الأربعاء، 05 فبراير 2025

11:59 ص

حسام عبد القادر يكتب: ذكريات صحفية .. حكايات مكتب الأسكندرية (2)

الأربعاء، 15 يناير 2025 09:58 ص

حسام عبد القادر

الكاتب حسام عبد القادر

الكاتب حسام عبد القادر

"الصحافة ليست مجرد مهنة؛ إنها نافذة على العالم، ومغامرة نعيشها يوميًا بكل تفاصيلها. 

خلف كل خبر  أو مقال قصة، وخلف كل صورة حكاية مليئة بالتحديات والإلهام. 

في هذه السلسلة، سأفتح صفحات من دفتر ذكرياتي الصحفية، التي قد تكون مهمة للبعض وغير مهمة للبعض الآخر، وكل ما أستطيع الوعد به هو الصدق في كل ما سأكتب".


حكايات داخل مكتب أكتوبر (2)


تولى محمد الكيلاني رئاسة المكتب وهو في عمر صغير فكان تحديًا كبيرًا له، وكان يريد أن يثبت لنفسه وللإدارة في القاهرة صحة اختيارهم، فقرر أن يستعين بمجموعة جديدة من الشباب يحيي بها هذا المكتب وليكون شعلة نشاط كبيرة، وجعل من هذا المكتب الصغير بؤرة للصحفيين في الإسكندرية، وملجأ لأي صحفي يحتاج لخدمة أو مساعدة، أو صحفي يبدأ حياته المهنية ويحتاج للاستشارة أو المساعدة، فكان يسمى "بيت الصحفيين" بالإسكندرية، وكان يزور المكتب كبار السياسيين والمسئولين بالإسكندرية.


بدأ الكيلاني في البحث عن شباب من خريجي قسم الإعلام بجامعة الإسكندرية كان هدفه أن يستعين بشباب مليئ بالحماس والطاقة ولديه طموح، وفي نفس الوقت يربيهم صحفيا على يديه.


كان يريد شباب "طازة" وكانت دفعة 1992 هي الدفعة "الطازة" من قسم الإعلام، فذهب إلى الأساتذة أصدقائه هناك وطلب منهم ترشيحات، وكان يريد شبانًا وليس بنات، وكانت وجهة نظره أن الفتاة بعد فترة تبدأ البحث عن العريس ثم الخطوبة فالزواج وبالتالي اهتمامها بالصحافة يقل وتهتم بحياتها الشخصية أكثر، وهو محق –دون تحيز ضد المرأة- لأن مهنة الصحافة فعلا –غير باقي المهن- تحتاج إلى تفرغ كامل، ولا تحب وجود شريك لمن يعمل بها.


وكان عدد الشباب في دفعتي (1992) يعد على الأصابع، ومن تدرب فيهم على الصحافة اثنان أو ثلاثة، منهم العبد لله حيث تدربت وقتها في مكانين، جريدة الأيام، ومجلة المسلة، وكنت أحد المرشحين ولكني وقتها كنت التحقت بالخدمة العسكرية بالفعل في أكتوبر 1992، ولم أعد متاحًا، فرشح الأستاذ جمال مجاهد المعيد بقسم الإعلام وقتها وأستاذ الإعلام فيما بعد، زميلتي وصديقتي العزيزة سلوى محمود للأستاذ الكيلاني، "مدير تحرير مجلة أكتوبر ومدير مكتب الإسكندرية حاليا" وقال له "على ضمانتي" رغم أنه لا يريد فتيات، وقاله "جربها" ولو لم تصلح استغن عنها.


في نفس التوقيت كان زميلي وصديقي العزيز الراحل إبراهيم رضوان، يبحث عن فرصة وكانت خدمته العسكرية في شهر يناير أو فبراير "لا أتذكر" لأنها تختلف باختلاف تاريخ الميلاد، وكان إبراهيم يتوقع حصوله على الإعفاء من الجيش نظرا لوجود إصابة كبيرة بالرباط الصليبي بقدمه.


فذهب للكيلاني من طرف الأستاذ علاء رفعت، والكيلاني قبله ضمن المتدربين حتى يعرف موقفه من التأدية العسكرية.


فأصبح مع الكيلاني سلوى محمود وإبراهيم رضوان، وكان هناك شاب قبلهم بشهر أو اثنين اسمه نصر، ولكن نصر حصل على فرصة عمل بالخليج وسافر، ووجد الكيلاني أن اثنين شباب متدربين بالمكتب غير كافيين، خاصة أنه لا يعلم مستقبل إبراهيم مع الخدمة العسكرية، فسأل سلوى محمود عن باقي زملائها في الدفعة، فذكرت له اسمي، وتذكر أنه رآني عند علاء رفعت، وكانت مرت عدة شهور لي بالجيش، كنت تحولت إلى وحدة داخل الإسكندرية وكنت أرجع يوميا إلى المنزل، ما عدا أيام الخدمة التي لابد أن أبات الليلة داخل وحدتي العسكرية.


اتصلت بي سلوى محمود، والتي أثبتت جدارة منذ اليوم الأول، وحازت على ثقة الكيلاني وأصبح يعتمد عليها كثيرًا، وسألتني "هل تحب أن تعمل في مجلة أكتوبر؟" فضحكت وقولت لها "هذا ليس سؤالا، لأن الإجابة معروفة طبعا، يسعدني جدًا، ولكن كيف وأنا ما زلت بالجيش"، طلبت مني أن أذهب يوم أكون أجازة إلى الكيلاني، وشرحت لي أنه على علم بوضعي وأنه متذكرني ويرحب بوجودي معهم.


وكنت أرى الكيلاني خلال وجودي كمتدرب وأنا طالب مع الأستاذ علاء رفعت الصحفي الكبير بالأخبار رحمه الله، وهو أيضا له مقالا مستقلا، فكنت أنا وصديقي العزيز منير عتيبة نذهب إلى علاء رفعت للتدريب في مجلة "المسلة" وكنا نشاهد العديد من الصحفيين عنده من ضمنهم محمد الكيلاني.
ولي ذكرى أيضا لا تنسى مع مجلة أكتوبر، وكانت فألًا حسنًا للعمل بها، عندما فزت في مسابقة "اقرأ واكسب"، وكنت اشتركت مع صديقي العزيز منير في هذه المسابقة الجميلة، وكنا في آخر سنة بالجامعة على ما أذكر، وكانت عبارة عن قراءة كتاب، وكتابة مقال عنه، والفائز يربح كتبًا أيضًا، والكتب الرابحة من دار المعارف والهيئة العامة للاستعلامات، وقتها فزت أنا ومنير عتيبة، ونشرت المجلة صورتي، لأنني فزت بمركز متقدم، وكنت سعيدًا جدًا بهذا الفوز، ويشاء القدر أنه بعد نشر صورتي في المجلة بأشهر أصبح محررًا داخل هذا الصرح العظيم.


كما أن والدي رحمه الله كان من قراء أكتوبر ويحتفظ بكل الأعداد، منذ العدد الأول، وكان يتضايق مني عندما لا أحضر المجلة كل أسبوع، ويسألني "أين المجلة؟" فأخبره أنه لم ينشر لي هذا العدد، فيخبرني أنه لا يقرأ لي فقط بمجلة أكتوبر، وإنما يقرأ ويتابع المجلة كلها. 


لا أنسى مقابلة الكيلاني لي أول مرة، شاب 22 سنة، ليس لديه أي خبرة في الحياة إلا قليلًا، مرتبط بالخدمة العسكرية وما زال أمامه ما لا يقل عن سبع أو ثمان شهور لإنهائها، كنت أقدم رجلا وأؤخر الأخرى وأنا ذاهب، كيف سيقبلني للتدريب، ماذا سأفعل؟ كيف سأتعامل معه؟ أسئلة كثيرة لم أكن أعرف إجابتها، ولكن مجرد مقابلته تجاوزت كل هذه الأسئلة، ووجدت شخصا متعاونا لأقصى درجة، محب للشباب، متحمسا لي ويريد أن يعطيني الفرصة، قال لي لديك فترة مسائية كل يوم بعد أن تعود للمنزل، تستطيع أن تنزل وتبدأ في جمع أخبار، ولا تقلق وبعد انهائك مدة الخدمة العسكرية ستكون معنا من بداية اليوم، وقدمت له ملفا صحفيًا متواضعًا يحمل قصاصات من موضوعات كتبتها في جريدة الأيام، ومجلة المسلة نظر فيه باهتمام، وطلب مني مبدئيًا إعادة تنفيذ بعض الأفكار المنشورة في جريدة الأيام بشكل مختلف، ولتكون بداية لي.


خرجت من المكتب أكاد أرقص فرحًا بما حدث ولا أصدق تماما أن هذه الفرصة الكبيرة بين يدي حقيقة وليس خيال.


وكنت أقوم بكتابة الأخبار المطلوبة أو التحقيقات، وأذهب مساء لمكتب المجلة المغلق، وأضعها في ظرف أرميه من تحت الباب، حتى يستلمه في الصباح، وهذه كانت بدايتي في مجلة أكتوبر.


ولنتعرف على حكايات فريق الأربعة والقوى الضاربة لمكتب أكتوبر بالإسكندرية في المقال القادم بإذن الله.

search