التصعيد في شرق الكونغو الديمقراطية: صراع معقد أم أجندة خفية؟
الخميس، 30 يناير 2025 01:20 م
محمد عماد
جمهورية الكونغو الديمقراطية
تتفاقم الأزمة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية مع التقدم السريع لحركة "إم 23" المسلحة، التي بسطت سيطرتها على الجزء الأكبر من مدينة غوما، عاصمة إقليم شمال كيفو، وسط اتهامات مباشرة لرواندا بدعم المتمردين.
وبينما تبدو قوات الجيش الكونغولي عاجزة عن وقف التوغل، تتزايد المخاوف من أن يؤدي هذا التصعيد إلى مزيد من عدم الاستقرار في منطقة البحيرات العظمى، التي تعاني من أزمات مزمنة منذ عقود.
وأكدت مصادر أمنية لوسائل إعلام غربية أن الحركة المسلحة، التي بدأت هجومها الأخير قبل أيام، تمكنت من إحكام قبضتها على المطار وأجزاء واسعة من المدينة، في ظل انسحاب القوات الحكومية. وأفادت تقارير إعلامية بأن مقاتلي "إم 23"، الذين يرفعون شعارات مرتبطة بإثنية التوتسي، يسيطرون الآن على مقرات الحكومة المحلية، في خطوة تعزز موقفهم التفاوضي ضد حكومة الرئيس فيليكس تشيسكيدي.
قد يهمك: شرق الكونغو: مئات الآلاف يفرون والاحتجاجات تشتعل ضد السفارات
أزمة إنسانية تتفاقم مع استمرار القتال
مع تصاعد العنف، شهدت غوما موجة نزوح جماعي، حيث اضطر عشرات الآلاف من السكان إلى مغادرة منازلهم خوفًا من القتال، بينما امتلأت المستشفيات بالمصابين وسط نقص حاد في الإمدادات الطبية. وأفادت تقارير محلية بأن أكثر من 100 شخص قتلوا خلال الأيام الماضية، بينهم مدنيون وأفراد من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، فضلاً عن إصابة ما يقرب من ألف شخص بجروح متفاوتة.
وقال أحد الأطباء العاملين في مستشفى محلي لوكالة صحافة أوروبية: "هناك جثث لا تزال في الشوارع، وبعض المصابين لم يتمكنوا من الوصول إلى المراكز الطبية بسبب القتال العنيف". وتزداد المخاوف من أن يؤدي استمرار المعارك إلى كارثة إنسانية، في ظل صعوبة إيصال المساعدات إلى المتضررين.
اتهامات متبادلة بين كينشاسا وكيغالي
في الوقت الذي تتهم فيه الحكومة الكونغولية رواندا بدعم "إم 23" عسكريًا ولوجستيًا، تنفي كيغالي هذه المزاعم، وتؤكد أن هدفها الرئيسي هو التصدي لجماعة مسلحة أخرى تُعرف باسم "القوات الديمقراطية لتحرير رواندا"، والتي تتألف من مقاتلين من إثنية الهوتو، وتتهمهم رواندا بارتكاب جرائم إبادة جماعية خلال عام 1994.
لكن تحقيقات أممية وتقارير استخباراتية أشارت إلى أن رواندا نشرت آلاف الجنود داخل الأراضي الكونغولية، ووفرت الدعم العسكري المباشر لحركة "إم 23"، في محاولة لتعزيز نفوذها في المنطقة الغنية بالمعادن الثمينة، مثل الكوبالت والذهب، التي تعد من الموارد الأساسية في الصناعات التكنولوجية الحديثة.
وقال فانسان كاريغا، ممثل رواندا في منطقة البحيرات العظمى، إن "إم 23" لن تتوقف عند غوما، بل ستواصل تقدمها نحو مناطق أخرى ما لم يتم التوصل إلى اتفاق سياسي مع حكومة كينشاسا. وأضاف: "المسألة تتعلق بمشاركة السلطة أو السيطرة عليها بالكامل، وهذا يعتمد على المفاوضات القادمة".
قد يهمك: حركة "إم 23" في الكونغو الديمقراطية.. تمرد متجدد يقلب الموازين في شرق البلاد
فشل الوساطات وتزايد الضغوط الدولية
رغم الجهود الدبلوماسية المبذولة لإنهاء القتال، لم تنجح الوساطات الإقليمية والدولية في احتواء الأزمة حتى الآن. فقد ألغى الرئيس الكونغولي مشاركته في قمة دول شرق أفريقيا، التي كانت تهدف إلى إيجاد حل سياسي، بينما فشلت محاولة سابقة لأنغولا في التوسط بين الجانبين بعد رفض الرئيس الرواندي بول كاغامي الحضور.
في المقابل، تصاعدت الضغوط الدولية على رواندا لسحب قواتها من شرق الكونغو، حيث دعت الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى وقف التصعيد. وأجرى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو اتصالًا هاتفيًا مع كاغامي، حثه خلاله على الالتزام بوقف إطلاق النار وضمان سيادة الأراضي الكونغولية.
وخلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي، دعت وزيرة خارجية الكونغو المجتمع الدولي إلى "اتخاذ موقف حازم ضد رواندا"، محذرة من أن استمرار القتال قد يؤدي إلى إشعال نزاعات عرقية جديدة، تذكر بالمجازر التي شهدتها المنطقة في التسعينيات.
احتجاجات عنيفة في كينشاسا واستهداف السفارات
على وقع التصعيد العسكري، شهدت العاصمة الكونغولية كينشاسا احتجاجات غاضبة، حيث هاجم متظاهرون مباني عدد من السفارات الأجنبية، تعبيرًا عن غضبهم مما وصفوه بـ"تخاذل المجتمع الدولي" في وقف الفوضى في الشرق. وتعرضت سفارات فرنسا وبلجيكا والولايات المتحدة وكينيا وأوغندا وجنوب أفريقيا لهجمات، ما دفع السفارة الأميركية إلى دعوة مواطنيها لمغادرة البلاد فورًا.
وأدانت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي هذه الهجمات، داعية الحكومة الكونغولية إلى حماية البعثات الدبلوماسية، مع التأكيد على ضرورة إيجاد حل سلمي للأزمة المتصاعدة.
مخاوف من اندلاع حرب إقليمية شاملة
يرى محللون سياسيون أن استمرار القتال في شرق الكونغو قد يؤدي إلى حرب إقليمية واسعة النطاق، خاصة إذا قررت دول الجوار التدخل عسكريًا لدعم أحد الأطراف.
قد يهمك: الهند تعبر عن قلقها إزاء مشروع سد الصين الضخم في التبت
مستقبل الأزمة: هل يمكن تفادي الأسوأ؟
مع استمرار العمليات العسكرية، يبدو أن الأزمة في شرق الكونغو الديمقراطية مرشحة لمزيد من التعقيد، خاصة إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق سياسي سريع بين الأطراف المتنازعة. وبينما يطالب المجتمع الدولي بوقف إطلاق النار، تبدو حركة "إم 23" مصممة على توسيع نفوذها، وسط اتهامات متزايدة لرواندا بالسعي لتحقيق مكاسب استراتيجية في المنطقة.
في ظل هذه الأوضاع، تبقى الاحتمالات مفتوحة أمام عدة سيناريوهات، أبرزها استمرار القتال لفترة طويلة، ما قد يؤدي إلى مزيد من التدخلات الخارجية، أو نجاح الضغوط الدولية في إجبار الأطراف المتصارعة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. لكن في النهاية، يظل المدنيون هم الأكثر تضررًا، حيث يدفعون ثمن الصراع المستمر، في منطقة لم تعرف السلام منذ عقود.
نسخ الرابط للمقال
آخبار تهمك
سعر الدينار الكويتي أمام الجنيه المصري اليوم الأربعاء 5 فبراير 2025
05 فبراير 2025 04:54 ص
الكويت تواصل تنفيذ سياسة التكويت: إنهاء خدمات غير الكويتيين واستبدالهم بالمواطنين
05 فبراير 2025 04:41 ص
أكثر الكلمات انتشاراً