الأربعاء، 05 مارس 2025

03:23 ص

الإسماعيلية النزارية: تاريخ النشأة، الانتشار، والعلاقة بالحشاشين ومصر

الإثنين، 10 فبراير 2025 09:34 ص

محمد عماد

الطائفة الإسماعيلية النزارية

الطائفة الإسماعيلية النزارية

تُعد الطائفة الإسماعيلية النزارية إحدى الفِرَق الشيعية البارزة التي انبثقت عن الإسماعيلية بعد الخلاف حول خلافة الخليفة الفاطمي المستنصر بالله عام 1094م. ورغم أن جذورها تمتد إلى القرن الثامن الميلادي، فإنها اتخذت طابعًا سياسيًا وعسكريًا بارزًا، خصوصًا في عهد حسن بن الصباح.

 في هذا التقرير، نستعرض تاريخ نشأتها، انتشارها، علاقتها بمصر، ودورها في حركة "الحشاشين" التي أرعبت العالم الإسلامي والمسيحي في العصور الوسطى، إلى جانب أنشطتها المعاصرة.

أصول الطائفة الإسماعيلية النزارية

وفقًا للمؤرخ الإسماعيلي جعفر بن منصور اليمن، فإن الإسماعيلية تعود إلى القرن الثامن الميلادي عندما انشق أتباع الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق عن التيار الشيعي الرئيسي، مكوِّنين مذهبًا جديدًا يُؤمن بالإمامة المستمرة في نسل إسماعيل. لاحقًا، برزت الدولة الفاطمية في القرن العاشر، وأصبحت القاهرة مركزًا رئيسيًا للدعوة الإسماعيلية، لكنها شهدت انقسامًا حادًا بعد وفاة الخليفة المستنصر بالله عام 1094م.

يذكر المقريزي في كتابه اتعاظ الحنفاء أن الخلافة الفاطمية انقسمت حينها إلى جناحين:

  • الإسماعيلية المستعلية التي تبعت المستعلي بالله، الابن الأصغر للمستنصر، واحتفظت بالسلطة في القاهرة.
  • الإسماعيلية النزارية التي ناصرت الابن الأكبر، نزار بن المستنصر، معتبرة إياه الإمام الشرعي، وقد انتقل أتباعه إلى فارس والشام، بعيدًا عن الحكم الفاطمي في مصر.

وقد ارتبطت الطائفة النزارية بمصر منذ نشأتها، إذ أسسها الإمام الأول حسن بن الصباح ولاءً لنزار، الذي أقصاه شقيقه الأصغر المستعلي بالله عن الحكم، فحمل أتباعه اسمه، وأصبحوا يُعرفون بالطائفة الإسماعيلية النزارية.

حسن بن الصباح: مؤسس الدولة النزارية في فارس

يُعد حسن بن الصباح الشخصية الأكثر تأثيرًا ودموية في التاريخ المبكر للإسماعيلية النزارية، وهو الذي حوَّلها إلى قوة عسكرية مستقلة. بحسب ابن الأثير في الكامل في التاريخ، فإن حسن اعتنق المذهب الإسماعيلي أثناء رحلاته إلى القاهرة، لكنه بعد وفاة المستنصر بالله، رفض المستعلية، وتوجه إلى فارس لنشر الدعوة النزارية.

في عام 1090م، استولى حسن بن الصباح على قلعة ألموت، التي أصبحت المركز الرئيسي للدولة الإسماعيلية النزارية، وتمكن عبر استراتيجية تعتمد على الاغتيالات الدموية المستهدفة والتكتيكات السرية من فرض نفوذ واسع، مما أدى إلى ظهور تسمية "الحشاشين".

 

علاقة النزارية بالحشاشين: أسطورة أم حقيقة؟

أحد أكثر الجوانب المثيرة للجدل في تاريخ الإسماعيلية النزارية هو ارتباطها بمجموعة "الحشاشين" الدموية ، وهو لقب أُطلق على أتباع حسن بن الصباح الذين مارسوا أسلوب الاغتيالات السياسية.

يذكر الرحالة الإيطالي ماركو بولو في مذكراته أن حسن بن الصباح كان يستخدم الحشيش للتأثير على أتباعه وإقناعهم بتنفيذ عمليات اغتيال، لكن العديد من المؤرخين، مثل برنارد لويس، شككوا في صحة هذه الرواية، معتبرين أن اسم "الحشاشين" ربما كان مجرد تحريف من الأوروبيين لكلمة "الحشيشية" التي تعني "الأتباع المخلصين" بالفارسية.

بغض النظر عن صحة الأسطورة، فإن الوقائع التاريخية تؤكد أن النزارية نفَّذت العديد من الاغتيالات السياسية ضد قادة المسلمين، مثل الوزير السلجوقي نظام الملك عام 1092م، وحتى ضد الصليبيين، مثل ريموند الثاني أمير طرابلس عام 1152م.

الانتشار الجغرافي للإسماعيلية النزارية

بعد تأسيس قاعدتها في فارس، توسعت الدعوة النزارية إلى مناطق متعددة، منها:

  • الشام: حيث أسس أتباعها قلاعًا مثل مصياف، القدموس، والكهف. وكان راشد الدين سنان قائدًا بارزًا في هذه المنطقة، وقد اشتهر بمحاولاته اغتيال القائد الصليبي كونراد دي مونتفرات عام 1192م.
  • الهند وآسيا الوسطى: خلال العصور الوسطى، انتقل العديد من الإسماعيليين إلى الهند، حيث أصبحوا جزءًا من النسيج الاجتماعي والتجاري في المجتمعات المحلية.
  • شرق أفريقيا: استقر النزاريون في كينيا وتنزانيا وزنجبار، حيث استمر تأثيرهم الديني والاقتصادي حتى اليوم.

 

علاقة النزارية بمصر: التأثير التاريخي والمعاصر

إلى جانب العلاقة التاريخية والروحية مع القاهرة، التي بناها الخليفة الفاطمي الرابع المعز لدين الله الفاطمي عام 969 ميلادية، شهدت مصر في العصر الحديث وجودًا واضحًا للطائفة الإسماعيلية النزارية.

في الخمسينات، اختار الإمام الثامن والأربعون للطائفة، محمد شاه الحسيني، محافظة أسوان للإقامة بها فترة للعلاج من الروماتيزم، بعد التصريح له بذلك من الحكومة المصرية  وتزوج هناك الفرنسية البيجوم أم حبيبة، وبنى مقبرته في الجبل الغربي على الطراز الفاطمي، والتي أصبحت مزارًا لأتباع الطائفة قبل إغلاقها بالاتفاق مع الحكومة المصرية.

واشتهر الآغا خان الرابع، الزعيم الروحي الراحل للطائفة، بأعماله الخيرية والتنموية من خلال شبكة الآغا خان للتنمية، التي تأسست عام 1967، وتوظف حاليًا أكثر من 80 ألف شخص في مشاريع تشمل بناء المدارس والمستشفيات وتوفير الكهرباء في مناطق فقيرة بأفريقيا وآسيا.

المشاركة في تطوير القاهرة التاريخية

في مصر، تجلَّى وجود الطائفة الإسماعيلية النزارية عبر مشاريع تنموية وثقافية، من أبرزها:

  • حديقة الأزهر، التي نفذتها مؤسسة الآغا خان.
  • ترميم مسجد الأمير آق سنقر (الجامع الأزرق)، الذي تضرر من زلزال 1992.
  • ترميم مجمع خاير بيك في الدرب الأحمر، بتمويل من المؤسسة.
  • إعادة تأهيل جزء من السور الأيوبي الشرقي للقاهرة، بتكلفة بلغت 20 مليون جنيه.

وفي 2018، شارك النزاريون في تنفيذ مسار سياحي يربط بين 12 موقعًا أثريًا في منطقة الدرب الأحمر، بالشراكة مع الحكومة المصرية وصندوق الاتحاد الأوروبي، وافتُتح رسميًا في فبراير 2023.

الوضع الحالي للإسماعيلية النزارية

اليوم، تُقدَّر أعداد أتباع الإسماعيلية النزارية بالملايين، وهم منتشرون في أنحاء متعددة من العالم، أبرزها:

  • الهند وباكستان
  • إيران وأفغانستان
  • شرق أفريقيا
  • أوروبا وأمريكا الشمالية

ولا يزال آغا خان الرابع يشرف على العديد من المبادرات الثقافية والاقتصادية، مما يجعل الطائفة أحد أكثر الفروع الإسماعيلية تأثيرًا عالميًا.

 

تمثل الطائفة الإسماعيلية النزارية أحد أبرز الفروع الشيعية التي أثرت في التاريخ الإسلامي، سواء من خلال علاقتها بالدولة الفاطمية، ارتباطها بالحشاشين، أو دورها التنموي في العصر الحديث. ولا يزال إرثها ممتدًا حتى اليوم في مجتمعات مختلفة حول العالم.


في ذكرى سقوط بغداد: حينما دُمرت عاصمة الخلافة العباسية بيد المغول

حدث في مثل هذا اليوم 10 فبراير سقوط بغداد علي يد المغول

مسلسل مصطفى شعبان رمضان 2025.. دراما صعيدية مشوقة في "حكيم باشا"

search