سيد فودة: تجارة الموت والنزاعات المسلحة
الثلاثاء، 14 يناير 2025 08:34 م
سيد فودة
بينما تكشف الأزمات العالمية والظواهر الاجتماعية الخطيرة أوجهًا متعددة من الانتهاكات، يأتي استغلال أجساد البشر في تجارة مربحة وغير إنسانية ليؤكد أن الكرامة الإنسانية تتعرض لانتهاكات صارخة، حتى بعد الوفاة.
وأحد أبرز الأمثلة على هذا الانتهاك ما أثاره مصمم الأزياء الإندونيسي أرنولد بوترا عام 2016، عندما تصدر عناوين الأخبار بسبب تصميماته الغريبة المثيرة للجدل. بوترا، المعروف بثروته الفاحشة وذوقه المختلف، وقد أحدث صدمة كبيرة بتقديم “شنطة يد رجالية” ليست مصنوعة من المواد المتعارف عليها ، بل مصنوعة من عمود فقري بشري لطفل يعاني من هشاشة العظام، وجلد تمساح. وقد عُرضت الحقيبة للبيع بسعر 5000 دولار على مواقع الموضة، مما أثار موجة من الغضب والاستياء في الأوساط العالمي
في البداية، لم يلحظ أحد المادة الخام للحقيبة، لكن في عام 2019 كان هناك طالب يُدعى مكسيم يتصفح الانترنت حين رأي الحقيبة ولفت انتباهه تصميم الحقيبة الغريب ، وأثار فضوله حول أصل المواد المستخدمة. وعرض مكسيم صورة الحقيبة على عدد من أطباء تقويم العظام الذين أكدوا أن المقبض مصنوع من عمود فقري بشري.
قام مكسيم بنشر ما تم اكتشافه حول الحقيبة المرعبة والغير انسانية على تويتر يوم 23 مارس 2019، ما أدى إلى انتشار واسع للقضية، وأصبحت حديث السوشيال ميديا. مع انتشار التفاصيل البشعة تصاعد الغضب الشعبي ، ودفع المستخدمين إلى إجراء تحقيقات خاصة حول مصدر العظام البشرية المستخدمة في التصميم.
أرنولد بوترا برر أفعاله بأنه حصل على العظام البشرية بشكل قانوني من مصادر طبية مرخصة في كندا، وهو أمر أثار تساؤلات واسعة حول التنظيم الأخلاقي لهذه التجارة. إلا أن التحقيقات كشفت جانبًا أكثر إثارة للقلق، حيث وُجد أن بوترا كان يسافر إلى مناطق يسكنها قبائل أصلية للحصول على العظام مقابل مقايضتها بسلع قيمة.
وأكدت إحدى الرسائل التي تداولها مستخدمو الإنترنت أن بوترا لا يستطيع تحديد القبائل التي حصل منها على العظام البشرية، مما أثار مزيدًا من الشكوك حول أخلاقيات عمله وشفافيته.
وبما اني اعمل منذ سنوات في مجال حقوق الانسان ومطلع علي القوانين ذات الصلة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان فأستطيع ان اقول ان ما فعله أرنولد بوترا يعد انتهاكًا صارخًا للحقوق الإنسانية الأساسية، خاصة حقوق الأطفال، التي نص عليها القانون الدولي.
ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة، يُعتقد أن تجارة الأعضاء غير المشروعة تحقق أرباحًا سنوية تتجاوز 1.5 مليار دولار.
كما ان منظمة العفو الدولية أشارت إلى أن 80% من ضحايا تجارة الأعضاء حول العالم هم من المناطق المتأثرة بالحروب والنزاعات المسلحة. وفي سوريا واليمن، أفادت تقارير موثوقة أن آلاف الأطفال والنساء تعرضوا للاختطاف أو القتل بهدف انتزاع أعضائهم.
وللأسف الأطفال هم الفئة الأكثر تضررًا في هذه التجارة المروعة، حيث يتم استغلالهم لأسباب عدة مثل سهولة اختطافهم أو استغلال أوضاعهم الهشة كلاجئين أو نازحين. وارتفاع الطلب على الأعضاء الصغيرة مثل القلوب والكلى، والتي يمكن زراعتها في أجسام المرضى الأصغر سنًا.
كما ان في تقرير أصدرته منظمة “هيومن رايتس ووتش” عام 2021، أُشير إلى أن شبكات إجرامية تعمل في ليبيا وسوريا تقوم بتهريب الأطفال من مخيمات اللاجئين إلى شبكات عالمية لتجارة الأعضاء، حيث يتم بيع الكلية الواحدة بسعر يصل إلى 50 ألف دولار.
وإلى جانب استغلال النساء في تجارة الأعضاء، يتم استهدافهن في مناطق النزاع لأغراض متعددة، كالإتجار الجنسي، ومن ثم بيع أعضائهن بعد وفاتهن أو قتلهمن. والضغط عليهن للتبرع بأعضائهن لإنقاذ أفراد أسرهن المحتجزين لدى الجماعات المسلحة.
تجارة الأعضاء البشرية تمثل انتهاكًا مباشرًا للعديد من المواد القانونية الدولية، منها:
المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948): “لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه”.
اتفاقية حقوق الطفل (1989):وتنص المادة 35 على ان “تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة على المستوى الوطني والثنائي والمتعدد الأطراف لمنع اختطاف الأطفال أو بيعهم أو الاتجار بهم لأي غرض ولأي شكل كان”.
اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية (2000): تجرم الاتجار بالبشر، بما في ذلك لأغراض استئصال الأعضاء.
إن انهيار القانون والنظام وغياب الدولة في مناطق النزاعات يؤدي إلى فتح الباب أمام الشبكات الإجرامية لاستغلال المدنيين. كما ان الفقر واليأس يجبر الأهالي أحيانًا على بيع أعضائهم أو أعضاء أطفالهم لتوفير الغذاء أو الهروب من مناطق النزاع. كما ان هناك طلب عالمي مرتفع على الأعضاء البشرية في الدول المتقدمة مما يغذي هذه التجارة ويزيد من استهداف الأضعف والأكثر احتياجًا.
يجب مواجهة هذه الكارثة الإنسانية فالقضية لا تتعلق فقط بأرنولد بوترا وحقيبة اليد المصنوعة من عمود فقري بشري، بل بواقع مأساوي يعاني منه الملايين في مناطق الحروب والنزاعات فيجب على الأمم المتحدة والمنظمات الدولية العمل على تعزيز القوانين لمكافحة هذه التجارة المشينة. كما ان على الدول المتقدمة، حيث ينتهي المطاف بالأعضاء المهربة، أن تتحمل مسؤوليتها من خلال تعزيز المراقبة القانونية وإغلاق الأسواق السوداء.
أعتذر اني أطلت عليكم في هذا المقال ولكن القضية كبيرة ومرعبة ويجب التوعية عنها ، فبين صناعة الموضة التي تتجاهل القيم الإنسانية، والحروب التي تحول البشر إلى سلع، يبقى السؤال: أين نحن من كرامة الإنسان؟
استخدام أجساد الأطفال والنساء لتحقيق مكاسب مالية، سواء في صناعة الموضة أو تجارة الأعضاء، هو وصمة عار على جبين الإنسانية. وعلينا كمنظمة مجتمع مدني وعلي العالم أن يتحرك بحزم لإنقاذ الأرواح البريئة من براثن الاستغلال، لأن كرامة الإنسان ليست قابلة للتفاوض، حتى في أكثر الظروف ظلمةً وفوضوية.
نسخ الرابط للمقال
آخبار تهمك
سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري في السوق السوداء والبنوك
20 يناير 2025 03:30 ص
سعر الذهب في مصر اليوم الاثنين 20 يناير 2025
20 يناير 2025 01:20 ص
سعر الجنيه الاسترليني أمام الجنيه المصري اليوم الأحد 19 يناير 2025
19 يناير 2025 11:34 ص
سعر الدينار الكويتي أمام الجنيه المصري اليوم الأحد 19 يناير 2024
19 يناير 2025 11:31 ص
سعر الريال السعودي أمام الجنيه المصري اليوم الأحد 19 يناير 2025
19 يناير 2025 11:28 ص
سعر اليورو أمام الجنيه المصري اليوم الأحد 19 يناير 2025
19 يناير 2025 11:24 ص
الأكثر قراءة
-
تفاصيل عرض شقق ياسين منصور.. مقدم 1.5%
-
تعرف على كلمات أغنية فعلا مبيتنسيش لـ تامر حسني ورامي صبري
-
دليل حفلات رأس السنة 2025 كاملاً.. أبرز النجوم وأسعار التذاكر والأماكن في مصر والوطن العربي
-
دليل شامل لعروض أفلام ليلة رأس السنة 2025 في السينما والتلفزيون (صور)
-
ترشيحات "المصري الآن" لأفضل 10 مسلسلات قصيرة في 2024
أكثر الكلمات انتشاراً