفسير الغسل، فأبو يوسف على هذه الرواية يقول: هو مجرد بَلِّ المحل بالماء كما صرح به في "التحفة"] اهـ.

وقال الشيخ عِلِّيش في "منح الجليل" (1/ 92، ط. دار الفكر): [والشرط جريان الماء من أول العضو إلى آخره، لا سيلانه عنه، ولا تقاطره منه] اهـ.

وقال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (1/ 436، ط. دار الفكر): [أجمع العلماء على أن الجنب لو مسح بدنه بالماء وكرر ذلك لا ترتفع جنابته بل يشترط جري الماء على الأعضاء] اهـ.

وقال العلامة البُهُوتي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 87، ط. عالم الكتب): [والإسباغ: تعميم العضو بالماء، بحيث يجري عليه، فلا يكفي مسحه ولا إمرار الثلج عليه، ولو ابتل به العضو إن لم يذب ويجري عليه] اهـ.

ونظير ذلك ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من جواز التطهر بالثلج إذا كان رخوًا يمكن جريانه على العضو مع فقده شرط الإسالة والانفصال بنفسه، حالة عدم القدرة على إذابته وتحويله إلى ماء سائل، فإذا كان ذلك جائزًا في الثلج، فمن باب أولى جوازه في الماء الذي فقد بعض خواصه لا كلها، كالتقطير دون رخاوته وإمكان جريانه على العضو.

قال العلامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/ 3): [لو توضأ بالثلج، ولم يقطر منه شيء لا يجوز، ولو قطر قطرتان، أو ثلاث، جاز لوجود الإسالة، وسئل الفقيه أبو جعفر الهندواني عن التوضؤ بالثلج، فقال: ذلك مسح، وليس بغسل، فإن عالجه حتى يسيل يجوز] اهـ.

والماء في الفضاء لم يتجمد ليصير ثلجًا، فهو ما زال ماء لكنه في هيئة قطرات متماسكة رخوة لا تجري من تلقاء نفسها لفقدان الجاذبية، لكن إذا ضغطها الإنسان بيده تمددت واتسع قطرها لتشمل مساحة أكبر من العضو المستخدمة عليه، وهو ما يجعلها تقترب من التقطير الذي اتفق الأحناف على إجزاء التطهر به.

وقال العلامة أبو بكر ابن العربي المالكي في "المسالك في شرح مُوَطَّأ مالك" (2/ 60، ط. دار الغرب الإسلامي): [والْجَمْدُ إذا ذاب جاز التَّوضؤُ به، وإن توضَّأ به على صفته، فعلى وجهين: إنْ كان رخوًا يجري على الأعضاء ماؤه صَحَّ، وإن كان صلْبًا لا يذوب لم يصحَّ] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (1/ 81): [إذا استعمل الثلج والبَرَد قبل إذابتهما فإن كان يسيل على العضو لشدة حر وحرارة الجسم ورخاوة الثلج صح الوضوء على الصحيح وبه قطع الجمهور لحصول جريان الماء على العضو، وقيل: لا يصح لأنه لا يسمى غسلًا... وحكى أصحابنا عن الأوزاعي جواز الوضوء به وإن لم يسل ويجزيه في المغسول والممسوح] اهـ. والماء في الفضاء يمكن جريانه على العضو بفعل المتطهر، وإذا أجيز استعمال الثلج قبل إذابته فالماء السائل من باب أولى.

وقال العلامة ابن مُفْلِح الحنبلي في "الفروع" (1/ 297، ط. مؤسسة الرسالة): [وإن وجد ثلجًا وتعذر تذويبه لزمه مسح أعضاء وضوئه في المنصوص] اهـ.

وبذلك يعلم أن رائد الفضاء إذا أراد التطهر من الحدث الأصغر أو الأكبر وقدر على استعمال الماء لزمه ذلك، ويكفيه حينئذٍ تمرير جزيئات الماء على موضع الطهارة حتى يغلب على ظنه أنه قد غسل ما يجب غسله ومسح ما يجب مسحه.

الحالة الثانية: أن يكون الماء موجودًا لكنه ليس فائضًا عن حاجة رائد الفضاء، أو كان فائضًا عن حاجته لكن تعذر غمر الأعضاء به وجريانه عليها؛ لتناثر قطرات الماء وعدم ثباتها على الأعضاء، ولا يمكن إيصالها إلى الأعضاء إلا من خلال قطعة من القماش (فوطة) يمسح بها الرائد على الأعضاء، فحينئذ يلزمه التيمم؛ لعموم قوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [المائدة: 6]، ولأن إيصال البلل إلى الأعضاء بالقماش (الفوطة) يعدُّ من قبيل المسح لا الغسل، وشرط صحة الطهارة بالماء غسل ما يجب غسله من الأعضاء، فإذا تعذر الغسل وجب التيمم.

والتيمم ضربتان بباطن الكفين على أي شيء من جنس الأرض -على المختار للفتوى-؛ كالتراب الطاهر أو الحجر أو الرخام أو غير ذلك، يمسح المتيمم بالضربة الأولى وجهه، وبالثانية: يديه إلى المرفقين، ويدل على جواز التيمم حينئذ قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [المائدة: 6].

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ» أخرجه الطَّبَرَانِي في "المعجم الكبير"، والدَّارَقُطْنِي والبَيْهَقِي في "السنن"، والحاكم في "المستدرك".

قال العلامة ابن نُجَيْم في "البحر الرائق" (1/ 159، ط. دار الكتاب الإسلامي): [التيمم إنما يجوز ويعتبر في الشرع عند عدم الماء حقيقةً أو حكمًا] اهـ.

وقال الإمام ابن عبد البر في "الاستذكار" (1/ 303، ط. دار الكتب العلمية): [وأجمع العلماء بالأمصار بالمشرق والمغرب -فيما علمتُ- أن التيمم بالصعيد عند عدم الماء: طهورُ كل مسلم مريض أو مسافر، وسواء كان جنبًا أو على غير وضوء] اهـ.

الحالة الثالثة: أن يعجز عن استعمال الماء والتيمم، وحكمه حينئذٍ حكم فاقد الطهورين [الماء، والصعيد الطاهر]، وقد اختلف الفقهاء فيما يلزمه على أقوال:

فذهب الحنفية في المفتى به عندهم إلى أنه يتشبه بالمصلي في أداء الصلاة مراعاة لحرمة الوقت، ثم يعيد الصلاة متى قدر على التطهر.

قال العلامة الحَصْكَفِي الحنفي في "الدر المختار" (ص: 17، ط. دار الكتب العلمية): [وأما فاقد الطهورين، ففي الفيض وغيره أنه يتشبه عندهما، وإليه صح رجوع الإمام، وعليه الفتوى] اهـ.

وقال العلامة ابن عابدين في حاشيته عليه "رد المحتار" (1/ 80، ط. دار الفكر): [(قوله: وأما فاقد الطهورين) هذا رد من الشارح للدعوى الوسطى ط. (قوله: يتشبه) أي: بالمصلين وجوبًا، فيركع ويسجد إن وجد مكانًا يابسًا، وإلا يومئ قائمًا ثم يعيد] اهـ.

وذهب المالكية في المعتمد إلى أنه لا يصلي ولا يقضي، وأنه غير مخاطب بالصلاة، وقيل: يصلي على حاله ولا يعيد، وقيل: يصلي ويقضي، وقيل: لا يصلي ويقضي.

قال الإمام اللَّخْمِي المالكي في "التبصرة" (1/ 203، وزارة الأوقاف بقطر): [واختُلِفَ فيمن لم يجد ماءً ولا وجد للصعيد سبيلًا على أربعة أقوال: فذهب مالك وابن نافع إلى أنه غير مخاطب بالصلاة في الوقت ولا بالقضاء بعد الوقت. وقال أشهب: يصلي ولا يقضي. وقال ابن القاسم: يصلي ويقضي وإن ذهب الوقت. وقال أصبغ: لا يصلي ويقضي] اهـ.

وقال العلامة الصاوي المالكي في "حاشيته على الشرح الصغير" (1/ 75، ط. الحلبي): [وتسقط الصلاة بفقد الطهورين، أو القدرة على استعمالهما): المذهب: أن فاقد الطهورين -وهما الماء والتراب- أو فاقد القدرة على استعمالهما -كالمكره والمصلوب- تسقط عنه الصلاة أداءً وقضاءً كالحائض] اهـ.

وذهب الشافعية إلى لزوم أن يصلي على حسب حاله مع وجوب الإعادة.

قال الإمام النووي الشافعي في "فتاويه" (ص: 29، ط. دار البشائر الإسلامية): [إذا لم يجد ماءً ولا ترابًا، ففيه أربعة أقوال: الصحيح أنه تلزمه الصلاة على حسب حاله، وتجب إِعادتها] اهـ.

أما الحنابلة فالمذهب عندهم لزوم الصلاة على حاله ولا تجب الإعادة.

قال العَلَّامة علاء الدين الـمَرْدَاوي في "الإنصاف" (1/ 282-283، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله: (ولو عدم الماء والتراب صلى على حسب حاله)، الصحيح من المذهب: وجوب الصلاة عليه والحالة هذه، فيفعلها وجوبا في هذه الحالة. وعليه الأصحاب... قوله: (وفي الإعادة روايتان) وأطلقهما في "الجامع الصغير"، و"الهداية"، و"المذهب"، و"مسبوك الذهب"، و"الكافي"، و"المحرر"، و"ابن تميم"، وغيرهم. إحداهما: لا يعيد، وهو المذهب] اهـ.

وقال العَلَّامة أبو السَّعادات البُهُوتي في "كشاف القناع" (1/ 171): [(ومن عُدِم الماء والتراب، أو لم يمكنه استعمالهما) أي: الماء والتراب (لمانعٍ) (كمن به قروح لا يستطيع معها مس البشرة بوضوء ولا تيمم؛ صلى) الفرض فقط (على حسب حاله وجوبًا)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»؛ ولأن العجز عن الشرط يوجب ترك المشروط، كما لو عجز عن السترة والاستقبال. (ولا إعادة)؛ لما روي عن أم المؤمنين عائشة أنها استعارت من أسماء قلادةً فضَلَّتْها، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالًا في طلبها، فوجدوها، فأدركتهم الصلاة، وليس معهم ماء فصلوا بغير وضوء فشكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله آية التيمم. متفق عليه، ولم يأمرهما بالإعادة، ولأنه أحد شروط الصلاة، فسقط عند العجز كسائر شروطها] اهـ.

والمختار للفتوى: أنه يصلي على حاله ولا تلزمه الإعادة؛ تيسيرًا ورفعًا للحرج عنه، ولعموم قول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلدِّينِ مِنۡ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» أخرجه الإمام البخاري.

الخلاصة

وتابع: بناءً على ذلك وفي السؤال: فإنَّ تطهُّر رائد الفضاء يختلف باختلاف حاله، فإن قدر على استعمال الماء بأن كان واجدًا له فائضًا عن حاجته قادرًا على وضع قطرات الماء على أعضاء الوضوء أو الاغتسال بحيث تغمرها؛ لزمه التطهُّر به بإمراره على الأعضاء، وإن عجز عن استعمال الماء لاحتياجه إليه، أو كان فائضًا عن حاجته لكن تعذر غمر الأعضاء بقطرات الماء وجريانه عليها لزمه التيمم، بضرب باطن كفيه ضربتين على أي شيء وجد معه من جنس الأرض مما تيسر له؛ كالتراب الطاهر أو الحجر أو غيرهما، ويمسح بالضربة الأولى وجهه، وبالثانية: يديه إلى المرفقين، وإن تعذر عليه كل ذلك صلى بحسب حاله دون تطهر، وصلاته صحيحة، ولا تلزمه إعادتها. والله سبحانه وتعالى أعلم.

search