حسام عبد القادر: ذكريات صحفية.. حكايات مكتب أكتوبر ( 3 )
الأربعاء، 22 يناير 2025 05:45 م
حسام عبد القادر
"الصحافة ليست مجرد مهنة؛ إنها نافذة على العالم، ومغامرة نعيشها يوميا بكل تفاصيلها. خلف كل خبر أو مقال قصة، وخلف كل صورة حكاية مليئة بالتحديات والإلهام. في هذه السلسلة، سأفتح صفحات من دفتر ذكرياتي الصحفية، التي قد تكون مهمة للبعض وغير مهمة للبعض الآخر، وكل ما أستطيع الوعد به هو الصدق في كل ما سأكتب".
حكايات داخل مكتب أكتوبر (3)
بدأت العمل في أكتوبر بكل همة ونشاط، واستمريت في إرسال الأخبار في ظرف مغلق ألقيه يوميا تحت باب مكتب أكتوبر، ليتسلمه الأستاذ الكيلاني في صباح اليوم التالي، ومرت شهور، رغم قلتها إلا أنها كانت مليئة بالأحداث، حيث انضم صديقنا العزيز سامي خير الله –نائب رئيس تحرير الأهرام حاليا- ليكون ضمن فريق المتدربين، فأصبحنا أربعة، بالإضافة إلى محمد بدوي المصور، وكان هذا عددا كبيرا على مكتب فرعي لمجلة أسبوعية، وتشاء الأقدار أيضا أن يلتحق إبراهيم رضوان بالخدمة العسكرية ولم تكن إصابته مانعة في البداية من التحاقه، وتظل سلوى محمود مع سامي خير الله فقط بالمكتب، وأنا "من خلف الباب" حتى أن سامي لم يكن يعرفني عندما أنهيت الجيش وانضميت لهما.
ولكن ما زالت الأقدار تكتب كلمتها عندما يستمر إبراهيم رضوان بالجيش مدة ثلاثة شهور فقط، ويتم الكشف الطبي عليه من جديد هناك، ويجدون أنه يستحق الإعفاء، فيعود لينضم معنا، وكان خائفا أن يرفض الكيلاني ضمه من جديد لأن العدد أصبح كبيرا، إلا أن الكيلاني لم يرفض، وأصبحنا أربعة شباب يعدون القوة الضاربة لمجلة أكتوبر بالإسكندرية، ولا أبالغ أبدا عندما أقول أننا استطعنا بقيادة الكيلاني أن نقدم انفرادات صحفية وموضوعات لم تستطع الجرائد اليومية أن تقوم بها، وكان الجميع يستشهد بنا وبما يفعله شباب مجلة أكتوبر في الصحافة السكندرية.
ولا أنسى ابدأ التحقيق الصحفي الذي نشرناه عن انتشار القمامة بالإسكندرية، ونشرت صوره غلافا للمجلة، وأحدث انقلابا سياسيا كبيرا وتسبب في إقالة محافظ الإسكندرية الأسبق المستشار اسماعيل الجوسقي رحمه الله، وكنا اشتركنا جميعا في تنفيذ هذا التحقيق، وغيره كثير من التحقيقات والأخبار المتميزة والتي حققت انفرادات قوية للمجلة بالإسكندرية.
كان هناك تنافسا كبيرا بين أعضاء فريق الأربعة، ولكنه كان تنافسا شريفا، وكنا نساعد بعضنا البعض بالمعلومات ولم نكن نخفي على بعض أي معلومات مهمة، كنا أسرة واحدة بمعنى الكلمة، صنعنا ذكريات جميلة لا تنسى، أكلنا معا في طبق واحد، عانينا معا، كافحنا معا، كانت هناك محبة كبيرة بيننا تحت إشراف الأب والمدير محمد الكيلاني.
ولأن سلوى محمود كانت البنت الوحيدة بيننا، فكنا نطلق عليها "أخونا سلوى" وكنا أحيانا لا نتمكن من الحديث براحتنا كشباب بسبب وجود فتاة بيننا، فعلقنا يافطة على الحائط كتبنا عليها "لا مؤاخذة يا سلوى"، وكانت سلوى هي مخزن الأسرار الخاص بنا نحن الشباب الثلاثة "إبراهيم، حسام وسامي"، فكنا نذهب لسلوى لنحكي لها على مغامراتنا وقصصنا ونطلب منها النصيحة.
كان يهمني رضا الكيلاني عن الأخبار والموضوعات التي أقدمها ولا يهمني رضا رئيس التحرير، ولآخر لحظة رغم علاقتي الوطيدة جدا به رحمه الله، وصداقتي به كنت أخاف أن يغضب مني، كنت مستعد أن أخوض أي معارك مع أي رئيس لي في أي مكان، لكني لن أخوض معركة مع الكيلاني، وكان هذا مبدأ، وكنت دائما أحكي لأصدقائي أن لو أختلفت مثلا مع والدي أو أخي الأكبر، لن أستطيع الوقوف ضده أو الصراع معه، وهكذا كانت علاقتي بالكيلاني.
والغريب أننا كنا نكتشف أن ما يقوله تثبت صحته فيما بعد، وأضحك عندما أفعل ذلك مع أبنائي وتلامذتي، فيقولون لي أن كلامي دائما يطلع صحيح، واتذكر الكيلاني واتذكر كيف كنت دائما أفكر أنه يبالغ أو أكون غير مقتنع بكلامه ولكن بعد فترة يثبت لي صحته، خاصة آرائه في الناس.
واستطاع فريق الأربعة، أن يلفت النظر بقوة للوسط الصحفي بالإسكندرية، وحتى لدى المسؤولين، وكنا منتشرين بالإسكندرية بشكل كبير جدا، لا يوجد مكان لا يوجد به أحد منا، كنا نلف الإسكندرية على قدمينا من أجل الحصول على خبر قد لا ينشر في النهاية، ولا يوجد عندنا كلمة "خبر صعب" أو "لن نستطيع الحصول على هذا الخبر" أو هذه الشخصية صعب إجراء حوار معها، كل هذا الكلمات كانت غير موجودة في قاموسنا.
وتشهد سلة المهملات بمكتب أكتوبر كم الأخبار التي ألقيت بها وعليها اسمي، وكنت أدخل للكيلاني بعشرة أخبار ولو خرجت بخبرين مقبولين أكون سعيدا والباقي مكانه معروف.
حتى أنني كنت أذهب لشراء الورق بالكيلو من محل لبيع الورق في محطة مصر لأنه أرخص بدلا من شراء رزم، خاصة أنني استخدم كميات كبيرة، ولم يكن الكمبيوتر وقتها متاحا مثل الآن.
ولا أنسى مقولة مهمة جدا للأستاذ رجب البنا، الذي ترأس تحرير مجلة أكتوبر بعد الأستاذ صلاح منتصر، عندما قال في أحد اجتماعات مجلس التحرير بالقاهرة "أستطيع أن أصدر مجلة أكتوبر بالكامل من الإسكندرية"، وكانت شهادة كبيرة لنا نفتخر بها حتى يومنا هذا.
وفي زيارة من الزيارات للأستاذ رجب البنا إلى مكتب الإسكندرية، اجتمع مع الأستاذ الكيلاني، وناقش معه أمرنا، وطلب منه اختيار اثنين منا فقط، لأنه لن يستطيع تعيين أربعة في مكتب فرعي، صمت الكيلاني قليلا ثم رد عليه أنه لن يستطيع عمل ذلك، فهؤلاء شباب ولديهم طموح وصعب أن يختار منهم، وليكن من لديه صبر أكبر على العمل والاستمرار يتم تعيينه، ووافق الأستاذ رجب على ذلك، إلا أنهما لم يتوقعا أننا نحن الأربعة سنصبر ولن نتنازل عن الاستمرار، وهو ما أعجب الأستاذ رجب البنا جدا، فنحن نعمل كل هذا الجهد بدون مرتب، لأننا متدربين، ومع ذلك صامدين، ومستمرين في العمل بكل قوة.
وفي 1 يناير 1995 أصدر الأستاذ رجب البنا قرارا بتعييننا جميعا ومعنا زميلنا محمد بدوي، وكنا من فرحتنا غير مصدقين لهذا الخبر، والذي كان بداية جديدة لحياتنا جميعا.
وإلى فصل جديد من الذكريات في المقال القادم بإذن الله.
نسخ الرابط للمقال
آخبار تهمك
سعر الدينار الكويتي أمام الجنيه المصري اليوم الأربعاء 5 فبراير 2025
05 فبراير 2025 04:54 ص
الكويت تواصل تنفيذ سياسة التكويت: إنهاء خدمات غير الكويتيين واستبدالهم بالمواطنين
05 فبراير 2025 04:41 ص
استقرار سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الأربعاء 5 فبراير 2025
05 فبراير 2025 03:53 ص
قفزة جديدة في أسعار الذهب اليوم الأربعاء 5 فبراير 2025 وسط ارتفاع عالمي
05 فبراير 2025 03:43 ص
"أتون" المتخصصة في الأغذية الصحية تعتزم فتح سوق جديد لمنتجاتها في دبي
04 فبراير 2025 05:35 م
أكثر الكلمات انتشاراً